أحمد مظهر سعدو
يُقبل عيد الفطر (السعيد) على الشعب السوري في محافظة ادلب، بينما يترقب الناس الصواريخ النازلة عليهم من طائرات المحتل الروسي، وزبانيته من ميليشيات للنظام السوري، أو تلك التابعة لإيران. يهرب الناس بل يفرون من الموت، وآخرين يلملمون جراحهم، أو يدفنون موتاهم، التي يخلفها القصف الروسي، أمام صمت مطبق من العالم أجمع، وتجاهل واضح المعالم من قمم العرب والمسلمين، وكأن شيئًا لم يحصل في ادلب لأكثر من 4 ملايين إنسان سوري عربي ومسلم. ويهرب العيد وفرحته من صدور الناس، وينظر الطفل الادلبي أو السوري في ادلب إلى العيد بطريقة مختلفة، وواقع ليس أسوأ منه إلا التخلي والخيبة التي يعيشها الناس هناك.
مع استمرار القصف الأسدي الروسي المجرم على إدلب وما حولها، ومن ثم حالة الخوف والتهجير وتلك المقتلة الحاقدة التي تقع فوق رؤوس أهلنا في الداخل/ خارج سيطرة النظام، ومع قدوم عيد الفطر المفترض أنه سعيد، وقد بات على الأبواب. ترى كيف سيكون حال العيد لدى أهلنا تحت القصف؟ وهل من مظاهر ما لعيد حالي أو لابد قادم؟ سألت جيرون النشطاء والناس في إدلب فكانت هذه هي أحوال العيد هناك.
الناشط في ريف حلب الغربي ثروت حميدو وأحد العاملين في منظمة إنسانية سورية قال لجيرون ” بالنسبة لمناطق إدلب وريف حماة وريف حلب الغربي المحرر، بالطبع سيقتصر العيد على إحياء شعيرة عيد الفطر في صلاة العيد جماعة في المساجد والمخيمات. ثم زيارة مقابر الشهداء. وزيارة عوائل الشهداء والمصابين حديثًا، إذ لا وجود لفرحة العيد أو طقوسه المعتادة” وأضاف حميدو” بعد اليوم الأول ستبدأ عملية تنظيم المقاومة الشعبية، لرفد الجبهات من أهلنا النازحين بالأخص أبناء القرى التي تتعرض للقصف حاليًا، أيضًا ستبدأ عملية تنظيم التجمعات البشرية للنازحين وتأمين خيم ومستلزمات المعيشة لأنه من المتوقع استمرار المعارك لفترة قادمة، أما بالريف الشمالي في درع الفرات وغصن الزيتون فالأمر مختلف. ونعتقد أنه سيكون هناك بعض مظاهر للعيد وإن كانت ناقصة وتفتقد البهجة”.
أما الناشطة السورية الحلبية حسناء الحاج فقالت بحرقة ” العيد حزين منذ اندلاع الثورة، ولابد لعيد قادم يعيد بهجته أمن وسلام بزوال مصدر الارهاب الأول بشار وزمرته ولابد للعيد أن يأتي، وأعني عيد النصر”.
أما الإعلامي السوري عبد الكريم درويش فتحدث لجيرون بقوله ” حين يكون أزيز طيران الاستطلاع الحربي الروسي موسيقى الرعب الخلفية لأوقات السحور في رمضان، ويعقبها الطيران الحربي في الصباح الباكر ليقصف بشكل عشوائي ريف حلب الغربي، كفرحلب، الاتارب، كفرعمة، ويواصل القصف إلى إدلب مدينة وريف، بنش، تفتناز، أريحا. أما في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي فيصبح القصف كثيفًا من الطيران الحربي الروسي والأسلحة الثقيلة من جيش النظام التي تحرق الأرض وتلتهب السماء وينزح الناجون من الموت إلى الشمال باتجاه الحدود التركية، حيث لا ماء ولا طعام ولا خيام ولا حماية ولا أمان”. وأضاف قائلاً ” السوري على الأرض في الداخل يفقد الثقة بكل شيء، وبكل وعد أو كلام، حيث لا فرق بين الصديق والعدو، بين النظام وغيره، وهو ينتظر الموت بصاروخ رحمة ينهي آلامه ومعاناته، بين الموت والمذلة، فقدت الأشياء معناها، منذ رمضان إلى العيد أرض ووطن ومهاجرين وأنصار وفصائل مجاهدين سنحكي لك يا الله كل شيء كل شيء”.
