أحمد مظهر سعدو
نتيجة للعثار الكبير الذي يعيشه الشعب السوري، وما وصلت إليه ثورته التي أطلقها أواسط آذار/ مارس 2011، وحالة التخلي العالمي والإقليمي التي آلت إليه أوضاع السوريين من الصديق والبعيد، كان لابد للعديد من المبادرات المحلية السورية وكذلك الإقليمية والدولية أن تحاول شق طريقها، علها تتمكن من المضي باتجاه تحريك المياه الراكدة، بعد أن تجمدت مسارات مؤتمر جنيف، وتتابعت مسارات أستانا، ونور سلطان، والتي أنتجت مناطق خفض التصعيد ، بما حوته من مآلات لا تخفى على أحد، ليس آخرها ما يجري في إدلب من تغول روسي أسدي، على المدنيين، وتهجير ما ينوف عن مليون ومئتي ألف شخص مدني نحو الشمال السوري، ليفترشوا الأرض حيث لا مأوى، ولا كساء ولا غذاء، ولا إمكانية جديدة للهجرة أو الوصول إلى (الملاذات الآمنة) في تركيا، أو في دول الاتحاد الأوروبي .
وبعد أن سُدت الآفاق، وحال بين الحل السياسي واحتمالاته، عدم الجدية الأميركية، والاستهداف الروسي، وغياب البعد المتحرك العربي أو الإسلامي، مما خلق حالة لدى السوريين مفادها أنه لابد من الاعتماد على النفس أولًا، واجتراح المزيد من المبادرات التي قد تكون واقعية، ومن ثم تكون مقبولة عالميًا، أو متوافقة مع رؤيا سياسية خارجية، تكون سندًا لها، أو تفسح لها المجال لتنتج وضعًا ممكنًا، قد يغير من الأوضاع السورية المتردية، ويعيد إنتاج حالة وطنية سورية أفضل، حتى لو كانت على حساب وحدة الدولة السورية.
وكان أن تنادت مجموعات من المثقفين والسياسيين والكتاب وأهل الحل والعقد، للالتفاف حول مبادرة أسماها الكاتب (إبراهيم الجبين ) مبادرة (سورية الاتحادية) التي ستكون عاصمتها المؤقتة ادلب، وتحاول أن تجد حلًا محليًا سوريًا للعقم السياسي، الذي وصلت إليه أوضاع السوريين، وترتكز هذه المبادرة على أساسيات سياسية قانونية إدارية تقطع كلية مع حالة المركزية في الحكم، التي طالما تمترس حولها نظام بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد، والتي يعتقد أهل المبادرة أنها السبب في الخراب الوطني التي آلت إليه أحوال السوريين والوطن السوري.
المبادرة ترتكز إلى عدة محاور ونقاط كان أهمها: _ قيام دولة اتحادية بنظام مدني ديموقراطي لجميع مواطنيها عربًا وأكرادًا وتركمانًا وسريانًا وآشوريين، وبناء دولة حديثة وفق نظام اللامركزية في الدولة الاتحادية. _ دولة متعددة القوميات والأثنيات والمذاهب تتكون من ستة أقاليم في سورية مرتبطة بالسلطة المركزية ذات السيادة، في العلاقات الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والمعاهدات الدولية والأمن العام والجيش والموازنة العامة ودستور البلاد. – ونظرًا لاستشعار أصحاب المبادرة بخطر تفكك الدولة السورية وزوالها، يتم الإعلان الفوري عن قيام الدولة الاتحادية دون انتظار سقوط الحكم الحالي للنظام الأسدي. _ تتكون الدولة الاتحادية السورية من ستة أقاليم ” الإقليم الشمالي –الإقليم الأوسط – الإقليم الجنوبي – الإقليم الشرقي – الإقليم الغربي –إقليم يضم دمشق الكبرى “. _ لكل إقليم من الأقاليم الستة حكومة محلية إدارية منتخبة من القاعدة في البلدة إلى القمة في الولاية، ومنبثقة من سكان الإقليم، مع مراعاة خصوصية المكونات القومية، وشعوب المنطقة وضمان حماية حقوقهم التي تم انتهاكها في كافة عهود الاستبداد.
