د زكريا ملاحفجي
” ثلاثة شهور وحسب” هكذا صرح بوتين عندما تدخل عسكرياً بشكل مباشر في سورية، ظناً منه أن الآلة العسكرية الروسية هي الأقوى، حيث تعتبر روسيا ثاني أقوى دولة في العالم، سوف تحسم مسألة الانتصار على هذه القوى الوطنية المتناثرة على جغرافية سورية، والتي لا يتجاوز سلاحها الأسلحة البسيطة. تدخلت روسيا في سورية بشكل رسمي ومباشر في شهر أيلول /سبتمر عام 2015 بعد أن كانت تساند النظام السوري سياساً ولوجستياً في حربه ضد مواطنيه!!
أذكر يومها أني قلت لمسؤول أميركي عن الملف السوري، هل سيكون هناك أي اهتمام عسكري إلى جانب السوريين والجيش الحر؟ فقال يومها: ” تمنّو ألا ينقص الدعم العسكري” وهذا الذي حصل بالفعل فيما بعد.
في ذلك التاريخ كان نظام الأسد رغم الدعم الإيراني لا يسيطر إلا على 17 بالمئة من الأراضي السورية، ولكن بعد التدخل الروسي واستخدامه لكافة الأسلحة المتطورة من طائرات وصواريخ وقنابل محرمة دولياً، استطاعت روسيا استعادة أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، إلى نظام الأسد الذي كان قد شارف على السقوط، لولا التدخل والاحتلال الروسي لسورية، وقد صرح وزير الخارجية الروسي في أكثر من مناسبة أنه ” لولا التدخل الروسي كان سقط نظام الأسد”.
كانت ذريعة روسيا في تدخلها كما تدعي هي محاربة المجموعات الإرهابية، ولكن القصف الروسي آنذاك كان أول استهداف له على القوى الثورية التي كانت تقاتل داعش في الشمال السوري، وتحديداً ريف حلب الشمالي، وكلنا يذكر المجازر التي حصلت يومها، وبسبب القصف الروسي أصبح أكثر من نصف الشعب السوري مهجرًا، أي بين جريح ويتيم وأرملة أو نازح ومعاق.
وكان التدخل الروسي في سورية بل الاحتلال الروسي لسورية بسبب موقع سورية الجيوسياسي، حيث تعتبر القاعدة الروسية الموجودة في مدينة طرطوس، القاعدة الأخيرة والوحيدة التي تمتلكها روسيا خارج حدودها، هذه القاعدة تعتبر خط الدفاع الأول من أجل حماية مصالحها في المياه الدافئة، حيث تطل على الغرب وعلى الشرق الأوسط ، ومن أجل خدمة روسيا، لذلك عملت روسيا على تثبيت قاعدتها من خلال وجود أسطول بحري كبير أمام السواحل السورية وقاعدة عسكرية جوية في المنطقة رغم أن الشعب السوري كان يسعى لحياة كالحياة، وأن يعيش حالة التحرر من الديكتاتورية والاستبداد، ورغم أن الروس كان من الممكن أن يكسبوا هذا الشعب الأعزل، ومن ثم يحقق الروس هدف وجودهم من خلاله، لكن يبدو أن العقلية المافيوية الروسية لا تعي سوى المحافظة على الأجير القديم، ولا تعي اللغة الحضارية في التفاهمات الدولية، فهي تنجز حربًا، لكن لا تصنع سلامًا، واعتبر الروس وجودهم في هذه المنطقة مسألة أمن قومي. لكن الثلاثة شهور وحسب، تحولت إلى أربع سنوات وربما سنين طويلة، وتفاجأ الروس أن السوريين أقوى مما اعتقدت غطرستهم، وأن السوريين لو وجدوا الحليف الدولي الاستراتيجي المساند لهم عسكرياً، سيصبح الوجود الروسي حلماً، وما يُنجز بالقوة والبطش لا يدوم، وتاريخ سورية معروف.
ثلاثة شهور وحسب باتت عار بفارق القوى الهائل بين شعب بسلاحه البسيط، وهذه الترسانات الروسية التي فقدت هيبتها على تراب سورية.
المصدر: صحيفة اشراق