أحمد مظهر سعدو
إنها القيامة الآن، حيث يستمر العدوان الروسي الأسدي بوتيرة متصاعدة، على إدلب وما حولها، وصولًا هذه المرة إلى المدينة الأولى في محافظة إدلب (خان شيخون) من جهة حماة، وسط حالة من الهلع، يرافقها نزوح مئات الآلاف من المدنيين السوريين باتجاه الشمال، والحدود مع تركيا، ضمن حالة غير مسبوقة من التخلي العربي والإسلامي والعالمي، لأن 4 مليون إنسان سوري يتجمعون في إدلب، لم عودوا يشكلون همًا حقيقيًا لدى مدعي حقوق الانسان في الغرب والشرق.
حتى إن تقرير المستشار العسكري (أليكسندر إيفانوف) من القناة المركزية للجيش الروسي، تحدث عن حجم الكارثة التي فعلها الروس في إدلب وادعى أنه ” خلال (100) يوم على بدء العمل العسكري ضد (الجماعات المتطرفة) حررت القوات الحكومية (44) بلدة في المنطقة العازلة وقتل (3268) من الجماعات المتطرفة. ونفذت القوات الجوية الروسية والحكومية السورية حوالي (10000) طلعة جوية قتالية في شمال البلاد نفذت خلالها أكثر من (60000) ضربة، دمرت فيها أهداف ومرابض إطلاق الصواريخ.” معترفًا بأنه قد ” خسرت القوات الحكومية (4587) جندي وجرح (5135) آخرين”.
لكن المعطيات على الأرض تشير إلى حجم المأساة الأكبر، حيث استخدم اعتبارًا من 26 نيسان/ ابريل وحتى 17 آب/ أغسطس 2019 الآلاف من القذائف منها: أسلحة حارقة 338 صاروخ، ألغام بحرية 555 لغم، براميل متفجرة 3948 برميل، غارة جوية 9817 صاروخ، قنابل عنقودية 395 صاروخ قصف مدفعي 33068 قذيفة راجمة صواريخ، 28343 صاروخ، يضاف إلى ذلك 366 صاروخ أرض أرض.
ويبدو أن سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها دولة الاتحاد الروسي في سورية، هي السياسة الوحيدة، التي يمكن من خلالها قضم الأرياف والمدن، فهي لم تدخل أرضًا ولا قرية ولا مدينة، قبل أن تدمرها بالكامل على رأس من فيها، وتحرق الأخضر واليابس، ورغم بسالة التصدي للعدوان، ورغم البطولات التي تسجل للثوار المدافعين عن أرضهم، ومنازلهم، ورغم قلة السلاح، وتواضعه أمام الطيران الروسي الحديث، وأسلحة بوتين المدمرة، استطاع الثوار أن يحققوا خسائر كبيرة في البشر والعتاد في صفوف المهاجمين، من نظام أسدي وحزب الله الإيراني، وبعض النخبة من الجيش الروسي، واستطاعوا تلقين العدوان الأسدي ومن معه دروسًا لن ينسوها أبدًا.
ويبقى السؤال: هل أصاب العالم المتحضر، والعرب والمسلمين بعض العمى، والعجز، عن إمكانية إيقاف المغول والتتار الحديث في العالم، وكما يقول الدكتور زكريا ملاحفجي ” هل عجز كل العالم أن يوقف مجرمًا، لم يكتف من دماء الأبرياء”.
نعم يبدو أن الجميع عاجز ومتعاجز عن فعلٍ جدي يوقف المقتلة الأسدية في ادلب، كما فشل اتفاق (سوتشي) الموقع بين الروس والأتراك في أيلول / سبتمبر 2018، عن إيقاف حرب الإبادة الأسدية، التي تفقأ العين، وتدمي القلب، وتؤشر إلى وجود قدرات عسكرية حاقدة، عجزت مسبقًا، ومنذ اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل عام 1974، عن تحرير شبر واحد من أرض الجولان المتروكة لإسرائيل، لكن هذه القدرات، توضح كالشمس ما الذي كانت تنتظره، ولأي مستقبل قامت بتخزين السلاح والعتاد، وماذا كان همها الأساس، حيث وجدت مع حلفائها في حزب الله وكل الميليشيات الطائفية المستقدمة، والحرس الثوري الإيراني، أن طريق القدس أضحى يمر من خان شيخون، هذه المرة، وحلب وادلب وحماة، والقصير قبلها.
ومازال الشعب السوري في إدلب وريف حماة وريف اللاذقية، وريف حلب يتساءل بحرقة، كيف يمكن للعرب والمسلمين ومعهم (العالم المتحضر)، أن يترك ملايين السوريين في يوم القيامة هذا، أمام المحرقة الأسدية الروسية، وما سبب كل هذا التخلي، والإهمال، والترك، لشعب سوري، لم يألُ جهدًا في يوم من الأيام عن القيام بواجبه، تجاه أمته، أو تجاه أي قضية إنسانية، يمكن أن يساهم فيها.
وإذا كانت الدول الكبرى قد التفتت إلى مصالحها، بل لم تكن جدية في أي وقت في التعامل الإيجابي مع المسألة السورية، وخاصة الإدارة الأميركية السابقة أو اللاحقة، التي تكتفي بالتصريحات، وتترك الروس يعيثون فسادًا، في كل الجغرافيا السورية، فإن النظم العربية ما عاد مقبولًا منها كل هذا التجاوز والتخلي، عن جزء من أمتها، عن الشام وبلاد الشام، التي إن سقطت في يد الفرس الطائفيين، فلن تقوم قائمة للأمة بعدها، وستطال الهزيمة المشروع العربي، إن وجد، والحالة العربية برمتها، إن وعى ذلك من يهتم بقضايا أمته، وقضية الشعب السوري منها وأولها بكل تأكيد.
المصدر: موقع (المدار نت)