عمر كوش
استخدمت روسيا والصين حقّ الاعتراض (الفيتو)، لمنع صدور قرار عن مجلس الأمن، تقدّمت به ألمانيا والكويت وبلجيكا، ووافقت عليه 12 دولة، ينصّ على “وقف فوري لإطلاق النار” في محافظة إدلب السورية، ويطالب جميع الأطراف بوقف الأعمال القتالية، بدءاً من منتصف ليل 21 سبتمبر/ أيلول الجاري، بغية تجنب مزيد من التدهور في الوضع الإنساني الكارثي أصلاً في الأرض السورية.
ولم يكتف النظامان، الروسي والصيني، بالفيتو المزدوج، بل طرحا مشروع قرار منافس، أخفق في الحصول على أصوات كافية لاعتماده في مجلس الأمن، ولجأ كلا النظامين إلى أسلوبهما المعتاد في المخاتلة، إذ نص مشروعهما على أن وقف الأعمال القتالية لا ينبغي أن يشمل “الأفراد والكيانات المرتبطة بالجماعات الإرهابية”. وهي الحجة الواهية التي يحاول النظام الروسي، بشكل خاص، تسويقها، ليبرّر تدخله العسكري المباشر إلى جانب نظام الأسد، إذ أضحى جلياً للعالم، واستناداً إلى تقارير دولية وأممية، أن هذا التدخل لم يستهدف في أي يوم التنظيمات الإرهابية، سواء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، ولا سواهما، بل استهدف فصائل المعارضة المسلحة التي رفعت علم الثورة السورية، وجميع مناطق الحاضنة الشعبية للثورة السورية، وأزهق أرواح عشرات آلاف المدنيين، ودمّر المشافي والمدارس والأسواق ومحطات المياه والكهرباء، إلى جانب تدمير أماكن عيش المدنيين السوريين وسكناهم وأرزاقهم.
ليس الفيتو الروسي جديداً، وليس هو الوحيد الذي يمنع صدور قرارات في مجلس الأمن، تدين نظام الأسد أو تدعو إلى إيقاف جرائمه أو محاسبته، بل عادة ما يكون الفيتو مزدوجاً، روسياً وصينياً، إذ غالباً ما كان النظام الصيني يساند نظيره الروسي بذلك، أو بالامتناع عن التصويت أحياناً. وهذا الفيتو هو الثالث عشر الذي يرفعه النظام الروسي بوجه مشاريع قرارات في مجلس الأمن الدولي، تغطية لجرائمه وجرائم نظام الأسد، وحماية له أيضاً، ولكي يستمر هذا النظام في حربه ضد غالبية السوريين التي يشنها منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، بدعم عسكري وسياسي واقتصادي من النظامين الروسي والإيراني، وعلى مرأى العالم وسمعه وصمته على الجرائم بحق الشعب السوري.
والمستغرب أن كل الدول باتت تعلم تماماً أن مجلس الأمن الدولي عاجز عن اتخاذ أي قرار حيال القضية السورية، بسبب التعطيل الروسي الصيني، لكنها لا تفتش عن بدائل، وكأنها تمارس لعبةً مكشوفة، وشكّل الأمر محطة نوعية جديدة في العلاقات الدولية، حيث ترسّخت تجاذبات بين محورين في مجلس الأمن، الأول يقوده تحالف روسي صيني، والثاني يتكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وانتهز الأول منبر مجلس الأمن، كي يحوله إلى مقرّ للتنافس بين المحورين، ومنبر لاستعراض العضلات، والتعبير عن الخلافات والخصومات مع الحفاظ على المصالح، وممارسة فقه النكاية، بوصفه من مظاهر تسجيل النقاط على الآخرين، وإفشال مشاريع قراراتهم، حتى التي تتعلق بالمسائل الإنسانية وسواها.
ويرسل الفيتو المزدوج، الصيني والروسي، المتكرّر في مجلس الأمن، إشارات عديدة، لا يجسّدها فقط الانقسام بين دول مجلس الأمن الخمس دائمة العضوية، بل العامل الأساس في لعبة دولية مكشوفة، تحكمها المصالح والأدوار، حيال الصراع في سورية وعليها. وأراد ساسة النظامين الروسي والصيني من الفيتو تأكيد مواقفهما الداعمة، بلا حدود، نظام الأسد، حتى وإن تعلق الأمر بالدعوة إلى وقف الأعمال القتالية، وأنهما مستعدّان للتغطية على الجرائم التي يرتكبها ضد غالبية السوريين منذ أكثر من ثماني سنوات، ولن يسمحا لأي قرار دولي أو أممي، حتى لو طالب بمجرّد وقف إطلاق النار فقط.
ويعكس التمادي الروسي والصيني في استخدام الفيتو مرات عديدة عجز القوى الدولية الأخرى والمؤسسات الأممية عن القيام بواجبها في حماية الأمن والسلم العالميين، وفي الوقوف ضد الانتهاكات الخطيرة والجرائم التي يرتكبها نظام الأسد، ما يعني فشل المنظومة الأممية في الاحتكام إلى الفصلين السادس والسابع من ميثاقها الذي يشكل أساس الالتزام العام لمجلس الأمن، من خلال إعطائها الأولوية للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وفشلها في الإفلات من الخضوع للاعتبارات السياسية للدول دائمة العضوية، والتي عادة تؤدي، ليس فقط إلى إلغاء مشاريع القرارات، بل وإلغاء مضامين القرارات المتخذة ونسف أساسها القانوني، وما يمكن أن يترتب على ذلك من استخدام حق النقض، إذا كانت إرادة الأعضاء في المجلس تتجه إلى اتخاذ قرار يتعارَض مع رغبة دولة أو أكثر من الدول دائمة العضوية في المجلس ومصالحها، ما يعني الشلل التام للمنظمة الأممية، وأننا نعيش في عالمٍ تسوده شريعة الغاب ومنطق القوة العمياء.
والمحبط أنه أمام الانسداد والعجز الدوليين في مجلس الأمن حيال الكارثة السورية، لم يتحمل المجتمع الدولي، وقواه الفاعلة الأخرى، مسؤولية البحث عن ممكنات توفير سبيل ما لوقف القتل في سورية، ونصرة الضحايا فيها، ووضع حدّ لإفلات نظام الأسد المجرم من العقاب. والأهم هو إيجاد بدائل دولية، بغية تجاوز فيتو النظامين الروسي والصيني، بالعمل على تشكيل تحالف دولي، على شاكلة “الاتحاد من أجل السلم”، الذي صدر قرار من الجمعية العامة الأمم المتحدة بشأنه في عام 1950، نصّ على ضرورة تحمّل أعضاء الجمعية العامة مسؤولياتهم في حماية السلم والأمن الدوليين، حتى لو لزم الأمر استخدام القوة العسكرية.
ويبدو أن ساسة النظام الروسي يعرفون تماماً معالم وحدود اللعبة الدولية مع نظرائهم الأميركيين وسواهم. ووفقها راحوا يتصلبون في مواقفهم حيال القضية السورية، كونهم يعرفون أن حدود اللعبة التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية لن توقف تدخلهم المباشر في سورية، خصوصاً وأنها سبق لها أن غضّت النظر عن تدخلاتهم العسكرية وجرائمهم في أفغانستان والشيشان وجورجيا وأوسيتا الجنوبية وأوكرانيا، وغيرها. وبالتالي، أطراف اللعبة الدولية متوافقون على استمرار الكارثة السورية، لأن الخاسر الوحيد هو الشعب السوري.
المصدر: العربي الجديد