آدم تایلور
ترجمة: علاء الدین أبو زینة
في اتفاق تاریخي تم التوصل إلیه یوم الجمعة، تعھد قادة المعارضة والجیش السودانیون مبدئیا بإجراء انتخابات جدیدة خلال ما یزید قلیلا عن ثلاث سنوات. وبعد أشھر من الاحتجاجات والعنف، قوبل ھذا الإعلان بتفاؤل فاتر حذر.
ومع ذلك، یشعر الكثیرون بالقلق من أن مشاركة قادة عسكریین سیئي السمعة في انتقال السودان المخطط إلى الحكم المدني إنما یشیر إلى أن البلاد سوف تتّبع نفس كتاب قواعد اللعبة المھترئ الذي حكم بالفشل على الكثیر من الانتفاضات الشعبیة العربیة التي حدثت في العام 2011: الرجل القوي یسقط، لكن حلفاءه یبقون في السلطة.
في نیسان (إبریل)، أجبرت الاحتجاجات المستمرة في الشوارع الرئیس السوداني عمر البشیر على ترك منصبه بعد ثلاثة عقود من الحكم. وكان البشیر زعیما استبدادیا حكم البلد بقبضة حدیدیة، حیث قمعت حكومته الحقوق المدنیة وشنت حملات عنیفة ضد الأقلیات العرقیة.
كان البشیر آخر زعیم عربي یجبره النشطاء المؤیدون للدیمقراطیة على التنحي منذ بدء الربیع العربي الذي شھد سقوط الحكام المستبدین في كل من تونس ومصر ولیبیا والیمن -ومؤخرا في الجزائر. ولكن، في أعقاب الإطاحة بالبشیر، تعلم حلفاؤه العسكریون درسا مھما لفترة ما بعد الربیع العربي: أن التدخل من أجل ”الحفاظ على“ الثورة یعني في كثیر من الأحیان امتلاك القول كله في كیفیة مضي البلاد قدما والتحكم بالمسارات.
في مصر، تم استبدال الحماس الدیمقراطي الذي وسم مرحلة ما بعد الثورة بحكومة قمعیة مدعومة من الجیش. وفي لیبیا والیمن، ما تزال النزاعات التي كانت فیھا شخصیات النظام السابق لاعبا رئیسیا، تستعر. وحتى في تونس، مسقط رأس الربیع العربي، استعاد النافذون الداخلیون من الماضي الاستبدادي للبلد نفوذھم السیاسي.
لكن المحتجین في السودان یدركون المخاطر. وفي ذروة الاحتجاجات، حمل البعض منھم لافتات كتب علیھا” لا نرید أن نكون مثل مصر“.
یوم الجمعة، أعلن وسیط للاتحاد الأفریقي أن قادة المعارضة السودانیة والجیش توصلوا إلى اتفاق لتقاسم السلطة، والذي سیعمل في اتجاه إجراء الانتخابات والحكم المدني. ویترك الاتفاق القادة العسكریین الاحتفاظ بالسیطرة على مدار الـ21 شھرا القادمة، قبل نقل السلطة إلى مجلس سیادي مشترك یتم إنشاؤه حدیثا وإلى المدنیین.
على الرغم من أن الاتفاق ینص على أنه لا ینبغي السماح للمتورطین في أحداث العنف بدخول حكومة ما بعد الصفقة، إلا أنھا لا تستبعد حالیا الرجل الأسوأ سمعة بین القادة العسكریین في السودان: الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف أیضًا باسم حمیدتي. وحمیدتي ھو جزء من مجلس عسكري حاكم ینظر إلیه الكثیرون في السودان على أنه امتداد لحكم البشیر. وقد عمد الجیش إلى قمع الاحتجاجات منذ تنحي الرئیس البشیر، بما في ذلك حادثة واحدة وقعت ھذا الشھر، والتي قُتل فیھا ما لا یقل عن 100 محتج.
كقائد لقوات الدعم السریع شبه العسكریة، یواجه حمیدتي اتھامات بوجود صلات له ببعض من أسوأ أعمال العنف ضد المتظاھرین. وقبل سنوات، في أوج العنف العرقي في دارفور، كان حمیدتي قد ترأس میلیشیا الجنجوید سیئة السمعة، التي یّقدر أنھا قتلت الآلاف فیما وصف بأنه حملة إبادة جماعیة.
على الرغم من أنه كان ذات مرة منفذا لأوامر البشیر، فإنه یقدم نفسه الآن كمنقذ للسودان. وعلى الرغم من أنه نائب رسمي لرئیس المجلس العسكري الانتقالي -عبد الفتاح البرھان، وھو ضابط مخضرم برتبة فریق – یعتقد الكثیرون أن حمیدتي ھو الذي یمسك بزمام السلطة الحقیقیة.
