عبد الباسط حمودة
هل مر على البشرية نظام وظيفي نال من الحماية الإقليمية والدولية مثلما نال نظام الإرهاب والجريمة الأسدي؟ وكم هي عميقة الأثر اتفاقية «حافظ/مورفي» لصالح الصهاينة داخلياً وعربياً؟ وهل جاءت منقطعة عن حياكتهم لجريمة الانفصال وسياق العمالة منذ ما بعد 1961؟ وهل الخدمة التي قدموها، كنظام وظيفي، تستحق السكوت على كل تلك الجرائم ضد شعبنا السوري، وبالتضاد مع مستقبل سورية وأمتنا؟ ألم تتوج كل تلكم العلاقات الخدمية والمصلحية المتبادلة صمتاً حد التواطؤ على الدم المهراق من شعبنا الثائر على أيدي ميليشيا أسد، من كل الجنسيات، وجيشهم الإرهابي، فضلاً عن الصمت المريب على مشاركة جيوش دول كبرى بمثابة احتلالات لمنع معاقبة وسقوط هذا الشكل الاجرامي لتنظيم الأسد، مع استخدامه كل الأسلحة المحرمة وخاصة الكيميائي منها؟
مر على جريمة استخدام الكيماوي في غوطتَي دمشق ستة أعوام كاملة، وعلى ربيعنا الديمقراطي ثمانية أعوام ويزيد، تعيش فيها سوريا، والمنطقة العربية معها، حالة من الاستعصاء الثوري، مرتبطة أشد الارتباط بمصالح العقيدة الأميركية وتوابعها في السياسة العالمية، تلك العقيدة التي كنا نتلمّسها منذ اتفاق «حافظ/مورفي» وخطط «زبغنيو بريجنسكي» على وجه التحديد، لا سيما بعد “الصفقة الكيماوية” المريبة عام 2013 وتراجع أميركا عن خطها الأحمر الشهير.
تتبدى حالة الاستعصاء تلك بمجموعة نقاط مترابطة، ومتناقضة، محصلتها صفر، حيث هناك، أنظمة عسكرية أو دينية، أو عسكرية/دينية طائفية هجينة، مستحيلة الانصلاح الذاتي، ولا يمكن إسقاطها دون سقوط الدولة معها، كي تستمر الفوضى، وبالتالي التطرف والخراب الكلي، غير القابل للضبط أو السيطرة.
ثورات شعبية حالمة بالتغيير دون “امتلاكٍ مسبق” لأدوات التغيير لا السياسية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية، ولا العسكرية بكل تأكيد، فالسياسة كانت ممتنعة قبل الثورات ومُحتكرة من السلطات الأحادية والمانعة للتعدد، وما يعنيه ذلك من انعدام وجود تيارات سياسية فاعلة ومنظمة، أو جاهزة لتشكل بديل سياسي ممكن عن السلطات المرغوب إسقاطها، والسياسة أيضاً بقيت ممتنعة بعد الثورات نتيجة تداعياتها؛ الطاردة لكل سياسة، التي شنتها الأنظمة تجاه شعوبها، وهي حرب مفتوحة وشاملة ووجودية، بإشراف دولي خاصة من مجلس الأمن، ونراها في سورية كيف حرقت وتحرق البلد وأهله دون توقف منذ ثمانية أعوام متتالية، بينما يتم الترويج لبقاء القتلة والطواغيت في السلطة.
هناك أخيراً وليس آخراً، نظام المجتمع الدولي المتوَّج بعقيدة الإدارات الأمريكية الأكثر تأثيراً في حالات الاضطراب الاستراتيجي الحاصل، والأكثر تعبيراً عن تبدلاته في القرن الواحد والعشرين.
لكن انعدام القطبية الدولية بدأ يتحول إلى فوضى على صعيد دولي، لاسيما بعد نجاة تنظيم الأسد الارهابي من العقوبة إثر استخدامه للسلاح الكيماوي في غوطتَي دمشق، حيث كان المعنى الحقيقي لعدم معاقبته، هو انهيار مبدأ الحماية الإنسانية، السائد دولياً منذ تسعينيات القرن العشرين، والذي ينص على عدم احترام سيادة الدول، وضرورة التدخل، عندما يوجد حاكم يرتكب المجازر والإبادة الجماعية ضد شعبه.. لنلاحظ منذ ذلك الوقت – فبركة عدم معاقبة تنظيم الأسد – كيف أصبحت دول كثيرة أقل التزاماً بالشرائع الدولية، وأكثر انفلاتاً تجاه داخلها المحلي وخارجها الدولي، وأكثر جرأة في تجاوز الإرادة الأمريكية.
باتت القوى الفاعلة في المنطقة، والمتدخِّلة فيها، تدرك تماماً أن الإدارة الأمريكية لن تفعل شيئاً حقيقياً ومباشراً لخروج المنطقة من استعصائها القائم بل تساهم بمزيد من الاستعصاء والانفلات والارباك الدولي، لذلك رأينا التكالب الروسي الإيراني على سورية لا يجد من يردعه أو يقف في طريقه سوى شعبنا السوري وحده، والموقف التركي بات أكثر انشغالاً بالتصعيد الكردي الارهابي، والسعودية مشغولة بحربها في اليمن والتوازن الاستراتيجي المتأخر مع إيران، ومصر تغلق أبواب السياسة على نفسها لتفتح أبواب الدعم العسكري والأمني لتنظيم الأسد، والجميع يكافح الإرهاب علناً، وليبقى تنظيم داعش خاصة والقاعدة عموماً هو الجوكر، الذي يستفيد من الجميع، كي يبادلهم الفائدة، ويفيدهم جميعاً بأن يقمعوا الشعوب العربية التي ثارت للحرية، فوجدت هذه الشعوب نفسها في مواجهة إرهاب الأنظمة، ذلك الإرهاب الذي صنّع؛ عبر عنفه الجذري، إرهاباً يشابهه في الدرجة ويعاكسه في الاتجاه، ليعيشا معاً وليتبادلا الخدمات فوق أحلام شعوبنا وجثث أبنائها.
وهكذا، فإننا لا نجد خارج إطار العمل الوحدوي العربي في كل مرحلة من تاريخ أمتنا إلا الضياع؛ وهو ما غذته الإدارات الأميركية كلها عبر أنظمة مرتبطة بها وتنفذ أجندتها كاملة.
ومن يقرأ كتاب” العالم كما هو” للكاتب الأميركي «بن رودس» العامل السابق في البيت الأبيض، يدرك حجم التواطؤ الأميركي ضد شعبنا وأمتنا، ومحاباة مصالح إيران بصفقة الكيماوي المدعومة صهيونياً.
المصدر: إشراق