فتحي رشيد
لفت الكاتب الفلسطيني “مصطفى الولي “.النظرإلى نقطة ربما لم يركزعليها كثير من الباحثين .عما يمكن أن يكون وراء هذا الدمار الواسع والرهيب الذي جرى لأغلب البلدات والمدن السورية ؟ مع أنه كان بإمكان قوات النظام وروسيا وإيران ومليشياتهم تحرير كل تلك المدن والبلدات ممن تسميهم العصابات الإرهابية أوالعصابات المسلحة بقوات محدودة دون هذا التدمير الواسع والتهجير الشاملين .ليتوصل من ثم إلى نتيجة مفادها : أن التدمير الشامل والإبادة الواسعة للشعب وتهجير أكبر أعداد من المواطنين كانت الهدف أوالعنوان الرئيس والحقيقي لما جرى في سوريا ,وليس تحريرسوريا أومحاربة من تسميهم عصابات مسلحة .
في حين لفت السيد “أحمد مظهر سعدو ” النظر إلى أمرين آخرين بالغا الأهمية (في مقال نشره في موقع المدار نت عنوانه ” الصامت شريك ” ) .أو لهما أن جميع المجازر التي ارتكبت في أغلب المدن والبلدات السورية ـ وبخاصة مؤخرا في خان شيخون وأريحا (بلده ) ومعرة النعمان كانت تستهدف الحاضنة الشعبية كونها رفضت الإندراج في المدحلة الأسدية ـ المخلوفيةـ الاستبدادية ,وآثرت الانضمام إلى الثورة والعمل على حمايتها .وثانيهما التساؤل عن سر ذلك الصمت الدولي على هذا التدمير الهمجي والمجازر المرعبة وحالة القتل والتدمير بحق المدنيين العزل :لماذا ترك المجتمع الدولي المجرمين أحرارا وطلقاء دون أن يتخذ بحقهم موقفا حازما استنادا لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي ؟
بينما أعادنا السيد “محمد بيطار ” لمسألة باتت اليوم من مخلفات الماضي أو لنقل أنه أحياها بعد أن همشت .فوجد أن أغلب من دمرت بيوتهم وهجروا وجوعوا وأهينوا, وعانوا الأمرين سواء من المهجرين في الداخل السوري أوخارجه , وسواء ممن بقوا في مناطق سيطرة النظام في سوريا أو خارجها , إنما كانوا أكثرهم من المعدمين والفقراء والمهمشين .في حين أن الأغنياء أينما حلوا ووجدوا لم يعانوا الكثير .مما يفهم منه أن لحرب الأبادة والتركيع جانب طبقي جرى تغافله .
واعتبر ما سبق طرحه رؤا يدخل منها ضوء نستطيع أن نوسعها لتدخل منها أشعة ضوء أكثر ,أولعلها توسع دائرة رؤيتنا للأمور ,إذا ماوسعت بحيث تشملت وتنطبق على شعوب أخرى غير الشعب السوري ومناطق أخرى في العالم قد تجعلنا نغير من مواقفناأونتخذ مواقف مختلفة جذريا .
وسأستند على هذه الرؤيا لأبني عليها أفكارا أخرى واطرح لتساؤلات مختلفة .
أولا : لم يشأ السيد مصطفى أن يشخصن المسألة ,أو أن يكثر من الكلام .فعلى سبيل المثال كونه كان يسكن في داريا كان من الممكن أن يقول أنه كان بإمكان مقاتلي الفرقة الرابعة وحدهم مثلا ,تحريرداريا خلال شهر واحد على أقصى حد من دون ذلك القصف والتدمير الشامل على مدى سنتين ونيف ؟ وهو ما تبين له ولنا جميعا في مناطق أخرى كثيرة جرى تدميرها بصورة شبه كاملة .مع أن أعدادالمسلحين ( وأغلبهم مدنيين غير مدربين على القتال ) فيها كانوا قلة مقارنة بأعداد مقاتلي الجيش السوري والإيراني ومليشياتهما الذين كانوا يملكون القدرة على المناورة والحصول على كافة أنواع الإمدادات من غذاء وكساء ودواء وغذاء وشراب .
