أحمد مظهر سعدو
من أستانا 1 الذي انطلق في 23 يناير/كانون الثاني 2017 إلى أستانا 13 بين 1 و 2 آب/ أغسطس 2019جرت مياه كثيرة تحت الجسر، كما أُهرقت دماء سورية أكثر، وقُضمت أراضٍ سورية أوسع لصالح النظام السوري، بدعم ورعاية روسية بوتينية، وشُرد أطفال ومدنيين سوريين عبر سياسة التهجير القسري، التي أسموها زورًا وبهتانًا، بالهندسة الديمغرافية، حتى باتت مناطق خفض التصعيد، مجالًا رحبًا للتصعيد الروسي الأسدي الإيراني، كل ذلك على حساب الشعب السوري المكلوم، الذي تجرأ في 15 آذار / مارس 2011 على النزول إلى الشارع والهتاف من أجل الحرية والكرامة.
لكن أستانا ومسارها الروسي بامتياز، أرادت إلغاء، أو إنهاء المسار الأممي الأهم والمتفق عليه للحل السوري، وهو مسار جنيف الشهير والمعترف به دوليًا، والذي بدأ في سويسرا/جنيف 30 حزيران / يونيو 2012 ثم تتابعت مؤتمراته في 10 شباط / فبراير 2014، و 1 شباط/ فبراير 2016، وصولاً إلى 23 شباط / فبراير 2017، ومن ثم نيسان/ ابريل 2017 إلى جنيف / فيينا في 25 كانون ثاني/ يناير 2018، على أرضية القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع بتاريخ 18 كانون أول / ديسمبر 2015.والقاضي بإنتاج هيئة حكم انتقالي ، وصياغة دستور خلال 6 أشهر، وإجراء انتخابات في غضون 18 شهرًا.
فقد جاء مسار أستانا المخترع روسيًا لإجهاض قرار مجلس الأمن، ووضع منتجات مؤتمرات جنيف على الرف، التي دأبت روسيا ومعها النظام السوري، على الاستمرار في إجهاضها على مدى عمر مؤتمرات جنيف المشار إليها، والتهرب من أي استحقاقات فيها.
مسار مفاوضات أستانا بدأ في 2017 وبلغت محطته ال 13 في مطلع آب الحالي، وهو الذي أراد (حسب المعلن في حينها) الحديث عن ضرورة المفاوضات غير المباشرة، والإفراج عن المعتقلين، وتحديد مناطق خفض التوتر، وسط شكاوى متواصلة وحقيقية، من عدم التزام النظام السوري وحلفائه بقرارات وقف إطلاق النار.
وإذا كانت مسارات أستانا ومنذ انطلاقتها تؤكد دائمًا على الحل السياسي في سوريا، وبعد أن توصلت وفود روسيا وتركيا وإيران إلى اتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في الجغرافيا السورية. إلا أن ذلك (في السابق) لم يحقق أي وقف لإطلاق النار، بل كان النظام السوري وعلى الدوام يستغل آليات وقف إطلاق النار، لتحقيق مكاسب على الأرض، بتغطية وحماية واضحتين من الضامن المفترض/ روسيا، والضامن الثاني إيران، من هنا فإن ما نتج عن أستانا 13 أو ما واكبه من توافق على إيقاف إطلاق النار في إدلب وما حولها، لن يأتي بأكله، إذ لم يكن النظام السوري محل ثقة في السابق، لننعم بالثقة فيه اليوم، علاوة على أن هذا الإيقاف الذي لم يُشر إلى تراجع النظام عما قضمه من أرض، خلال المعارك الأخيرة منتهكًا بذلك اتفاق (سوتشي) الموقع في أيلول/سبتمبر 2018 ، بين روسيا وتركيا، بما يخص ادلب، ومن ثم لا يمكن الركون إلى تثبيت حالات القضم، وإلا ما قيمة (سوتشي) إن لم يملك إمكانيات التطبيق والالزام لهذا النظام المجرم، وكل الأطراف. ولا يبدو أن الهدنة أو وقف النار ستصمد حيث نجد استمرار الاختراقات اليومية لها من قبل النظام، وميليشياته الطائفية المواكبة.
أستانا سيء الذكر، أنتج مناطق للتصعيد بدلًا من خفض التصعيد، ولم يستطع أن يأتي بالحل السياسي للشعب السوري، بل ساهم في إلغاء جنيف، وسط صمت مريب من الإدارة الأميركية، المفترض أنها والدول الكبرى من يحمي قرارات جنيف، وصولًا للحل السياسي الذي تصر عليه افتراضًا. لكن ما آلت إليه أحوال أستانا ومساراتها، وأيضًا جنيف وملحقاتها، لا يشير إلى اقتراب الحل السياسي في سوريا، بل هو من تخلٍ إلى تخلي، ومن خيبة إلى أخرى، عاشها ويعيشها الشعب السوري المنكوب، والذي مازال يعاني حالات الموت الزؤام، والقتل البراميلي والكيماوي، من حكم السلطة / العصابة الأسدية ومن لف لفها، أو من وقف إلى جانبها ضد طموحات الشعب السوري، الحالم بالحرية والكرامة.
المصدر: موقع (المدار نت)