طوني فرنسيس
بعد قرابة أربع سنوات من بداية التدخل العسكري الروسي في سورية، قدمت وزارة الخارجية الروسية تقويما شاملا لموقع موسكو بعد هذا التدخل والدور الذي يمكنها لعبه في المنطقة وعلى المستوى العالمي.
أول ما يلفت في التقويم اعتباره أن ابتعاد موسكو عن منطق الأحلاف يضمن لها حرية اليد في الشرق الأوسط لجمع جهود جميع الجهات الإقليمية في مواجهة التحديات الكبرى. ويعترف التقرير الذي أعدته كبيرة المستشارين في قسم التخطيط بالوزارة ماريا خودينسكايا أن سياسة موسكو في المنطقة لا يمكن فهمها بمنأى عن تاريخ انخراط الاتحاد السوفياتي في شؤونها ودوره “في تحطيم منظومة الاستعمار البريطاني والفرنسي وتعزيز القوات المسلحة لدول المنطقة ومساعدتها على انشاء بناها التحتية الاساسية”.
لكن الفارق عن السياسة السّوفياتية يكمن الآن في أن روسيا تعتبر طَي صفحة الحرب الباردة فرصة تتيح لها ممارسة سياسة متعددة المسارات وخالية من اعتبارات الأيديولوجيا، وهو ما جعلها شريكا في جميع محاولات التسوية في سورية من المجموعة الدولية لدعم سورية إلى صيغة أستانا، بالتوازي مع صيغ ثنائية كاتفاق القاهرة في صيف 2017 بين العسكريين الروس وفصائل معارضة سورية حول وقف النار في الغوطة وجوبر وحمص، إضافة إلى اتفاقات تتعلق بمناطق خفض التصعيد الشهيرة.
من دون شك حققت السياسة الروسية مكاسب إثر التدخل في سورية، ولم يلق هذا التدخل اعتراضات إقليمية أو دولية حاسمة، بل بالعكس، تعامل الجميع معه على أنه أمر لا بد منه، ليس لأنه أدى موضوعيا إلى تدعيم بقاء نظام الأسد، بل لأنه أسهم إلى حد كبير في دحر التنظيمات المتطرفة من جهة، ومنع تمدد الوجود الميليشياوي الايراني من جهة ثانية، وضمن إبقاء الحدود الإسرائيلية آمنة من جهة ثالثة. وبديهي أن تثير هذه النقاط الثلاث اهتمامات الأطراف الإقليمية والدولية كلا بحسب أولوياته، فإسرائيل ممتنة جدا للدور الروسي في إبعاد الإيرانيين عن الجنوب السوري وفي تسهيل عملياتها في الأجواء ضد ما تسميه التحركات الإيرانية، وقسم كبير من المعارضة السورية ومعها أوساط عربية مهتمة بكبح التوسع الإيراني، بل إن الاتصالات الأميركية الروسية الإسرائيلية تضع على رأس جدول الأعمال إخراج إيران من سورية.
وترفض روسيا دائما الحديث عن تحالف أو محور يجمعها بإيران، وهي تعتبر أنها الدولة الوحيدة المنخرطة في تسوية الأزمة التي حافظت على اتصالات مع جميع الأطراف: الحكومة ومنظمات المعارضة (عدا المصنفة إرهابية)، إضافة إلى مختلف الدول المعنية بدءا من أميركا مرورا بالاتحاد الأوروبي وصولا إلى إسرائيل.
إلا أن التسوية التي تقول موسكو أنها تطمح إليها لا تزال بعيدة، فمعركة إدلب التي تشجع على خوضها تضعها في مواجهة مع تركيا التي تطمح بتوسيع نطاق نفوذها من إدلب إلى طول الخط الحدودي الشمالي الشرقي، حيث قوات سورية الديموقراطية تصبح هدفا تركيا لن يتخلى عنه الأميركيون. بهذا المعنى ستكون إدلب الامتحان العسكري الأبرز للسياسة الروسية في المرحلة المقبلة، وكي لا تكون موسكو خصما لتركيا المتخاصمة مع واشنطن يرجح أن تفسح في المجال أمام إيران لخوض القتال إلى جانب قوات النظام، وهكذا تعتقد روسيا أنها تدير اللعبة من دون أحلاف ثابتة.
المصدر: الحياة