وسألت (العربي الجديد) إبراهيم الجبين عضو الهيئة العامة للمبادرة: لماذا تطرحونها اليوم؟
فقال ” نؤمن أن هندسة الدولة وعمارتها وشكلها أمر ينعكس على عمارة الإنسان المنتمي إليها، ولقناعتنا أن اللحظة التي نعيشها اليوم لحظة تشكو شح التفكير السوري الذاتي وتعجز عن تقديم حلول أمام تقدم قوات النظام المدعومة من الروس والإيرانيين، تحت أعين العالم دون أن يتم طرح أية حلول سورية، وجدنا أن الخيار الوحيد هو رج الوعي السوري وتقديم ورقة للتفكير في حلول خارج الصندوق، تستهدف المستقبل انطلاقًا من حاجة اللحظة. نحن نفكر في حماية الملايين الأربعة في الشمال السوري أولًا وتخليصهم من إرهابين اثنين يطبقان عليهما أولًا إرهاب الأسد وثانيًا إرهاب تنظيم القاعدة الذي يهيمن على أجزاء منها. ولكننا لا نطرح حلاً فقط للشمال السوري، بل هو حل لسورية التي اضمحلت بفعل زج الأسد لها في معادلات دولية وإقليمية تجعل من الصعب بمكان الاستمرار بشكلها القديم الذي نرى أنه بني أساساً بشكل لم يصنع منها دولة حديثة، وربما كان هذا هو سبب ولادة ونمو هذا النظام الشيطاني الذي يعاني السوريون منه ويحاربون لاقتلاعه.” وعن اختيار العاصمة المؤقتة في إدلب والعاصمة المركزية الدائمة دمشق قال” هو دعوة للسوريين جميعًا وللمجتمع الدولي لحمايتها ومنع إعادة احتلالها أو تركها نهبًا للتطرف. ما قد يشكل منقذاً للوضع الذي يتفرج عليه الجميع منتظرين مصيرًا مجهولًا لملايين الأبرياء والمدنيين.” وأضاف ” واجب النخب السورية أن تقدم الرؤيا المستقبلية، ولا تستند في طروحاتها فقط إلى واقع سرعان ما يتبدل بتبدل الظروف، ونحن على قناعة أن الواقع السوري الحالي هو واقع عابر مؤقت. وقد أكدنا على عدم انتظار السقوط الحتمي للأسد قبل أن نطرح مشاريعنا. وحين نقول حتمي فهذا يعني أننا نعتبره أمرًا صار من الماضي. فلماذا ننتظر؟
وفي الوقت الذي يتخيل فيه البعض أن مبادرتنا هي جزء من مؤامرة دولية لهذا الطرف أو ذاك، أو تمت بإيعاز من أحد، كما نسمع في تخريفات البعض، نجيب بأنها لو كانت مؤامرة فسيفرضها الأقوياء إذًا، ولو كانت ورقة نظرية استشرافية مقترحة، وهي الحقيقة، فسوف تجد لها طريقًا إلى وعي الرأي العام، أوقد تذهب أدراج الرياح”.
وقلنا له: هل ستكون بعيدة عن مخاطر التقسيم والفدرلة؟ فأجاب ” لم تطرح المبادرة أي شكل من أشكال التقسيم ونصت بالحرف على التمسك بكل شبر من تراب سورية الواحدة، والاتحادية لا تعني بأي شكل من الأشكال تقسيمًا، ولم تدر كلمة تقسيم في الورقة، بل على العكس تم التركيز حرفيًا على أن التوزيع الإداري المقترح “دون تمييز قومي أو مذهبي”. ولا نجد سببًا يمنعنا كسوريين من التفكير فيه طالما أن الهدف منه هو تسهيل حياة الناس وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل ودمج محافظات سورية تم تقسيمها بهدف إفقارها وتجفيف التنمية فيها. ولا نرى أن إبقاء مخاوف السوريين من نوايا بعضهم البعض أمر جيد. معنا كردٌ سوريون وطنيون لم يطرحوا يومًا واحدًا مشروعًا انفصاليًا كما فعل غيرهم. ونحن نثق بهم. كما نثق بمن معنا من النخب العربية والسريانية وأبناء بقية المكونات السورية، دون استثناء. ولا نرى أن تلك المخاوف محقة. بل يجب أن تزول ما دمنا نتحدث عن شعب واحد له هدف واحد. ويجب عدم غض النظر كما فعل بعض منتقدي المبادرة عن تركيزها وذكرها المباشر لكونها تستند إلى قرارات مجلس الأمن٢٢٥٤ وكذلك بيان جنيف. أي أنها لا تخرج عن الرؤية الوطنية السورية الواحدة الرافضة لاستمرار الاستبداد، وكذلك التي تلبي مطالب الشعب السوري بالحياة الحرة الكريمة المتقدمة. وكي يكون الجواب واضحًا أكثر، فإن خطر التقسيم قائم الآن، إذا لم نطرح مشاريعنا، نحن السوريين، وهو هدف لعديد من القوى الدولية التي لا تريد الخير لسورية وشعبها”.
