أحمد مظهر سعدو
تنتشر الأخبار والمعلومات المتتالية عن تسريب أو بيع الأسئلة الامتحانية للشهادتين الإعدادية والثانوية، في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ومن ثم تفوح رائحة الفساد التي أزكمت الأنوف، في كل مفاصل وزارة التربية وما يرتبط بها، حتى باتت شهادات السوريين غير معترف فيها كلية لدى اليونسكو وكل المنظمات والدول المعنية الإقليمية والعالمية.
ولا يجد حرجًا وزير تربية النظام من الاعتراف بتسريبها، دون وازع من أية قيم. حول هذه الفضيحة الجديدة للنظام السوري كان لابد من تسليط الضوء على حجم الفساد عبر تسريب الأسئلة؟ وهل هو متعمد؟ وما قيمة الشهادات العلمية إن لم يكن معترف بها دوليًا؟ وهل يؤثر ذلك على مجمل الطلاب في مناطق يسيطر عليها النظام؟ أم على سمعة الشهادات السورية عمومًا؟ وهل من واجب السوريين فضح هذه الممارسات أم لا؟
محمد صالح أحمدو مدير في وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة والمدرس قال لجيرون ” تسريب الامتحانات للثانوية العامة والتعليم الأساسي في مناطق سيطرة المجرم بشار الأسد وضع ليس بالجديد فهذا الأمر كان سابقًا من زمن المقبور حافظ الأب، ومعروف في أوساط الرتب العالية من الجيش ورؤساء الأفرع الأمنية، إذ يعتبر وجود ابن أحد المسؤولين في الدولة وملحقاتها في مرحلة التعليم الأساسي أو الثانوي كارثة للمسؤولين عن سرية الأسئلة، ويعتبر التربويون أصحاب الضمائر الحية عائقًا أمام أبناء المسؤولين وسدًا منيعًا للحفظ على سرية الامتحانات، لذا يلجأ أمثال أولئك لأصحاب الضمائر المعدومة للحصول على الورقة الامتحانية قبل الامتحان أو أثنائه، فيلجؤوا إلى فرز معلمين ومعلمات متخصصين للإجابة على الأسئلة، إن لم يكن قبل الامتحان فهو أثناء تأديته، كما حصل لأبناء رفعت الأسد، دريد وفواز الأسد وعلي دوبا، وغيرهم سواء بالامتحانات الثانوية أو الجامعية، كل هذا كان موجودًا ولكن بسبب الحالة الأمنية والقبضة الحديدية التي كان نظام الأسد يحكم بها البلد لم تظهر للملأ إلا بعد بداية الثورة، واليوم أصبح تسريب الأسئلة علنًا بسبب وجود مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أشكاله وصوره، ووجود الأسماء الوهمية والمستعارة، وبالتالي غياب المحاسبة لمن يلجأ إلى هكذا أعمال، إضافة إلى سعي الأسرة الحاكمة في سورية لتدمير ما بقي من سمعة واعتراف للشهادة بشقيها الأساسي والثانوي، فتراهم تارة يلجؤون للتطاول على الهيئة الإدارية في المدرسة أو مديرية التربية وتارة بإظهار ضعف الرقابة في المدرسة أثناء إعطاء الدروس، بتصوير التدخين واللعب بأجهزة الجوالات والمراسلات واللعب بورق البلوت ( الشدة ) أثناء تواجد المدرس في الصف، ثم أخيراً يعمدون لنشر أسئلة الامتحانات قبل فتحها، وهذا أثر على سمعة التعليم في تلك المناطق.”. وأضاف أحمدو ” إن قيام هذه الحثالة بهكذا أعمال يجب توثيقها ورفعها للجهات الدولية المختصة، لتنال جزاءها حفاظًا على سمعة التعليم وجودته واستمرارًا للاعتراف بالشهادة التي تعب الطالب طوال سنوات تعليمه للحصول عليها، إذ لا يمكن لأحد القبول بضياع مستقبله، أو مستقبل أبنائه التعليمي، من أجل أبناء المسؤولين الذين سيتابعون تعليمهم الجامعي وما فوق الجامعي خارج سورية، أما باقي الشعب فستكون شهادته بعد إلغاء الاعتراف بها ليست سوى ورقة مقوى يصمدها في إحدى زوايا المنزل. إننا كتربويين يجب علينا التحرك السريع لإنقاذ التعليم من أيدي المخربين كائنًا من كان، وأينما تواجد حفاظًا على مستقبل أبناء الوطن وسمعته.”
من جهته اكتفى المدير السابق في الوزارة التربية بالحكومة السورية المؤقتة المدرس فاخر تريسي بالقول ” كل المسؤولين حصلوا على شهاداتهم بهذه الطريقة، كنت رئيسًا لمركز وصلتني إغراءات كثيرة من مسؤولين على مستوى عال لإيصال الاجابات لأولادهم، إنه الانهيار الأخلاقي والسياسي والاقتصادي هو نتيجة لذلك”.