الضابط السابق في إحدى فصائل المعارضة العاملة في ادلب عمر قربون أكد لنا أنه ” بداية نترحم على أرواح الشهداء الذين سقطوا ضحايا الهجمة الاجرامية الروسية السورية، وننعي لأنفسنا أمة ميتة، وعالم منافق، كاذب، يخبئ وجهه القبيح وراء شعارات ومبادئ مزيفة يتغنى بها عند الحاجة. لم يعد يخفى على أحد أن ما يتعرض له الشمال المحرر، وأقصد هنا محافظة ادلب، وما تعرضت له سورية عامة من قبل، هي حرب إبادة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة المحرمة، وبطريقة إجرامية، لم يتعرض لها شعب بالتاريخ، ولكن المفاجئ كان الثبات الأسطوري، والارادة التي تدك الجبال، من هذا الشعب السوري الجبار العظيم، فلذلك فإن هذا العيد سيكون حاله كسابقيه ندفن شهداءنا بالليل ونعايد بعضنا في الصباح”. ثم قال ” تعود هذا الشعب بأن لا تكسره الملمات ولا تطأطئ رأسه الأزمات، ولكن يزيد هذا العيد عن سابقيه حجم التهجير الذي حصل مع الهجمة الشرسة الاجرامية الأخيرة فقد أخليت الكثير من القرى والبلدات من سكانها، وبقيت أخرى مكتظة تكابر وتصبر تحت قصف همجي يومي، لأنه لم يعد هناك مكان للنزوح، كما أن هذا العيد تميز بعدم وجود مظاهر تدل على قدوم العيد، لأن الاسواق غالبًا ما تكون مغلقة، والناس لم تعد تذهب إلى الأسواق إلا لقضاء الحاجات الأساسية وبشكل سريع يرافقه ترقب، والسبب أن عصابة الإجرام من احتلال روسي وعميل سوري تركز في قصفها على الأسواق والمرافق الحيوية، ولا أعتقد أن قادم الأيام ستكون هادئة، لأنه من لم يرع حرمة لكل شهر رمضان، فلن يكون في ما تبقى منه بأحسن حال”.
أما المهجر القسري إلى كفر تخاريم يوسف الغوش رئيس المجلس المحلي السابق في زملكا فقال ” لم يختلف المشهد السوري في هذه الأيام عما سبقه من مشاهد المجازر والدمار والتهجير بحق المدنيين التي تعرضت لها مدن حلب وحمص وريف دمشق ودرعا، هي ذاتها ما نراه اليوم في مدن شمالي حماة وإدلب في سعي اجرامي من قبل النظام الأسدي وداعميه الروس والايرانيين لإنهاء ثورة الشعب السوري، فيما بقي من محرر، أتى شهر رمضان هذه السنة وقريبا العيد، محملًا بأعداد اضافية كبيرة من الشهداء والأرامل والأيتام، وأكثر من أربعمائة ألف من المهجرين، متوزعين في المزارع والمخيمات والدور غير المخدمة والمستأجرة”. ثم أضاف ” يحصل هذا أمام مرأى ومسمع العالم، الذي يبدو أن زمن شعاراته بالديموقراطية وحقوق الانسان، التي طالما حلمنا بها قد توقفت عند إرادة السوريين بالتغيير، فأصبحت بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ومع الصمود الأسطوري الذي يبديه المقاومون الشرفاء في الجبهات، وكذلك المدنيون الذين ذاقوا مرارًا تلك المآسي والنكبات، سيأتي الفجر وينتهي كل هذا ويحقق الشعب السوري، ما خرج بثورته لأجله يومها سيكون عيد النصر عيد الأعياد”.
رائد زين المدرس في مدينة أريحا والقيادي في المقاومة الشعبية بإدلب قال ” نحن لا نمتلك الخيار بأن نقول نعم أو لا، فالقصف اليومي والذي يتحرى الأسواق وأماكن الازدحام جعل الحركة متواضعة جدًا للتسوق خوفًا من القصف من جهة، وبسبب كثرة النازحين خارج المدينة من جهة أخرى، كذلك فإن تعاطف الناس مع أهالي الشهداء الذين خسروا أولادهم أو أقاربهم بالفترة الماضية يجعلهم يخجلون من التسوق للعيد والاستعداد له، كذلك فإن بعض الحوادث الفردية كاﻷب الذي اشترى ثيابًا جديدة ﻷولاده ، ثم بعد أيام استشهدوا تحت القصف فوضع ثيابهم للعيد فوق القبر، تجعل الناس تحجم عن الشراء تعاطفًا وغضبًا، أضف إلى ذلك الحالة الاقتصادية المتردية للناس، وخاصة أن كثيرين منهم لم يعودوا قادرين على الوصول ﻷراضيهم ومحاصيلهم والتي حرقت عصابة الأسد مساحات واسعة منها، جعل الناس يحافظون على ما معهم من مال تحسبًا ﻷيام قادمة أكثر سوادًا”. ثم قال ” بالمجمل فإننا في المحرر لا نشعر بأجواء العيد أبدًا، ولا يوجد أي شيء يجعلنا نفكر بالعيد، خاصة وأن القصف اليومي اﻹجرامي لم ينقطع بعد “.
المصدر: جيرون