أحمد مظهر سعدو
منذ ثلاثة أيام ونيف لم يتوقف القصف الجوي الروسي الأسدي، مستهدفًا المدنيين، في وسط مدينة أريحا شمال سورية. مجازر تلو مجازر، وأطفال يموتون ونساء يرحلون، ضمن استمرار لسياسة ممنهجة تتبعها دولة الاحتلال الروسي، تهجيرًا قسريًا لكل الحاضنة الشعبية السورية، التي رفضت الإندراج في أتون المدحلة الاستبدادية الأسدية، وآثرت الانضمام إلى أهل ادلب الذين خرجوا مع كل السوريين من أجل الحرية والكرامة، أواسط آذار/مارس 2011 مع انبثاق فجر الربيع العربي في تونس ثم باقي الأقطار العربية، الغارقة في القمع والسطوة الأمنية، من خلال نظم عربية بدور وظيفي، وَجدت في بيع الأوطان، وقمع الشعوب مآلها وديدنها، ووصولها إلى النهب للاقتصادات الوطنية، وسرقتها للأوطان، وهي من اعتبرتها مزارع لها ليس إلا.
تأتي اليوم سلسلة المجازر التي تتعرض لها مدينة أريحا، كاستمرار لحالة القتل والتدمير الأسدي الروسي، المدعوم إيرانيًا، والمسكوت عنه أميركيًا، وعالميًا، ضمن حالة تراكم متلاحقة لكينونة الإجرام الممارس ضد شعب سورية، منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، وفي حالته الأشد والأقسى التي بدأها بوتين وتابِعه بشار الأسد، منذ أكثر من شهرين ونصف، مستهدفًا البنية التحتية السورية، في ريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي، وكذلك جل مدن وأرياف ادلب الجنوبي، من خان شيخون إلى الهبيط، إلى معرة النعمان صاحبة المجزرة الأمر والأقسى ، خلال الأيام المنصرمة والتي تجاوز عدد شهدائها الخمسين شهيدًا، في ضربة جوية واحدة، عبر قنبلة فيزيائية مستحدثة، أراد منها الكرملين، أن يكون الشعب السوري، حقل تجاربه لاختراعاته العسكرية، المحرمة دوليًا.
والحقيقة أن توصيف الروسي بالمجرم هو وتابعه الأسد، مسألة بديهية، ومشاركة حزب الله في الإجرام الروسي الأسدي ومعه الميليشيات الإيرانية، أيضًا أضحت حالة طبيعية، وهو من يعتبر أن طريق تحرير القدس يمر عبر ادلب وحلب والقصير، لكن ما يدعو للريبة والحيرة، ذاك الصمت العربي أولًا، ثم الإسلامي، وكذلك الدولي، عن كل هذا الاجرام وحجمه، إذ كيف يمكن للنظم العربية، وكذلك الشعوب، ومعها الإسلامية، أن ترى كل هذه الإبادة لشعب عربي كالشعب السوري، ولا تؤتي بأي حركة، وكأن الأمر في بلاد (واق واق)، وكأن الشعب السوري الذي تقتله آلة الاجرام الأسدي والروسي والإيراني، لا ينتمي لهذه الأمة، ولا يمت لعالم الإنسانية بصلة. والحقيقة الفاقعة التي بات تفقأ العين، كيف يصمت شعب مصر عن الذي يحصل للسوريين وهم بمثابة الإقليم الشمالي بالنسبة له، وكيف يصمت شعب تونس وفلسطين والجزائر، ولبنان الشعبي العربي، وكيف يستطيع النوم أي مسلم أو عربي، أو إنسان مجرد إنسان، وهو يرى ما يرى، ويسمع ما يسمع، هل ماتت الإنسانية؟ هل ماتت العروبة؟ وهل انتهى عالم المسلمين؟
يبدو أن الصمت الدولي اليوم عن كل هذه المجازر بحق المدنيين السوريين، ومن ثم ترك المجرم طليقًا، سيحيلنا إلى التأكيد على أن مسألة حقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني، وكل القوانين الأممية، التي تتغنى بها بعض الدول، في الغرب والشرق، قد أصبحت في عالم النسيان، ولم يعد لها أي وجود، ومن ثم يصح أن يقال فيها (أسمعت إن ناديت حيًا، لكن لا حياة لمن تنادي).
ولعل الدولة العالمية الكبرى، وأعني الإدارة الأميركية، لم يعد من مصلحتها أبدًا، إزالة السلطة أو العصابة الأسدية في دمشق، وهم الذين لم يجدوا بعد، في سورية، ما يمكنه القبول أن يكون حاميًا لحدود الكيان المدلل/ إسرائيل، فما كان منهم إلا أن تفاهموا مع الروس، لإعادة تدوير أو تأهيل بشار الأسد، ونظامه الفاشي، مع بعض المساحيق التجميلية، ليكون كما كان أبيه ومنذ اتفاق فض الاشتباك مع الكيان الصهيوني، عام 1974 الحامي والضامن لأمن إسرائيل، وصاحب الحظوة لديها، ومنفذ كل الاتفاقات بكل الدقة، حتى أنه لم يسجل إطلاق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، وحتى رحيل المقبور حافظ الأسد.
اليوم وبعد كل هذه المجازر، وهذا الدم السوري، الذي أريق ويراق، بينما الجميع فاغرًا فاه، بلا حراك، فإن الشعب السوري، بات لسان حاله يقول: كل صامت على ازهاق الدم السوري، هو شريك بالقتل، وكل ساكت عن قول الحق هو شيطان أخرس، ولعل حالة الصمت هذه تحيل المسألة السورية، إلى مآلات الاعتماد على النفس بعد الله، وترك كل الخيارات الأخرى التي باءت بالفشل من أصدقاء الشعب السوري أم سواهم.
المصدر: المدار نت