ولهذا أبرر لنفسي ـ نيابة عنه ـ طرح سؤالآخر :لماذا ألقي على داريا أكثر من مئة ألف برميل متفجر كل واحد منها كفيل بتدمير حي بأكمله .عدى عن آلاف الصواريخ وملايين القنابل ؟ ألا يعني هذا أن المجرمين ( الروس والنظام وإيران ومليشياتهم ) لوكانوا يريدون فعلا تحرير داريا من المسلحين لتمكنوا وحققوا ذلك دون كل هذا الدمار المرعب ودون هذا التهجير الواسع للمدنيين العزل .(وهو ماينطبق على جميع المناطق الأخرى التي جرى حصارها وتجويعها وسفك دم أبنائها وتهجيرهم, فمثلا كان باستطاعة كتيبة من جيش التحرير الفلسطيني تحرير مخيم اليرموك من مئتي داعشي دون ذلك الاستخدام المفرط لكافة أنواع الأسلحة الحديثة المرعبة والمدمرة وبخاصة البراميل المتفجرة .
وأذكر كمثال أيضا أنني عندما كنت في زيارة لصديق في صحنايا ,وهي بلدة تبعد عن داريا حوالي أربعة كيلومترات .كنا نسمع اهتززات الارض بسبب أن تتالي سقوط البراميل المتفجرة (كل نصف ساعة برميل أوصاروخ ) كان أكثر من تتالي القنابل التي اسقطت على الحد الأمامي في الجولان خلال حرب عام 1973 .
ونتساءل أيضا هل كانت المواجهة مع المسلحين في قرى حلب الفقيرة تتطلب استخدام صواريخ فروغ بعيدة المدى ( 450 كم ) من قبل القوات المسلحة السورية ؟هل كان يتطلب الأمراستخدام الصواريخ الروسية المجنحة من بحر قزوين والتي يزيد مداها عن 3000كم .هل كان تحرير الرقة أوالباغوز أو الرد المزعوم على استخدام الأسلحة الكيميائية على خان شيخون من قبل النظام يستدعي إرسال حاملات طائرات ومدمرات أمريكية ,وإطلاق مئات من صواريخ كروز ؟ نحن إذن ـ في سورياـ كنا ومانزال أمام حرب استخدمت فيهما القوتان الأقوى عسكريا في العالم أخطرالأسلحة لديها ؟ هل نحن أمام حرب عالمية بينهما ,أم أن الطرفان وجدا في سوريا مجالامناسبا لتجريب أسلحتهما فيها ؟.أم للتخلص منها كونها باتت قديمة ,وثمة من هوجاهزليدفع ثمن الجديد الذي سيتم تصنيعه ؟
هل كانت مواجهة بضعة آلاف من المسلحين السوريين الذين حملوا السلاح في البداية لحماية المتظاهرين تتطلب تحشيد أكثر من سبعين ألف شيعي من سبعين دولة للتنفيس عن سعارهم وحقدهم الدفين في سوريا ؟هل كانت مواجهة هؤلاء تتطلب أيضا إرسال واستنفار أكثر من سبعين ألف ظلامي وداعشي من أكثر من مئة دولة لمواجهة بعضهما لكنهما لصدفة عجيبة لم يتمكنا من أن يواجها بعضهما فراحا يقتلون ويركعون الشعب السوري ويقاتلون الجيش الحر .؟
لماذا جرى تقديم الموصل وثلث العراق لهم هكذا خلال أيام قليلة ؟ هل لتجييش شيعة الجنوب أم لتدمير مالم تدمره إمريكا في حربها على العراق عام 2003 ؟ هل نحن أمام حرب عالمية تتركزأغلب مواقعها في سوريا والعراق البلدين الذين يتميز شعباهما بروح وطنية وثورية عالية ؟ أم نحن أمام تنفيس عن غريزة القتل والتدمير في النفس البشرية ؟ تلك الغريزة التي دمرت وقتلت حوالي مئة مليون إنسان في الحربين العالميتين الأخيرتين ؟أم نحن أمام عودة إلى مرحلة الهمجية البدائية ؟ أم أننا امام تضارب وصراع مصالح وأهداف وغايات اقتصادية وسياسية راهنة ؟
