منير الربيع
قبل حوالى أسبوعين، كان وزير سابق محسوب على “التيار الوطني الحرّ”، يهمّ بالسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية. لكنه لم يستطع إكمال رحلته. أُنزل من الطائرة بعد إبلاغه بإلغاء تأشيرة دخوله إلى أميركا. استغرب الرجل ما حدث معه، ليتبيّن فيما بعد أن الإجراء كان متعمّداً من قبل الإدارة الأميركية، لإيصال رسالة مباشرة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ووزير الخارجية جبران باسيل. فحوى الرسالة هو الاستمرار بالضغوط الأميركية على لبنان، وعلى مسؤولين بارزين موالين لحزب الله أو متحالفين معه.
التمهيد لـ”صفقة القرن”
الغاية من هذه الضغوط، لا تتعلق بما هو سائد ومتداول يومياً عن سعي أميركي لخنق كل من له علاقة بالحزب. فالغاية أبعد من ذلك، ولا يمكن فصلها عن مسار الضغوط الواقعة في المنطقة ككل، والتي تصل إلى استعراض القوى العسكرية الأميركية في منطق الشرق الأوسط. استقدام حاملة الطائرات، وقاذفات الصواريخ من قبل واشنطن إلى الخليج والبحر الأبيض المتوسط، توضع في سلّة الضغوط نفسها التي تمارس على مسؤولين لبنانيين. وكل هذه الضغوط لها هدف واحد، هو الاستعداد لإعلان “صفقة القرن”.
هذه الصفقة التي تحدّث عنها مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير، وأشار إلى أنها ستعلن في شهر حزيران، بعد شهر رمضان، لن تكون مقتصرة على الإجهاز على القضية الفلسطينية، إنما سيكون لسوريا ولبنان ارتباط وثيق بها، بالإضافة إلى الارتباط العضوي للأردن ومصر. وحسب الموقف الأميركي، فإن تلك الصفقة لا يمكن أن تُعلن من دون جرّ إيران إلى الموافقة عليها. فطهران وحلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله، هم أبرز القادرين على عرقلة الصفقة، بافتعال معارك عسكرية واسعة، أو ضيقة، في الداخل الفلسطيني، عبر بعض الجماعات الموالية لهم.
لا يفصل الأميركيون بين الضغوط على إيران، والضغوط على لبنان لتنفيذ صفقة القرن. وكل المؤشرات تفيد بأن ثمة تحالفاً ثلاثياً أصبح واقعاً بين واشنطن وموسكو وتل أبيب، يعمل من أجل فرض تلك الصفقة. هو حلف بدأ بالالتقاء على تقديم الهدايا الكثيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من القدس إلى الجولان وصولاً إلى صفقة الرفات. بعض الدول الأوروبية أيضاً، شريكة في التحضير لإنجاز هذه الصفقة، سواء مع إيران أو مع لبنان. وليس تفصيلاً هذا الاهتمام الأوروبي لإنجاز توافق مع إيران، والاهتمام أيضاً بالوضع الاقتصادي اللبناني، والوعود الكثيرة بإنقاذ لبنان من الانهيار المالي.
اللاجئون الفلسطينيون والمساعدة الاقتصادية
وحسب ما تؤكد المعلومات، فإن الالتقاء أصبح واضحاً بين بعض الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا، سعياً لترتيب تفاهم مع إيران، يرادفه اهتمام فرنسي كبير بمؤتمر سيدر ومندرجاته، وبريطاني بمتابعة الأوضاع اللبنانية عن كثب، والتي تجلّى آخرها بزيارة العديد من المسؤولين البريطانيين إلى لبنان، وأبرزهم وزير الدولة لشؤون الخارجية البريطاني آليستر بيرت، الذي التقى مختلف القيادات اللبنانية، وبحث معهم في موضوعات عديدة، منها ذات الطابع التنموي وعلى علاقة بالمساعدات المالية والاقتصادية، وبقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وحسب ما تكشف المعلومات، فإن الوزير البريطاني عرض على لبنان توطين حوالي مئة ألف فلسطيني في لبنان، مقابل الحصول على مساعدات مالية تمنع أي تدهور اقتصادي.
