أحمد مظهر سعدو
رغم كل الألم وتصاعد حجم الضيم الواقع عسفًا على الشعب السوري، وخاصة الذي يجري اليوم في ادلب وما حولها، بل في كل الشمال السوري، فإن لسان حال السوريين، وأيضًا أصوات حناجرهم تلهج بالقول (سوف نبقى هنا، كي يزول الألم، سوف نحيا هنا، سوف يحلو النغم، موطني موطني). وهو تعبير أكيد عن مدى الصلابة والتمسك بالأرض، بل وعشق الوطن، بالرغم من كل ما يحاك، بالعلن والخفاء، وكل ما يقال هنا وهناك، عن خطط واتفاقات جديدة، قد تودي بكل المناطق التي هي خارج سيطرة النظام السوري إلى مصاف الهيمنة الروسية الأسدية، فلقد أدرك الشعب السوري وبعد أن تنفس حرية، أو بعض منها، بعيدًا عن سطوة النظام الأمنية، التي طالما عانى منها كل سوري حر، وكل سوري لم يقبل بتغول آل الأسد، على الوطن السوري، منذ أن وطئت أرض سورية عصابات الأسد الأب وأخيه رفعت، وصولًا إلى عصابات بشار المستولدة من تلك، وتؤازرها جل الميليشيا الطائفية التي استقدمتها إيران من كل بقاع الدنيا، لتحمي هذا النظام الطائفي، الذي يدعي العروبة والوطنية.
مايزال الشعب السوري رغم الألم ورغم الدمار الذي لحق به ينادي بالحرية، ويتمسك بأرضه، ويرفض اتفاقات التهجير القسري، ويصر على بقائه حتى تحت أشجار الزيتون، وفي العراء، مفاضلًا بذلك عن كل الملاذات التي يفترض أنها آمنة، أو ستأتيه بالأمان، بعيدًا عن وطنه السوري الذي لا يعادله شيء.
ويتمظهر تمسك الناس السوريين بأرضهم أكثر وأكثر، ويخرجون إلى التظاهرات كل يوم جمعة، بينما يسمعون بين الفينة والأخرى، تسريبات من هنا وأخرى من ما وراء المحيط، تفيد بإمكانية ما لقضم ما تبقى من أرض خارج سيطرة النظام السوري المجرم، ويبدو أن هذه التسريبات تزيد من التمسك بالوطن، وهي في نفس الوقت تشير إلى مدى رفض الناس السوريين العودة إلى ما يسمى (حضن الوطن)، وهو في الحقيقة (حضن الأسد) المجرم، الذي قتل ما ينوف عن مليون شخص مدني في سورية، وهجر ما يزيد عن 14 مليون بين تهجير قسري داخلي أو خارجي، إذ لم يعد يصدق أي سوري أن هذا النظام يمكن أن يعيد الأمان لسورية، فلا يمكن أن تنبع الحرية من قاتل، ولا يمكن أن تنعم الأوطان بكرامة مع وجود الطغاة، وليس بالإمكان الوصول إلى سيادة القانون في ظل قوانين الطوارئ وتغول الشبيحة، والميليشيات الطائفية، أو الإيرانية، فالشعب السوري الذي يرزح القسم الأكبر منه تحت سطوة القهر والاستلاب، وما يزيد عن 400 ألف منه في سجون بشار الأسد، لا يمكنه أبدًا القبول بإعادة تدوير جديدة للأسد، ولا بإعادة تأهيل له، وهو ما يزال يؤمن بالمثل السوري القائل ” من يُجرب المجرَّب يكون عقله مخرَّب” .
من هنا فإن الحديث السوري اليوم مابرح يدور، وفي ظل كل هذا التخلي العالمي والإقليمي، عن البدائل الأجدى، والبدائل التي تتجاوز تجارب السنوات الثماني المنصرمة، نحو تأسيس عمل وطني أرحب يستوعب الجميع، ويعيد إنتاج الثورة السورية من جديد، على أسس أكثر موضوعية، وأقرب للواقع، دون التفريط بوحدة الوطن السوري، وتتكئ إلى صياغة جديدة لعقد اجتماعي سوري جمعي جامع لكل أثنيات الوطن، ومن ثم إعادة التفكير برؤيا جديدة للعمل الوطني، المتمسك بالهوية الوطنية، ومن الممكن أن يكون التفكير هذه المرة الأقرب إلى حرب التحرير الشعبية، فقد ثبت أن الثورات الوطنية الشعبية، إما أن تبقى سلمية، أو تتحول إلى حرب تحرير شعبية، قد تطول، لكن لابد منها من أجل تجاوز الممارسات الفصائلية العسكرية السابقة التي شابها الكثير من الأخطاء، حيث تبين أنه ليس بالإمكان مواجهة الجيوش النظامية، بالسلاح الفردي، وبعقلية حرب الجيوش التي تجاوزها الزمن. فهل بإمكان الشعب السوري وقواه الحية أن تعيد إنتاج ذلك وفق المعطيات الجديدة المتغيرة؟!
المصدر: المدار نت