الدكتورة سميرة مبيض عضو الهيئة العامة للمبادرة وعضو هيئة التفاوض قالت للعربي الجديد:
” يأتي طرح مبادرة سورية الاتحادية اليوم سعيًا لإيجاد مسار يغلب المصلحة السورية المغيبة منذ تسع سنوات عن المشهد السياسي والقرارات المتعلقة به بعد تدويل القضية السورية وهيمنة المسارات العسكرية أو الايديولوجيات الضيقة على كافة الصعد. وفي ظل عجز دولي عن تحقيق مسار عادل يضمن تحقيق مطالب السوريين المحقة. باتت استعادة زمام المبادرة بيد السوريين ضرورة تجسدها المبادرة المطروحة وفق قراءة دقيقة للساحة الدولية، الاقليمية والمحلية بما يسعى لضمان وتحقيق مصالح السوريين. تعتبر سورية كوحدة حياة متكاملة غير قابلة للتقسيم والتفتيت فإن أي جزء منها غير قابل للاستمرارية بمعزل عن بقية القطاعات الجغرافية، لذلك فإن المبادرة تطرح بوضوح التوزع الجغرافي وفق النظام الاتحادي القائم على وجود التنوع السوري كسمة عامة على كامل الأراضي السورية بعيدًا عن أي تمييز قومي أو مذهبي وبما يضمن تحقيق الحريات المنشودة وإنهاء حقبة نظام استبدادي قمعي”.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة لاقت صدىً كبيرًا وقبولًا إيجابيًا لدى البعض، وسلبيًا لدى البعض الآخر، ويبدو أن (الكورد) بكل تلاوينهم السياسية قد لاقت رواجًا لديهم، من حيث أنها قد تتساوق مع الكثير مما طرح في (روج آفا) وسواها قبل ذلك لدى قوى سياسية كوردية ، تتعارض مع (روج آفا) أو تختلف معها. أعلى النموذج
أسفل النموذج
الكاتب السوري علاء الدين حسو يرى ” أن الوضع السوري لم يعد حكرًا على شريحة معينة. فالقضية السورية هي قضية مصير. لذلك فإن الكل مطالب حسب موقعه أن يساهم ويشارك في تحديد مصير البلد. انطلاقًا من هذا أرحب بكل مبادرة تدعوا لحل القضية السورية، ولكن بشرط أساسي أن تكون منسجمة وموافقة للهدف، وهو بناء دولة وطنية، وكذلك فإني أرفض أي مبادرة تحيد عن القضية الجوهرية. الحل في سورية بعد كل ما حدث (ولا يبدو أنه سيتوقف في المرحلة القادمة) لن يكون سليمًا إن لم يتم وفق أسس وطنية. المشكلة ليست بطبيعة وشكل الحكم بقدر ما أن المطلوب أن يخدم هذا الشكل تطلعات الشعب السوري بكافة أطيافه”
يضيف حسو ” المبادرة جيدة حين طُرحت. ولكن أصابتها العقدة السورية وهي البناء الافتراضي، وهذا لا يخدم القضية السورية. النقاشات حول المبادرة مستمرة، وأعتقد أن الحل السوري بعد كل هذا الدم الذي فجره النظام وجعل الوطن السوري حلبة شهية للنفوذ الأجنبي، يجب أن يكون على هذا الشكل. وهناك نوعان من الاتحادية. النوع الروسي والنوع الألماني. ولا يمكن أن ينطبقا علينا فنحن نختلف ثقافة ومناخًا عنهما، وصفوة القول أنا مع الفكرة. وأجدها الحل الامثل حاليًا. ولكن تحتاج لتطبيقها، قوة إجبارية أو قوة مجتمعية. والقوة الإجبارية مستحيلة كون التدخلات كبيرة. لذلك لابد من الشغل عليها وبسرعة، ومع كافة الشرائح للخروج بصياغة تناسب واقعنا وثقافتنا ومناخنا. سورية متعددة متنوعة.”. وتساءل ” ما الذي يمنع أن تكون هناك هوامش وصلاحيات واسعة للسيادات المحلية اجتماعيًا واقتصاديًا وتكون متوافقة سياسيًا عبر نظام يراعي مفهوم الدولة الوطنية التعددية، لذلك ليس هناك خوف أن تكون مقاطعة، أو إدارة أكبر من أخرى، إن كان هناك ناظم وطني واع قادر على استيعاب”.
