ميشيل كيلو
لا أعرف نتائج التدخل العسكري التركي شرقي الفرات في سورية. ولا أعتقد أن غيري يعرف، بالنظر إلى تشابك وتعارض إرادات من ينخرطون، أو يستطيعون الانخراط، في الصراع على المنطقة، وما يمكن أن تكون عليه النتائج المتناقضة التي ستتمخض عن أدوارهم فيها، وما إذا كانت أهدافهم المعلنة هي أهدافهم الحقيقية، أم أننا سنواجه هنا، كما واجهنا غالبا في الصراعات متشعبة المسارات متعارضة القوى، صعوباتٍ جمّة في تقدير مرامي من يخوضونها بجيوشٍ قال نابليون، ذات يوم، إنها ترفع رايات بيضاء تكون ناصعة بقدر ما يريد لها أن تحجب ما في مراميها من سواد.
أعتقد أن الدخول العسكري التركي إلى منطقة شرق الفرات يضمر عناصر سيكون من الصعب على تركيا التحكّم فيها، في حال قرّرت واشنطن أو موسكو استغلال ما فيها من معضلاتٍ تتيح لهما دفع الصراع إلى أبعادٍ لا تبدل فقط بديمغرافيا المنطقة، بل تمسّ كذلك بكيان الدولة التركية التي أستبعد أن تكون قد أقدمت على خطوتها، من دون تعهد بني عليه تفاهمها مع واشنطن، وتوافقها المحتمل مع موسكو وطهران حول ما إذا كان توغل جيشها إلى مسافةٍ تربو على ثلاثين كيلومترا سيعني ترحيلهم من مناطق عيشهم الحالية، وتقرير مصير سورية في ضوء حل دولي لقضيتهم، يكرّر ما سبق أن واجهوه بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أدرجت قضيتهم في سياقاتٍ قوميةٍ لا ينتمون إليها، تحوّلوا فيها إلى حالاتٍ باردة، بني الأمن الإقليمي على عدم تحريكها، ناهيك عن تسخينها، لما لهما من مخاطر تتحدّى الصيغة التي توافق الكبار عليها، لمنطقةٍ تشمل أمما أخرجت القضية الكردية من توازناتها. ويبدو، في أحد الاحتمالات المطروحة، أن دخول تركيا إلى شرق الفرات يؤكد أن إخمادها عاد إلى جدول أعمال الدول المقرّرة، بدلالة ردود الفعل الدولية والإقليمية على إعلان استقلال كردستان العراق بالأمس، وما يحدث اليوم من “تراخٍ” دولي حيال العملية العسكرية التركية شرق الفرات، حيث ارتكب حزب العمال الكردستاني حماقاتٍ سياسيةً لا تغتفر ضد مصالح وحقوق عربه وكرده وبقية أقوامه، لاعتقاده أنه اختطف المنطقة في غفلةٍ من أهلها والعالم، ووضع حتى واشنطن أمام أمر واقع لا يسع أحد تغييره، وتوهمه أنها ستخوض معركة كسر عظمٍ من أجل مشروعه الكردستاني ضد تركيا وايران والعراق وسورية، كأنه لم يصدّق إعلاناتها اليومية عن رغبتها في فك ارتباطها بالصراعات السورية والعراقية والأفغانية، وكذلك وضعه المسألة الكردية خارج المسألة الوطنية الديمقراطية السورية، وفي مواجهتها، ومد يده إلى الأسدية، وتعاونه معها ضد الكرد أيضا، ناهيك عن ارتكاباته ضد الأغلبية العربية التي ذكّرت السوريين، من عرب وكرد، بممارسات الأسدية، وفضحت خديعة الشعوب الديمقراطية المتآخية، التي قرر “العمال الكردستاني” أن تبلغ مآربها بسلاح “قوات حماية الشعب”، وما تتبنّاه من نظام سياسي لا محل فيه حتى للكرد، من غير أتباعها!.
مثلما فوّت حزب العمال الكردستاني على كرد سورية فرصة الديمقراطية، تفوّت تركيا عليهم اليوم فرصة الاختيار. وهذا لا يخدم قضية الديمقراطية التي يمثل كرد سورية ركنا رئيسا من أركانها، ولا بد أن يهب السوريون لحمايتها وحمايتهم، فالسوريون الكرد ليسوا هذا الحزب، وهذا ليس كرد سورية الذين ذاقوا من أذاه ما يستوجب إبعاده عنهم، وإبعادهم عنه، وفتح باب حوار وطني ديمقراطي جاد إلى أبعد الحدود معهم، للتوافق على مستقبلٍ يتسع لجميع السوريين، ويلبي حقوقهم أفرادا وجماعات، لا سيما وأن في مثل هذا التوافق من الضمانات لتركيا ما لا تأتيها به مدافع جيشها ودباباته.
هل فات الوقت؟ إن وقت العمل الديمقراطي/ الوطني، المكرّس لإنقاذ السوريين وإبعادهم عن المهالك، لم ولن يفوت أبدا… واللجنة الدستورية؟ لنكن جدّيين، ولنكفّ عن المزاح.
المصدر: العربي الجديد