وهنا نسأل :طالما أن أحدا لم يُهزم ويُدمر ويهجر سوى الشعبين السوري والعراقي وبشكل ما اليمني , فهذا معناه أن التدمير الشامل والتهجير كان هو الهدف الحقيقي وليس التحرير في جميع هذه البلدان ,وهو ماتوصل اليه السيد مصطفى .وإلى نتيجة ثالثة مفادها أننا إذن ,أمام حرب إبادة شاملة للشعب وللبلد للسوريين وللاجئين الفلسطينيين فيها ,وإذا وسعنا المجال ,حرب ضد العراقيين الثائرين ضد النظام الطائفي العميل ، حرب ممنهجة ومبيتة لإحلال سكان جدد محل السكان الأصليين كما جرى في فلسطين قبل سبعين عاما .وهنا نلفت النظر إلى أن كثيرا من الناس تساءلوا ماذا يختلف توطين اليهود في فلسطين عن توطين المجوس والفرس في سوريا .؟فالعميلة في الجوهر واحدة وإن اختلفت التسميات .
أم أننا أيضا أمام عملية تركيع تجري تمهيداً لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين كما تركيع لكل إنسان حر وشرف وكل من يفكر برفع رأسه رافضا الذل والخنوع في المنطقة ودرسا لغيرهم من شعوب العالم ؟
هل ثمة تشابه بين عمليات التهجير والتدميروالإبادة التي مورست ضد الفلسطينيين عامي 1947 ـ 1948 , ومن ثم في عام 1967 وبين ذات العمليات التي حصلت في العراق منذ عام 1980( تهجير مايزيد عن أربعة ملايين عراقي ) وفي سوريا خلال السنوات الثمانية السابقة ؟مع مارافق كل العمليتين من بشاعة وإحلال لسكان جدد؟
ألم نصبح في ظل العولمة بشرا موحدين إذا أصيب فيه بلد أوشعب بكارثة تفترض تحرك الجميع لإيقافها أو للمساعدة في التقليل من آثارها .
الاتشبه المواقف التي اتخذتها دول مثل أمريكا وروسيا وأغلب دول أوروبا ,من الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ عام 1948 وماتزال ترتكبها حتى اليوم ـ ذات الموقف من الجرائم المرتكبة في سوريا والعراق واليمن سابقا أو حاليا ؟ ألا يؤدي هذا ,إلى ـ أويخدم الأهداف ذاتها ؟
ألايوجد تشابه (أو علاقة ما ) بين ما تقوم به إسرائيل من عمليات تهويد للقدس والجولان ,وتوسيع للمستوطنات وتدمير بيوت فلسطينيين في الضفة الغربية وبين ماقام ويقوم به النظام وحلفاءه في سوريا من تدمير لبيوت الفلسطينيين في مخيم اليرموك وأريحا ؟ أو بين ماتقوم به الأنظمة العميلة في كل من العراق ولبنان ومصر والأردن وفلسطين والسودان والجزائر ضد شعوبها الثائرة أوالغاضبة ؟ ألاتوجد علاقة ما بين مايجري حاليا في هذه البلدان وبين مشروع إسرائيل الكبرى تكون فيه إسرائيل قائدة لشرق أو سط جديد, بدأ الترتيب له منذ عام 1991 ( بعد مؤتمر مدريد ) وينفذ اليوم ضمن رؤية أمريكية صهيونية (يقال للتخفيف من فظاعتها مصطلح “صفقة العصر “) أكبر تشمل المنطقة كلها ؟ طالما أن الدوائر البحثية الأمبرياليةخاصة الأمريكية تنظر للعالم وخاصة للشرق الأوسط أوتتعامل معه كوحدة واحدة متكاملة ,منذ الحرب العالمية الأولى .ولاترى حكوماتها ( كلهم عندها سواسي ,مجرد أدوات وأرقام ) ناهيك عن أنها لاترى كثير من أبناء شعوب العالم ولاتعترف بها .وطالما أنها أساسا لاتقيم اعتبارا لكل شعوب العالم بما فيهم فقراءشعبها .