أما السياسي الكوردي المعروف فؤاد عليكو فقال للعربي الجديد ” لم تنضج المبادرة حاليًا، لكننا مع النظام الاتحادي وندعم كل من يذهب بالتفكير بهذا الاتجاه”
القاضي والمعارض السوري حسين الحمادة رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية للقانونيين السوريين عارض هذه المبادرة وفند معارضته ورفضه بقوله” لا يوجد سوى مبادرة وحيدة للحل السياسي السوري طرحها المجتمع الدولي ( باستحياء ) في مؤتمر جنيف 1 وأُيدت بعدة قرارات دولية منها القرارين / 2254 – 2118 / ولم تعترض عليها لا الموالاة ولا المعارضة، هذه المبادرة الدولية تحمل مضامين موضوعية نسبيًا ويمكن البناء عليها، وإذا كان هناك خطأ في أسلوب تنفيذها فإن ذلك يقتضي منا كقوى ثورية وشخصيات وطنية أن نقوم بتسليط الضوء على جوانب الخلل في أسلوب تنفيذها، لا أن نطرح مبادرات ومبادرات تحت عناوين شتى، وبالتالي نقوم بنسف المبادرة الدولية، بدلاً من التمسك بها”. وأضاف ” لقد كانت أخطر المبادرات المطروحة هي التي طرحتها بعض النخب السورية، تحت عنوان (سورية دولة اتحادية)، وتبنت نظرية الفيدرالية، وارتأى دعاتها تقسيم سورية إلى أقاليم خمسة عاصمتها المؤقتة محافظة إدلب. نحن نعرف الفرق بين (الفيدرالية والتقسيم الجغرافي) ونعرف أيضًا بأن المقومات الموضوعية لهذين النظامين غير متوفرة في الحالة السورية بالمطلق، خاصة وأن سورية الآن تمر بمرحلة اضطراب وتتجاذبها مشاريع أقلوية، لذا فإنه من الناحية العملية سيكون الناتج هو التقسيم الجغرافي بطريقة مشوهة، لذلك فإن المناداة بالدولة الاتحادية والفدرالية السياسية يأتي من الناحية العملية في سياق تقسيم سورية إلى سوريات، على أسس دينية ومذهبية وقومية وطائفية، وكل جزء منها كانتون صغير وجميعها لا تحمل مفهوم الكيان السياسي للدولة”. ويرى القاضي حماده ” إن طرح نظام سياسي جديد لسورية الجديدة، لابد أن تسبقه نقاشات عريضة وتوافقات بينية مرتكزة إلى رؤية سياسية حقوقية ناضجة تجيب على كافة القضايا الجزئية الخلافية، وتضع لها حلول جذرية بلغة سياسية حقوقية لا تحتمل اللبس أو الغموض أو التأويل، لذلك فنحن كمكتب تنفيذي للهيئة الوطنية للقانونيين السوريين تداعينا لمناقشة هذه المبادرة وانتهينا إلى رفضها للأسباب الواردة في حيثيات قرارنا. وأخيرًا نقول: سورية بحاجة إلى التخلص من النظام الأسدي ظالمنا جميعًا، وهذا يتطلب توحيد الكلمة والصف خلف مشروع وطني سياسي حقوقي يعترف بوحدة سورية أرضًا وشعبًا، خالية من الاستبداد والاحتلال والإرهاب، ولا يمنع من أن نفكر سويًا بهدوء وتروي بنظام سياسي جديد نساهم بصناعته جميعًا ونحرص على تماسك المجتمع السوري وجعله يمنع ظهور أي دكتاتور جديد”.
فهل يمكن أن تنتج مبادرة سورية الاتحادية، ما هو جديد وجدي؟ وهل سيكتب لها النجاح بينما فشلت العديد من المشاريع والمبادرات الأخرى المماثلة؟ والأهم من ذلك هل ستكون مقبولة إقليميًا ودوليًا؟ والأكثر أهمية ما مدى قبولها شعبيًا سوريًا؟؟
المصدر: العربي الجديد