أما مدرسة التاريخ السورية في ادلب سوسن قربي فقالت لجيرون ” تسريب الأسئلة وبيعها للطلاب ليس وليد اللحظة، كانت الأسئلة والأجوبة تتسرب لأولاد المسؤولين فقط، أما الآن فأصبحت تُشترى لمن بيده المال أيضًا، ولم يكتف الطرفان النظام والمحرر بذلك، وإنما الآن يتبعون طرقًا أسهل وهي تزوير الشهادة الثانوية والجامعية مما انعكس سلبًا على طلابنا وأصبح مدرسو اللغة العربية مثلًا لا يتقنون الكتابة أو التمييز بين المفعول به والمفعول لأجله، وهذا أثر بشكل كبير على مستوى الطلاب وزيادة حالة التجهيل التي تسود المنطقة وظهور جيل أمي مهمش. في مناطق النظام الفئة الأمنية التابعة للنظام تسيطر على كل أجهزة الدولة فتشتري وتبيع بالأسئلة كما تشاء، ولأن شهاداتها أصبحت غير معترف عليها دوليًا عزف الكثير من شبابنا عن متابعة تحصيلهم العلمي، وفضلوا الهجرة إلى تركيا للعمل، وابني نموذجًا عن هؤلاء للأسف، لأن الشهادة غير معترف عليها، وراتب الموظف لا يكفيه ثمنًا للخبز”. وتابعت قربي تقول ” سوء سمعة الشهادة السورية ستؤثر على جميع السوريين في الخارج بغض النظر إن كان من المحرر أو مناطق النظام، ولنقولها بصراحة الشعب لم يعد يهمه الرأي العالمي فما فضحناه كان أكثر بكثير من فساد التعليم، ولم نجد أدنى صدى لصوتنا المذبوح، أصبح الشغل الشاغل لدى الشعب هو لقمة العيش، فالغلاء فاحش والحياة أصعب مما تتوقع والرقابة الأمنية والقمعية جعلت الشعب في حالة يأس وقنوط، لا هم له إلا ترحيل أولاده إلى حيث الأمان والعمل. أنا الآن أعمل في مشفى، الحارس فيه مهندس زراعي، والمستخدم خريج معهد تجاري، والممرضة خريجة هندسة مدنية، حيث درست سنتين تمريض لكي تجد عملًا، هكذا أضحى الوضع بكل أسف”.
أحمد منصور الناشط السوري وابن درعا قال ” ازدادت وتيرة الفساد في قطاعات الدولة بشكل متعمد حتى طالت وزارة التربية التي كان لها في زمن ما قدسية خاصة للجميع. ولعل اعتراف وزير تربية النظام بتسريب أسئلة الرياضيات على وسائل التواصل، (بأنها لو سربت تحتاج إلى وقت طويل للإجابة.) بمعنى آخر فإنه يريد القول إن الوزارة غير قادرة على السيطرة على المفسدين. ومع الأسف فإن الشهادات الصادرة منذ عام ٢٠١١ إلى الآن غير معترف فيها وهذا ما أشار إليه تقرير تلفزيون سوريا من خلال دراسة عن جامعة كامبريدج تقول (إن التعليم في سورية منتهي، بسبب الرشاوى والغش والشهادات المزورة، وإيقاف التعاون والبحث الأكاديمي مع الجامعات الغربية، والاتجاه نحو الجامعات الروسية والصينية والإيرانية). أما بالنسبة للطلاب المجتهدين فقد ضاعت حقوقهم بسبب هذه الأسئلة المحلولة وارتفاع معدلات القبول الجامعي والفوضى الناجمة في قاعات الامتحان بسبب الغش.” ثم قال ” يجب فضح ممارسات المفسدين على كافة الأصعدة، خاصة أنها طالت التعليم الذي هو أساس بناء الأجيال. ويبقى السؤال برسم الإجابة إلى وزير تربية النظام: أسئلة الرياضيات تحتاج إلى وقت أطول، ماذا عن بقية المواد المسربة ؟!”