هل تخلوا مواقف جميع هذه الدول والحكومات المجرمة أو المشاركة بها أوالساكتة على ماجرى في سوريا والعراق واليمن وفلسطين عما يجري في أدلب حاليا .من خلفية طبقية أشار السيد محمد إليها ولم يشأ أن يعممها أوأن يعطي لها أبعادا دولية أعطاها لها السيد أحمد ووصفها توصيفا دقيقا ” السكوت الدولي ,وعدم اتخاذ موقف من الجرائم المرتكبة في أريحا وخان شيخون هو بمثابة مشاركة فيها ” ؟
أليس فقراء سوريا (كما قال محمد بيطار) مثل جميع الفقراء في كل أنحاء العالم هم وحدهم الذين يضرسون أكثر من غيرهم من الطبقات؟ سواء أكانوافي باريس أوالدويلعة والدحاديل أو تحت أنفاق نيويورك، أو أحياء الصفيح المنتشرة في أغلب دول العالم الثالث والبصرة الأغنى بالنفط؟
هل نجح ملالي إيران في تحويل الحقد الطبقي الناجم عن الفقر والإفقار لشيعة إيران والعراق الذي تعرضوا له نتيجة عمليات التسلح الرامية لتحقيق مصالح إمبراطورية فارسية وهمية، إلى حقد طائفي بما يجعل الشعوب الفقيرة في العراق وإيران وأفغانستان والباكستان ولبنان وسوريا واليمن. تقاتل بعضها ليموتوا جميعا، خدمة لمصالح القوى الرأسمالية في أمريكا وأوروبا المصرة على التعامل مع إيران رغم التهويل الحاصل على عدم التوافق؟ هل نجح الروس والأوربيين والأتراك في تحويل الاضطهاد القومي والإثني إلى صراع ديني خدمة لأغراض متعددة خاصة بهم؟
ألا يفترض أن يدفعنا للبحث عن المسؤول عن إفقار ونهب فقراءهذه الشعوب (سبعين بالمئة من البشر) ولمصلحة من يتم كل ذلك ,حتى دون حروب بالسلاح ؟ ألم يكن ما بين الحروب بالسلاح حربا بوسائل أخرى ؟ حروبا لمصالح ولخدمة من يسيطرون على الاقتصاد والمال في جميع هذه البلدان ؟ ( الشركات المتعددة الجنسيات ) .أليست جميعها شركات رأسمالية ( بما في ذلك داخل روسيا وإيران ) تقع تحت سيطرة بنوك ومصارف يتحكم بها رأس المال المالي القابع في مصارف نيويورك ولندن وباريس وجنييف ,إلخ؛ مصارف وشركات تتبع لها أو تخضع لها رأسماليات طرفية (تسمى دولا وهي في الحقيقة مجرد عصابات وأدوات )وسواء أكانت كبيرة أو صغيرة تنفذ مطالبها ,أوتشاركها في نهب شعوبها وبلدانها ؟.وإما طبقات طفيلية ومافيات محلية تقوم بتهريب الأموال والمخدرات والسلاح والبشر والرقيق الأبيض بالتنسيق مع مافيات ومخابرات تبييض العملة في الدول الغنية مثل روسيا ودول الخليج أو الفقيرة مثل كولومبيا وأفغانستان ؟ .