یقول خالد مصطفى مدني، الأستاذ مشارك في جامعة ماكجیل، أن اتفاق یوم الجمعة شكل سببا للتفاؤل بالنظر إلى وحدة المعارضة، والوعد بإجراء تحقیق مستقل في أعمال القتل الجماعي التي وقعت الشھر الماضي، والقلق الحقیقي بشأن حمیدتي في أوروبا والولایات المتحدة.
ومع ذلك، قال مدني أن مكمن القلق ھو أن شخصیات النظام قد تكون قادرة على استخدام تكتیكات التأجیل والتسویف، أو محاولة تقسیم المعارضة المدنیة واحتوائھا قبل التسلیم المخطط له للسلطة. وأضاف: ”في ھذا المنعطف، سیكون دور المجتمع الدولي مھما للغایة“.
إذا قام القادة العسكریون السودانیون بتأخیر الإصلاح، فإنھم سوف یتبعون النمط الذي تأسس في بلدان الربیع العربي الأخرى، حیث تمكن عناصر من النظام القدیم من التشبث بالسلطة – وفي بعض الحالات، وقف محاولات الإصلاح الدیمقراطي.
أسفرت الإطاحة بالرئیس المصري حسني مبارك في شباط (فبرایر) 2011 عن إقامة انتخابات حرة ونزیھة في العام 2012، والتي أدت إلى تولي محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمین مقالید السلطة في مصر. لكن الجیش قام في العام التالي بطرد مرسي في انقلاب وسجنه. وتوفي في وقت سابق من ھذا العام.
وكان الجیش المصري في وقت الانقلاب بقیادة عبد الفتاح السیسي، الذي كان یشغل منصب مدیر الاستخبارات العسكریة في عھد مبارك. وقد أصبح السیسي فیما بعد رئیسًا لمصر في الانتخابات التي شابھا سجن خصومه أو نزع أھلیتھم للترشح؛ ویقول النقاد إنه طبق نظام قمع أسوأ من نظام مبارك.
وفي النزاعات الفوضویة التي أعقبت الربیع العربي في لیبیا والیمن، ما یزال موالون للنظام یتمتعون بالسلطة: كان الیمني علي عبد الله صالح قوة كبیرة في الحرب الأھلیة التي ألحقت الدمار بالبلاد حتى تم اغتیاله في كانون الأول (دیسمبر) 2017، بینما عارض الحكومة الجدیدة التي یقودھا نائبه السابق، عبد ربه منصور ھادي.
وحتى في تونس، التي تُعتبر قصة النجاح الدیمقراطي الوحیدة في الربیع العربي، توقفت الجھود المبذولة لإبعاد عناصر النظام السابق عن السیاسة.
بعد ثورة العام 2011 بفترة وجیزة، قامت تونس بحل حزب الدیكتاتور السابق زین العابدین بن علي، التجمع الدستوري الدیمقراطي. وأقرت حكومة مؤقتة قانونا في ذلك الربیع، والذي منع أعضاء الحزب من الترشح في انتخابات العام 2011، التي أوصلت الحزب الإسلامي في تونس إلى السلطة في حكومة ائتلافیة.
وفي السنوات التي تلت الثورة، تصارعت الحكومة التونسیة الجدیدة مع عدة مقترحات منفصلة لمنع أولئك المرتبطین بالنظام السابق من المشاركة في السیاسة. ولم یتضمن قانون الانتخابات الذي حكم انتخابات تونس في العام 2014 أحكاما تمنع أتباع النظام السابق من الترشح.
خدم الرئیس الحالي، باجي قائد السبسي، في حكومتین أوتوقراطیتین متعاقبتین، وأصبح حزبه الجدید، الذي اجتذب العدید من مؤیدي النظام القدیم، الكتلة السیاسیة الأبرز في الحكومة. وبرز حزب منفصل من أنصار النظام القدیم في صنادیق الاقتراع قبل الانتخابات الرئاسیة والتشریعیة المقررة لھذا الخریف – في إشارة إلى ما یقول الخبراء أنه تراجع للدیمقراطیة في تونس. یقول ھـ. أ. ھیلیر، الزمیل المشارك في المعھد الملكي للخدمات المتحدة في لندن ومجلس الأطلسي في واشنطن، إنه على الرغم من أن العدید من العوامل السیاسیة والاجتماعیة الأساسیة التي أشعلت ثورات العام 2011 ما تزال قائمة، فإن الحركات المؤیدة للدیمقراطیة غالبا ما تفشل في تقدیم حجة مقنعة تفسر السبب في أنھا یجب أن تتولى الإشراف على الإصلاح. ویضیف ھیلیر: ”من السھل أن نرى السبب في أن المستبدین ما یزالون یحتفظون بالید العلیا في الوقت الحالي، خاصة وأنھم مدعومون بمثل ھذه القوة. لست متأكدا من أن ھذه الصیغة ستكون رابحة على المدى الطویل“.
المصدر: (الواشنطن بوست) / الغد الأردنية