أما المحامي السوري أحمد صوان مدير منظمة عدالة لحقوق الانسان فقال ” تتجلّى مظاهر الفساد الأكاديميّ في العالم بصور ثلاث: أولًا – الجامعات الوهميّة: وهي جامعات لا يوجد لها مقرّات ولا هيئة تدريس، يديرها أشخاص مزيّفين، ويتمّ الحصول على الشهادة بمجرّد مراسلتهم، ودفع رسوم محدّدة، ومن ثمّ تصله الشهادة. ثانيًا – الفساد الإداريّ والعلميّ، والغشّ في الامتحانات: بالتحايل على شروط القبول الجامعيّ من خلال الغش والتزوير تسريب الأسئلة وتوصيل الاجابات للطلاب في القاعات، ممّا يُطيح بتكافؤ الفرص بين الطلّاب ويقلل درجة اعتمادية الشهادات. ثالثًا – بيع الشهادات المزوّرة: وهي شهادات بأختام مزورة ولا أصل لها.” ثم أضاف صوان ” فساد التعليم في سورية بكافة مراحله يتجلى بصور عديدة منها: تسريب الأسئلة، واقتحام المراكز الامتحانية من قبل البعض وإدخال أوراق الإجابات لهم، وتهديد المراقبين والاعتداء عليهم، وإدخال أجهزة الاتصال إلى القاعات الامتحانية، كل هذه الممارسات تُنذر بكارثة حقيقيّة، يستشعر بها حملة الشهادات الحقيقيّة، حين يرون أشباه الأميّين ينافسونهم في الحصول على كل الفرص، كما أنّ هذه الأفعال تجعل الشهادة السوريّة مثار شكّ، وتلاحقها شبهة التزوير، ممّا يُنذر بكارثة احتمال صدور قرارات دوليّة تسحب بموجبها بعض الدول الاعتراف بالشهادة السوريّة. وهذه مجموعة مقدمات ستتمخض عن نتائج منها ما أفاد به التصنيف العالميّ للجامعات، الذي يعدّه موقع (ويب ماتريكس) الإسبانيّ “webometrics”، بتراجع ترتيب جامعة دمشق عالميًّا من 3400 في عام 2012 إلى 5070 في عام 2014. ولم تعد تدرج جامعة دمشق بجدول التصنيفات بعد هذا العام.” ثم أضاف ” إن من واجب السوريين فضح كل ممارسات الفساد التعليمي في سورية لأن هذا الواقع مفضوح أصلًا في كل العالم، وإن مراكز الأبحاث والمنظمات الدولية المختصة بالشأن التعليمي ترصد بدقة متناهية مستويات الشهادات في كل دول العالم ومنها سورية، لأن هذا الفساد يُطيح بتكافؤ الفرص بين الطلّاب ويقلل درجة اعتمادية الشهادات السورية بالعالم، ممّا يُطيح بتكافؤ الفرص بين الطلّاب ويقلل درجة اعتمادية الشهادات.”
الكاتب السوري والمدرس السابق ابن السويداء بيان الحجار قال ” إن عملية وضع أسئلة الشهادات هي معقدة وتمر بعدة مراحل يلزمها كادر كبير العدد، وتتم ضمن مراحل أساسية ١_ملاءمتها لمحتوى المنهج واتصافها بالموضوعية والتدرج في مستوى الصعوبة كما مدى تناسبها مع الوقت ٢_ التدقيق اللغوي ويتم من قبل مختصين باللغة العربية ٣_ يقوم كادر محلف بتدوينها على الحاسب ٤_ لا يتم تحضير نسخة واحدة بل بنك أسئلة لا يقل عن عشرة نماذج يختار أحدها عشوائيًا وآخر احتياط ٥_ بعدها توضع في مغلفات وترسل قبل وقت ليس طويلًا إلى المحافظات لحفظها وحراستها، وهذا يتطلب عملاً شاقًا وكادرًا ملتزمًا ومؤهلًا وحريصًا على سلوكه التربوي والأخلاقي والمهني، وأي خلل في إحدى الحلقات سواء كان مركزيًا أم في مديريات التربية يؤدي إلى محاولة التسريب”. وأوضح الحجار ” بصراحة هي مسؤولية كبيرة ودقيقة، والخلل يتم في معظم الحالات بتدخل من مسؤولين، لا يقدرون خطورة ذلك، بدافع إفادة أبنائهم وبيع الأسئلة وتحقيق مكاسب مادية. وأظن أن بيئة الفساد والإفساد تشجع البعض على ذلك، علمًا أن طريقة بنك الأسئلة قد خففت كثيرًا من التجاوزات. لكن هذا لا يمنع بشكل قاطع حدوث ذلك. إن المناخ السائد يشجع بدون شك على الخطأ وعدم المحاسبة الصارمة لمن يقترف ذلك من أصحاب النفوذ، كل ذلك ينعكس على بيئة التعليم وجودته ومكانة الشهادة السورية عالميًا. ويجب أن نعترف أن أكثر العاملين في التربية ودائرة الامتحانات يتمتعون بحس عال من المسؤولية والحرص ونراهم دائمي التوتر حتى نهاية العملية الامتحانية خوفًا من أي خطأ، لكن عدم اختيار الكادر الذي يجمع صفتين أولا الامكانية العلمية الاختصاصية، ثم صفة النزاهة والحس الوطني السليم قد يؤدي إلى خلل. ثم عقلية البلطجة والنفوذ من قبل أفراد غالبًا ما يكونون خارج وزارة التربية، تودي إلى عملية تسريب للأسئلة”. ثم انتهى إلى القول ” المطلوب هو المزيد من التدقيق في كل المراحل، والمحاسبة القاسية لأي جهة تهدف إلى كشف الأسئلة وإرباك الامتحانات، ولا بد أن نشير إلى أن الانتقال إلى دولة القانون وسيادته وتطبيقه على الجميع، بالإضافة إلى إعلاء الروح الوطنية والمهنية والخلقية والتدريب، هو السبيل إلى تدارك ما فات”.
المصدر: جيرون