أحمد مظهر سعدو
في وقت باتت فيه دورة جديدة لمسار أستانا على الأبواب، وهي قادمة رغم كل ماجرته على الشعب السوري من خيبات، وما أنتجته من مناطق خفض تصعيد، ذهبت بمعظم المناطق الجغرافية التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية، وأضحت ادلب وما حولها تحت مرمى النار والعنف والإجرام الأسدي الروسي الإيراني، يتهيأ المشاركون في أستانا، التي أوقفت قسرًا مسار جنيف والشرعية الأممية معها، لتكون المسألة السورية من مهام الروس المحتلين فقط. وسوف يتوافد أهل أستانا إليها أو ما هو بديلًا عنها روسيًا، زرافات ووحداناً، وحيث باتت جنيف في حكم الغياب، بل تتلازم بالغياب والحضور مع استمرار المجازر في ادلب، من خان شيخون إلى أورم الجوز إلى كل ادلب وما حولها، بينما يحاول الشعب السوري ضمن سياقاته الدموية التطلع نحو ما هو أفضل ووقفًا لهذه المقتلة الواقعة فوق رؤوس البلاد والعباد. يبقى السؤال الصعب ضمن كل ذلك، وفي أتونه، هل من الممكن أن تتخلى روسيا وإيران، ومعهما المؤسسة العسكرية ومن ورائها رأس النظام، بل هل بات في حكم المؤكد أن تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها إسرائيل، أن الحل بات قريباً، وأنه بالإمكان الوصول إلى الفترة الانتقالية، والحكومة الانتقالية أمام كل ما يجري، وهل القرارات الدولية مازالت حية أم أن روسيا وأستاناتها المتتابعة قد أماتت الحل نهائيًا.؟
الشارع السوري الذي لاقى ما لاقاه من ظلم وعسف، من قتل وتدمير، لسان حاله يقول: أن كفى دماراً وكفى دماءً، لكن منطقه الداخلي، الملم بتركيبة هذا الحكم السلطوي القامع لشعبه، والحاقد على كل مفاصل المجتمع السوري، والذي لا يقبل الانضواء تحت هيمنة الدولة الأمنية والاستبدادية الأسدية المخلوفية، يشير إلى استحالة وجود أي اختراق في الواقع التفاوضي الآيل للسقوط، بين الفينة والأخرى، والغارق في عملية مراوحة بالمكان، لا تثمن ولا تغني من جوع بل تساهم تفريطًا إثر تفريط من أهل أستانا وما أنتجته.
خاصة بعد استمرار الحضور الإيراني والميليشياتي الطائفي العسكري الكثيف، ليتجاوز عدد الإيرانيين وميليشياتهم 70 ألف عسكري من قوات النخبة في الحرس الجمهوري الإيراني، ومن معها من ميليشيات طائفية من حزب الله وسواه، تتوضع جميعها على الأراضي السورية، تقاتل في غير مكان من سورية، وخاصة في ريف حماة الشمالي اليوم.
هذا الحضور الإيراني المتصاعد يبقى أيضاً جزءً من الصراع مع قوى عربية أخرى على رأسها، المملكة العربية السعودية. وهو لن يتخلى عن نظام أسدي طائفي راهن عليه طويلاً، وكان رأس حربة في مشروعه الفارسي للمنطقة برمتها، منذ زمن ليس بالقصير.
مصير بشار الأسد كان وسيظل الى فترة ليست بالقصيرة إحدى عقد المفاوضات، خاصة في سياق ما يسمى بالمرحلة الانتقالية، حيث أن حكومة جامعة تتكون منها وتضم أعداء الأمس، وبعد أكثر من /مليون/ شهيد، وما ينوف عن /400/ ألف معتقل، وما يزيد عن /200/ ألف مفقود وأكثر من /14/ مليون مهجر، بين هجرة داخلية وأخرى خارجية، لن يكون الوصول إلى حل بين ظهرانيهم، وضمن زواريبهم بالأمر السهل، ولا حتى الممكن أو المتاح، في منظور قريب على الأقل.