إغراء إيران
ووفق النظرة الأوروبية وتحديداً البريطانية والفرنسية، فلا يمكن تحقيق أي تقدّم بما يخص صفقة القرن، من دون تدبير اتفاق مع إيران، لأنها وحدها القادرة على عرقلة ذلك. ولذا، يتم استخدام أسلوبين في إطار توزيع الأدوار مع طهران، أسلوب العصا الغليظة عبر الأميركيين، وأسلوب جزرة التفاوض عبر الأوروبيين. وتدرج المصادر كل الضغوط المفروضة على إيران، وتنعكس توتراً في الخليج، ضمن عملية جرّها إلى مفاوضات تتصل بتسهيل إنجاز صفقة القرن، والضغط على بعض الفلسطينيين للموافقة على ذلك. أما الإغراء المقدم لإيران فهو أن قبولها أو “سكوتها” سيُقابَل بسحب بند “نفوذ إيران في المنطقة” من طاولة المفاوضات، ولا بأس في التنازل لها عن كل مناطق نفوذها من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، مقابل تفاهم أو تحالف مع الغرب، وعدم عرقلة صفقة القرن.
من ترسيم الحدود إلى حلف الأقليات
زيارة الوزير البريطاني، لا تنفصل عن زيارة مساعد نائب وزير الخارجية الاميركي ديفيد ساترفيلد، والتي ستتحول إلى مكوكية. إذ زار إسرائيل بعد لبنان. وسيعود إلى لبنان قريباً، لاستكمال البحث في ترسيم الحدود. وعليه، فإن العمل مع لبنان يجري على ثلاث نقاط، إنجاز ترسيم الحدود، وضمان أمن إسرائيل، وعدم عرقلة صفقة القرن، مقابل توطين مئة ألف لاجئ فلسطيني، وحصول لبنان على دعم تنموي ومالي واقتصادي، بانتظار لحظة استخراج النفط. ولتحقيق ذلك، ثمة ضغوط عديدة موجودة، من نظام العقوبات على حزب الله، إلى الرسائل الأميركية التي تحتوي عقوبات جديدة على شخصيات موالية لحزب الله، قد تصدر قريباً، إلى الشروط التي يضعها الأوروبيون لتقديم المساعدات للبنان، والتي تتعلق بإنجاز الإصلاح المالي والإداري.
وحسب ما يعتبر الأميركيون، فإن الاتفاق مع إيران، هو وحده القادر على إنجاز صفقة القرن، ولذلك كل الضغوط التي تتعرض لها طهران، لا تنفصل عن مسار الصفقة، خصوصاً أن معظم العرب أصبح موافقاً عليها. ولبنان لن يكون قادراً على مواجهتها، وفق تقديرات العديد من المسؤولين اللبنانيين، الذين يسعون، كل حسب معسكره، إلى تحسين شروطهم وفق ما تقتضيه مصلحتهم، سواء كانت مالية أو عسكرية أو سياسية. وعليه يستبعد هؤلاء المسؤولون اللبنانيون أي إمكانية لانفجار الأوضاع في الخليج، وتطور الأمور إلى حرب، حتى ولو وقعت بعض المناوشات، فالمسار الذي يريده الجميع هو التفاوض الحتمي الإيرانيال أميركي، الذي سيكون على حساب العرب وليس القضية الفلسطينية، لأن إيران ستحتفظ بنفوذها في المنطقة، وهي ترتكز على أكثر من موقع قوة، سواء بحلفائها أو بثقلها المذهبي والأيديولوجي، أو حتى بدورها في صوغ الوجه الجديد للمنطقة، الذي يقوم على مبدأ تحالف الأقليات.. والذي -على ما يبدو- يلقى قبولاً روسياً أميركياً تجلّى في سوريا، والأوروبيون غير بعيدين عنه.
المصدر: المدن