إسلام أوزكان
المنطقة الآمنة في شمال سورية مسألة طرحتها مرات عدة بلدان بدواعٍ مختلفة، ولم يتم تنفيذها بسبب عدم توافق المصالح بين الأطراف المختلفة، وصولاً إلى التفاهم أخيراً بين تركيا والولايات المتحدة، وهو تفاهم ليس تاماً، فهناك عوائق جمة أمام تنفيذه. وهناك ثلاث مشكلات: عدم تطابق الرؤى بين البلدين، والضبابية في أهداف إنشاء هذه المنطقة الآمنة، هل المطلوب منها حماية المدنيين أم استخدامها قاعدة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أم إزالة وجود وحدات حماية الشعب الكردية؟ المشكلة الثانية انعدام الثقة بين أنقرة وواشنطن. والثالثة عدم رغبة الولايات المتحدة في حل الأزمة وتحقيق سلام عادل وشامل في سورية، الحل الذي لا يحقق مصالحها السياسية والعسكرية.
إذن، ما هو سبب التفاهم الذي كان يُطرح منذ أكثر من ست سنوات، ولم تأخذه أية دولة على محمل الجد. ووفقاً لبعضهم الغرض من تشكيل منطقة آمنة بالنسبة للولايات المتحدة هو مماطلة تركيا، والحيلولة دون قيامها بعملية عسكرية في شرق الفرات. ولذلك، صار الاعتقاد في تركيا سائداً أن الولايات المتحدة أبقت دوماً نواياها غامضة بشكل متعمد. وبدورها ترى تركيا أنها حققت أهدافها من خلال هذا التفاهم، في الحفاظ على العلاقات والحوار السياسي مع واشنطن، وتوفير الآليات والأدوات التي تلبي احتياجاتها، وإزالة مخاوفها بشأن أمنها الوطني، وعدم تمكين وحدات حماية الشعب الكردية من الحدود، وتهميش هذه الوحدات إن لم يكن إزالتها، فالحكومة التركية باتت مقتنعة بأنها تخلصت من المغامرة المرّة في شرق الفرات التي قد تكون مكلفة من النواحي، السياسية والعسكرية والمالية، وفي مقدمتها تدهور العلاقات التركية الأميركية بسبب العملية العسكرية التي كان متوقعاً القيام بها ضد قوات حماية الشعب الكردية، ولذلك أبدت سرورها بالتفاهم أخيراً.
وبالنسبة إلى المسؤولين في الحركة السياسية الكردية في شمال سورية، موقفهم إيجابي بشكل مفاجئ، بيد أنهم أبدوا استياءهم تجاه ما يصفونه بعدم مرونة الحكومة التركية بشأن الخوض في حوار مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) والحركات الكردية الأخرى. حيث أوضح المسؤول البارز في حركة المجتمع الديمقراطي الكردي، ألدار خليل، في مقابلة معه أجرتها الصحافية التركية هدية ليفينت، إن قبول هذا التفاهم الحاصل بين تركيا والولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة ممكن، في حال شمولها المناطق الريفية من دون المدن المكتظة بالمدنيين.
وهناك أصوات معارضة في الولايات المتحدة أيضاً. عارض القائد السابق للقوات العسكرية الأميركية في سورية، جوزيف فوتل، سيطرة تركيا على المنطقة الآمنة، وقال “إن مثل هذه المنطقة الآمنة ستُحدث مشكلاتٍ لجميع الأطراف المعنية”، وأضاف “يتم إنشاء المناطق الآمنة بشكل عام لحماية المدنيين في مناطق النزاع، وعادة ما يتم تصميمها لتكون محايدة، ولتساهم في نزع السلاح، وتركز على الأغراض الإنسانية. سيكون لفرض منطقةٍ آمنةٍ على عمق عشرين ميلاً حتى شرق نهر الفرات تأثير معاكس، ويحتمل أن يؤدي إلى تشريد أكثر من 90% من السكان الأكراد السوريين، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الصعب للغاية بالفعل، وإيجاد بيئة لزيادة الصراع الذي من شأنه أن يتطلب نشراً موسعاً للقوات العسكرية”.
بماذا يفكر الجيش التركي في مسألة المنطقة الآمنة؟ يعتقد الجزء الكبير منه إن تفاصيل تفاهم المنطقة الآمنة غامضة، وغير متوافقة مع مصالح تركيا. والأكثر إثارة للقلق في هذا الجزء أين تبدأ المنطقة الآمنة وأين تنتهي، ومقدار المساحة المتوخاة. ولذلك اقترح الجانب التركي أن يكون عمقها 40 كيلومتراً، واقترحت الولايات المتحدة ألا يكون هذا العمق أكثر من سبعة أو ثمانية كيلومترات. ويعتقد ضباط كبار كثيرون في الجيش التركي أن الولايات المتحدة قد تُجبر تركيا على الاعتراف بحزب العمال الكردستاني كأمر واقع.
ويبدو أن الولايات المتحدة مضطرة للتعامل مع جميع اللاعبين في الساحة، حتى لو كانت بينها مواقف متناقضة. كل يعرف سبب عدم التخلي الولايات المتحدة عن وحدات حماية الشعب الكردية. كما لا يمكن أن تتخلى عن تركيا بسبب علاقتها التاريخية ومصالحها الاستراتيجية، خصوصاً أن التقارب التركي الروسي في هذه الظروف يعني تغير المعادلات، وهذا لا يمكن أن توافق عليه الولايات المتحدة. ولكن هناك ملف إدلب الذي ما زال يشكل صدعاً بين تركيا والولايات المتحدة، وتسعى واشنطن إلى استغلاله لتوتير العلاقات التركية الروسية. ومع ذلك، روسيا مصممة، لا سيما في إدلب، على عدم السماح للمشكلات أن تتحوّل إلى أزمة بين دمشق وتركيا. والولايات المتحدة لا تتخلى تماماً عن تركيا، هي تدرك على الرغم من أنها تحدّت واشنطن، وأطلقت تهديدات باتخاذ خطوات ضدها، إلا أنها تدرك جيداً أن القطيعة بينها وبين الولايات المتحدة سوف تؤدي إلى إضعاف يدها أمام روسيا. ولذلك تستمر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، وإنْ انتابتها الأزمات والتوترات.
باختصار، لا الجانب الأميركي ولا تركيا راضٍ تماماً بشأن الاتفاق الحالي. يعرف الطرفان أنهما لا يستطيعان تحقيق أقصى استفادة منه، يعلمان أنه حتى إذا لم يتم قبول جميع الشروط والمطالب، من الأفضل أن يستمر التعاون والتنسيق، بدلاً من غضّ النظر عن الجانب الآخر بالكامل، والتسبّب في حادث قطار.
المصدر: العربي الجديد