من حق المعارضة، ومن حق الشعب السوري الاصرار على رحيل بشار الأسد، فلا إمكانية لبقائه بعد كل الذي جرى. وقد توضح لكل ذي رؤيا سياسية، أو لكل من له نظرة مستقبلية، أن تفاهماً روسيا أمريكياً، يشير الى تأجيل رحيل أو إزاحة الأسد، حتى أن بعض قوى (الائتلاف الوطني) من أهل أستانا يبدو أنهم باتوا يناقشون (على الأقل) بقاءه لفترة ما، في مرحلة انتقالية قد تستغرق سنة ونصف على أقل تقدير.
ومصير الأسد تقرره – كما يظهر – قوى إقليمية كبرى وهي جميعاً تتصارع على أرض سورية، وهي بالمجمل غير معنية، أو غير مهمومة بمصائر الشعوب بقدر اهتمامها بمصائر مصالحها في الإقليم، وأيضاً حرصها على أمن إسرائيل وحدودها الآمنة مع سورية أولا ومع الآخرين في المنطقة ثانيا ً.
إسرائيل ضمنت حدودها مع (حزب الله) في جنوب لبنان، والمندرج سياسياً وأمنياً وعسكرياً ضمن التوافقات الموقعة مع الإيرانيين قبل وبعد (النووي الإيراني) حتى لو حاولوا إظهار غير ذلك. والأمريكان والغرب عموما يرفضون الحسم العسكري أو الحل العسكري في سوريا، وعملوا ما يمكنهم لمنعه، وهم يتلكؤون في الحل السياسي، ولا يقومون بأي جهد جدي للدفع به، كما يؤكد الكثير من المتابعين.
صحيح أن الحرب مستعرة في ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وكل ادلب، وتحقق المعارضة العسكرية انتصارات كبيرة فيها، وكذلك في ريف اللاذقية، لكن الصحيح أيضاً، أن النظام السوري يتمنى (لو استطاع) السيطرة على كل ادلب وما حولها، وهو يعلن باستمرار أن سلاح الجو الروسي وقوات النظام يعدان لعملية مشتركة لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
لكن الروس الذين لا يريدون لاتفاق (سوتشي) الخاص بإدلب أن ينتهي، أو يجهض حسب ادعاءاتهم، لأنهم مازالوا يحرصون على علاقات طيبة نفعية براغماتية مع الدولة الضامنة الأخرى تركيا.
هذه الأجواء لا توحي بأن ما هو قادم من مباحثات في أستانا أو نور سلطان، أو حتى قمة الضامنين الثلاثة، أو حتى القمة الرباعية المزمعة، يمكن أن تُؤتي أكلها، أو من الممكن أن تعد الشعب السوري بحل سياسي تسووي ما. في الوقت الذي مازالت فيه البراميل تنهمر فوق رؤوس السوريين، وتخلف شهداء وجرحى بين صفوف المدنيين، في المناطق السورية التي لا تقع تحت هيمنة النظام.
الايرانيون مازالوا يرفضون بشكل قاطع أية عملية تُفضي إلى إزالة بشار الأسد من الحكم، أو التوصل إلى تسوية بشأن مستقبله، بعد أن قويت شوكته في السنتين الأخيرتين بدعم عسكري واضح ومباشر من الطيران الروسي، ومن قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني.
علماً بأن الأمريكان مازالوا يمارسون ضغوطًا، ليس من أجل عيون الشعب السوري بل من أجل مصالحهم في المنطقة، وليُحصلوا أكثر وأكثر. ومازال همهم إخراج الإيراني من الجغرافيا السورية كرمى لعيون إسرائيل وليس الشعب السوري.
وسط هذه الوقائع الدراماتيكية تأتي دورات انعقاد مؤتمر أستانا بنسخته الجديدة، حيث لا أجواء حقيقية تدعو للتفاؤل، ولا اختراقات واضحة المعالم، للوصول إلى حلول جدية في الواقع السوري الدموي، والمستمر في نزيفه الى آجال غير واضحة في نهاياته ولا يستطيع أي أحد التكهن بزمن الوصول إلى حل ممكن ومنصف للشعب السوري.
المصدر: المدار نت