منجد الباشا
كان للفشل الذريع الذي أصابنا كقوى سياسية وطنية ديمقراطية في دورنا بالثورة السورية التي هرمنا ونحن بانتظارها، كما كان لتمكن التيار الإسلاموي من اختطاف هذه الثورة واستثمارها لصالح أجندته الخاصة. مدعاة للكثير منا للتأمل والمراجعة. كما أن الاحتشاد الجامع الذي تحقق حول شعار المجلس الوطني يمثلني في السنوات الأولى للثورة، وشعارات الوطنية والديمقراطية، ووحدة الشعب السوري والوطن السوري. كل ذلك جعلنا نستعيد بعضًا من تاريخ نضالنا السياسي ومسار القوى السياسية وتشكيلاتها، التي كانت سائدة في فضائنا السياسي والثقافي، طوال فترة ثلاثة أرباع قرن من الزمان الذي مضى. وكان من المتفق عليه بين أوساط الساسة والمفكرين العرب، أن الساحة السياسية في سورية، وكذلك الوطن العربي، كانت منقسمة بين تيارين رئيسيين هما التيار الاسلامي والتيار العَلماني الديمقراطي. حيث كانت التيارات الماركسية الشيوعية تضاف إلى هذا التيار. وكان من المسلَّم به، أن هذه التيارات كانت تمثل قوامها الأعظمي المكونات الأقلوية في المجتمع السوري، طائفيًا، مذهبيًا، اثنيًا، قوميًا.
إن الخلل القاتل الذي أصاب الثورة السورية من خلال عدم تمكن القوى السياسية بتياريها من التنسيق فيما بينها، وإنتاج قيادة موحدة تدير شؤون الثورة، وتحشد جماهير الشعب خلفها، وتحقق أهداف الثورة وانتصارها. كان من منظورنا بسبب انعدام الثقة التاريخي بين هذين التيارين، وكان بسبب الفهم السائد والموروث لطبيعة العمل السياسي والصراع بين الفرقاء السياسيين، الذي كان يعني في جل ما يعنيه القضاء على الطرف الآخر، أو إقصائه إلى الأبد في الحال الأحسن. إن هذه الظاهرة التي أدت إلى تهشم كافة القوى السياسية وتشظيها في الثورة السورية، دعتنا إلى الاستنتاج. وذلك لم يكن قدرًا خص نخبنا وقوانا السياسية دون غيرها في هذا العالم، إنما كان نتاج وعي وفهم تشكل ضمن إطار فلسفة سياسية تقوم على مبدأ صراعي تناحري تفتيتي، والذي أورثته لنا ثقافة برانية، وطبعت نخبنا بها على مدى العقود المنصرمة. وعليه فإننا إذا ما أردنا أن نعتبر من دروس الثورة وأن نمعن النظر في هذه الظاهرة، وأن نحافظ على وحدة وطننا ودولتنا الديمقراطية، دولة المواطنة والقانون. وأن لا نركع لهذا التسونامي المافياوي الامبريالي الزاحف ليهضم شعوبنا الضعيفة، ثم يتقيأها أدوات وآليات تخدم هيمنته وأسباب ديمومته، اقتباسًا من المرحوم الدكتور (طيب تيزيني)، علينا أن نتعلم من دروس ثورتنا، فلا نعود ونكرر أخطاءنا القاتلة، وأن نبتعد في ممارساتنا السياسية والحزبية والنضالية عن كل ما يثبت في أطرنا السياسية مرتكزات صراعية تناحرية تفتيتية، والعمل وفق أساليب وطرائق توحدنا وتجمعنا وتنجز صراعاتنا ضمن إطار الوحدة وخدمة الوطن الواحد.
إن اعادة النظر في معادلة توزع القوى السياسية على تيارين رئيسيين. المعادلة التي دفعتنا إلى هذا المقتل التاريخي الذي نعيشه، باتت من الضرورة بمكان، بحيث نستطيع الابتعاد عن إنشاء التكتلات والأطر السياسية التي تعتمد نفس الأساليب السابقة، والقيام باختراق الكتلة الأغلبية في مجتمعاتنا، التي كانت حكرًا على الاسلامويين.. واختطاف هذه الكتلة من أنياب هؤلاء لصالح أحزابنا وتوجهاتها الديمقراطية والوطنية، وإنهاء (إلى الأبد) ما سمي بظاهرة تكتل الأحزاب العَلمانية الأقلوية المذهبية والطائفية، التي تعتبر مفاهيم العَلمانية والديمقراطية ودولة المواطنة حكر عليها فقط.