منير الربيع
لا يلتقي الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، من الأفرقاء اللبنانيين سوى رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل. على الأقل حسب اللقاءات المعلنة. أصبح اللقاء دورياً أو روتينياً بين الطرفين. يُعقد لساعات طويلة كل فترة. يتم البحث فيه بجملة التطورات المحلية والإقليمية. كان يمكن للقاء أن يتم من دون الإعلان عنه. ولكن الأكيد أن هناك رغبة مشتركة في إعلانه. ما يعني أن هناك فحوى يراد التأكيد عليها، لا فقط أن اللقاء حصل، بل لمنحه دلالات سياسية، أولها وأهمها: لا يمكن لأحد الرهان على انفكاك هذا التحالف.
الداخل والخارج
بعض الأخبار والأجواء التي سُرّبت عن اللقاء، تشير إلى التشديد على عمق العلاقة بين الطرفين، والحفاظ على التحالف الإستراتيجي، وتوجيه نصر الله الشكر لرئيس الجمهورية ميشال عون على مواقفه، خصوصاً في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ فيها البلاد.
ولا شك أيضاً أن اللقاء يكرّس باسيل مرجعية توكل إليها ملفات مهمة، وقرارات أساسية، بالتكافل والتضامن بين الحزب ورئيس الجمهورية، خصوصاً أن نصر الله عندما يلتقي باسيل، يكون الأخير حاملاً أكثر من صفة، “الحليف المسيحي” الموثوق والمجتهد في سبيل الدفاع عن حزب الله في الخارج، “رئيس أكبر كتلة مسيحية” في مجلسي النواب والوزراء، “ممثل للشارع المسيحي”، و”اللصيق الدائم” برئيس الجمهورية، و”وزير الخارجية” الذي لا يترك مناسبة لا يدافع فيها عن الحزب، إلى حدّ تبنّي خيارات وقرارات الحزب على حساب أي خيار آخر.
هذه الصفات كلها، بالإضافة إلى أداء باسيل، تجعله بحكم الواقع الحليف الأفضل بالنسبة إلى الحزب في الداخل اللبناني، مع مراعاته ومحافظته على حلفائه الآخرين. وتمنحه المزيد من القوة في الداخل، التي سيعرف كيف يستثمرها ويجيرها لصالحه في السياسة الداخلية بوجه الأنداد والخصوم والمنافسين.
جاء اللقاء بعد مجموعة تطورات محلية وإقليمية، أولها اشتداد العقوبات على الحزب والتلويح بإمكانية فرض عقوبات على حلفاء له، وبعد التوترات التي حدثت في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب، واتخاذ باسيل ورئيس الجمهورية مواقف واضحة وداعمة لحزب الله وخياراته وردّه على الاعتداء الإسرائيلي. كما يأتي بعد جولة دولية أجراها باسيل إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وبالتأكيد، كان حزب الله الحاضر الأبرز في هذه اللقاءات، التي استخدمها باسيل للدفاع عن الحزب علناً. أما سرّاً فقد يكون ذهب أبعد من ذلك، بهدف تأكيد عمق العلاقة بالحزب، والحاجة الماسة إليه، دولياً وإقليمياً في مختلف المعادلات.
اللقاء إشارة إلى الاستمرار في تجديد العلاقة والتحالف بين الطرفين، ومؤشر للآخرين أن لا سبيل لإيقاع الشرخ بين الحزبين تحت أي شعار من الشعارات، وحتى ولو بالتهديد بفرض عقوبات أميركية على حلفاء الحزب. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن العناوين التي بحثت في اللقاء كانت شاملة. اتخذ الحيز الداخلي اللبناني والوضع الاقتصادي والمالي الجانب الأكبر منه. إذ بعد تقديم نصر الله لرؤيته السياسية للأوضاع في المنطقة، وإشادته بدور رئيس الجمهورية ومواقفه، واعتباره أن لبنان بأمس الحاجة لرئيس يشبه الرئيس عون، اعتبر أن الوضع المالي والاقتصادي بحاجة ماسة إلى المعالجة وإلى ضرورة إنجاز الإصلاحات. وقدّم نصر الله رؤية الحزب في كيفية إيقاف الهدر والفساد، مع رفض فرض ضرائب جديدة أو إجراءات تمس معيشة الناس.
التطبيع مع النظام السوري
في معرض الكلام السياسي أيضاً، أبدى نصر الله تمسكه بالاستقرار وضرورة الحفاظ عليه، والحفاظ على الحكومة وعملها، مع الحرص على عدم توتير الأجواء، خصوصاً مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد ما جرى في ملف الاتصالات وامتناع النائب حسين الحاج حسن عن حضور المناظرة التلفزيونية مع الوزير محمد شقير كي لا تتخذ المسألة طابعاً سنياً شيعياً.
أما إقليمياً ودولياً، فقد كانت النظرة متطابقة بين الرجلين. أكيد أن باسيل كان يريد أن يستمع لتقييم نصر الله لتطورات الأوضاع وتحولاتها، ومن ثم قدم باسيل شرحاً لأجواء دولية وإقليمية سمعها من خلال جولاته ولقاءاته، وأبلغه بنشاطه على الساحة الدولية رفضاً لتصنيف حزب الله كتنظيم إرهابي، لأنه يمثل جزءاً كبيراً من اللبنانيين وممثَلٌ بالحكومة والمجلس النيابي. كما حضر في اللقاء ملف إعادة العلاقات مع سوريا، وضرورة العمل في هذا الاتجاه، خصوصاً أن هناك مساع عربية لذلك. وبالتالي، لا حجّة للبنان للبقاء على موقفه، لا سيما أن هناك تحركات عديدة لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وهذا سيكون موضع تباحث بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمسؤولين السعوديين.
الحلف المشرقي
إعادة العلاقات مع النظام السوري، تأتي بعد جملة تحولات في المنطقة، يعتبرها كل من نصر الله وباسيل أنها تصب في صالحهما، خصوصاً أن النهاية ستؤول إلى حوار إيراني – خليجي، سينعكس على مختلف دول المنطقة. لكن لا يمكن تقديم أي تنازلات حالياً قبل جلاء الصورة. هذه التحولات في المنطقة، لا تنفصل عن “اللقاء المشرقي” الذي يُعقد في بيروت يوم الإثنين، وتشارك فيه وفود عديدة من كل دول العالم، والذي (استراتيجياً) له علاقة بحزب الله بشكل أو بآخر، وفق نظرية “حماية المسيحيين والأقليات، ومحاربة الإرهاب”، وإبقاء لبنان بحماية حزب الله كـ”ساحة للتواصل بين الثقافات المختلفة”. هذا المؤتمر الذي يُنظر إليه، بنوع من الريبة الخارجية، لأن البعض يعتبره أنه يهدف إلى تلميع صورة إيران وحلفائها أمام العالم.
المصدر: المدن