سامي خليفة
طفح كيل اللبنانيين من استمرار السلطة الحاكمة في ملء جيوبها، وتحولوا إلى شعب صاحب قضية، ملأ الشوارع والساحات، بأعداد هائلة من الناس من كل الأعمار والطوائف والمناطق، بعد أن منحوا أصحاب السلطة فرصة تلو الأخرى. وقد اهتم الإعلام الغربي بانتفاضة اللبنانيين، معتبراً أن الشعب الفقير لم يعد يحتمل سياسة نهب جيوبه وهدر المال العام، وأنه بات مقتنعاً بضرورة رحيل الطبقة السياسية الحاكمة.
تغيّر المشهد الطائفي
ركزت صحيفة “واشنطن بوست” على أهمية ما يجري في لبنان، واعتبرت أن المشهد السياسي الطائفي لفترة ما بعد الحرب الأهلية قد وصل إلى طريق مسدود، وأن كثيراً من الناس الذين يتوقع منهم اتباع القواعد الطائفية للنظام لم يعودوا ينصاعون لذلك.
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن المحتجين يرفضون العنف الاقتصادي والاجتماعي وانتهاك الكرامة الشخصية الناتجين عن النظام الطائفي، ويبحثون عن مستقبل أفضل بعيداً عن الهويات الطائفية. وأن مطالبهم تقف في تناقض مع النظام القائم على الهويات الطائفية، ما يثبت أن الاحتجاجات الحالية تولد إمكانية العمل السياسي خارج النظام الطائفي.
تحركات الحكومة
وقد غطت وكالة “بلومبرغ” الأميركية انتفاضة لبنان، مشيرةً إلى أن الحكومة اللبنانية تتسابق لإيجاد طريقة للخروج من الأزمة المالية، واسترضاء عشرات الآلاف الغاضبين من المسؤولين، لفشلهم في توجيه البلاد المثقلة بالديون والخروج من الانهيار الاقتصادي الوشيك. وبينما تستمر المصارف اللبنانية بإغلاق فروعها، سيتسبب هذا الأمر بمزيد من الضغوط في بلد يعاني بالفعل من نقص العملات الأجنبية.
يتصور اقتراح الحريري للخروج من المأزق تخفيضاً كبيراً في عجز الموازنة إلى الصفر في عام 2020، مقارنةً بحوالى 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2018، وعدم اللجوء إلى فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة، لكن الشعب لن يقبل بكل هذا الكلام. إذ يقول سامي نادر، مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية، للوكالة أن “ما يقدمه السياسيون الآن بات متأخراً جداً”.
ويشكك المراقبون، حسب الوكالة، في أن خارطة الطريق المخطط لها ستخفف من حدة التوتر في الشوارع، بالنظر إلى حجم المظاهرات التي كسرت المحرمات وامتدت إلى مناطق معروفة بولائها لزعماء سياسيين بارزين مثل رئيس البرلمان نبيه بري وأمين عام حزب الله حسن نصر الله.
مشهد نادر في شوارع لبنان
من جهتها، اعتبرت شبكة “سكاي نيوز” الإخبارية البريطانية، أن خروج عشرات الآلاف من الناس إلى شوارع لبنان، بما في ذلك العاصمة بيروت، وتعرض الزعماء المسيحيين والمسلمين لانتقادات شديدة، قدم عرض نادر للوحدة في بلد تنهشه وتقسّمه الطائفية.
وأضافت الشبكة، أن الشعب ليس بواردٍ أن يتراجع عن حقوقه الأساسية، خصوصاً أنه كسر قيوداً قديمة وغيّر من المشهد اللبناني، ويبقى أن نرى ما ستحمله الأيام المقبلة خصوصاً بعد استقالة وزراء القوات اللبنانية.
نظام ظالم
بدورها، أيدت صحيفة “إندبندنت” البريطانية تحركات اللبنانيين في الشارع، وتحت عنوان “لا نلوم المتظاهرين اللبنانيين على إشعال بيروت، فهم فقراء وغاضبون وجوعى”، علقت على التظاهرات التي تعم المناطق اللبنانية منذ أربعة أيام، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية ومعاناة نسبة كبيرة من الفقر.
ترى الصحيفة البريطانية أن نسبة كبيرة من الشعب اللبناني تعاني من الفقر ولا تجد ما تأكله، وهؤلاء هم من يتظاهرون منذ أيام احتجاجاً على أوضاعهم. مضيفةً أن ما يدفع اللبنانيين للنزول بعشرات بل ومئات الآلاف هو نظام ظالم يستمر في فرض المزيد من الضرائب وأسعار ترتفع باستمرار، ما يجعل من الصعوبة بمكان أمام الناس العاديين العمل والحصول على المال لشراء الطعام.
وتعبر الصحيفة عن اندهاشها من عجز الحكومة اللبنانية، فبعد أن اشتعل اللهيب في أشجار الصنوبر مصدر الفخر اللبناني وسفوح الجبال الرائعة. تبين أنها لم تقم بصيانة ثلاث مروحيات لمواجهة الحرائق وظلت قابعة في بيروت، واحتاجت لمساعدة من قبرص واليونان والأردن لكي تطفئ طائراتها الحرائق.
الغلاء والفقر
وفي مقالةٍ أخرى عن الوضع في لبنان، رأت صحيفة “واشنطن بوست”، أن الاضطرابات هذه المرة في لبنان مختلفة، فهي اندلعت نتيجة قضايا تتعلق بالغلاء وجيوب المواطنين، وهي تأتي بعد شهور من الإحباط العام من عجز الحكومة عن اجتياز البلاد للخروج من أزمة ديون وشيكة.
تعتبر رسوم الهاتف المحمول في لبنان من أغلى التكاليف في المنطقة، كما أن لبنان يُعد أحد أكثر البلدان مديونية في العالم، ويلقي الكثير من اللبنانيين باللوم في المحنة الاقتصادية للأمة، على عقود من المحسوبية والفساد والاستغلال الذي تمارسه الطبقة السياسية.
إلا أن الصحيفة تنقل بعض المخاوف الأميركية، من أن تؤدي استقالة الحريري وحلفاؤه، إلى أن ينتهي الأمر بلبنان إلى حكومة يهيمن عليها حزب الله، ما يجعل من الصعب جذب الاستثمار والمساعدات.
تفاعل العرب
وسلطت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، الضوء على تفاعل الشعوب العربية مع ما يجري في لبنان، واعتبرت أن جزءاً كبيراً من الشارع العربي يرى ما يحصل في لبنان حالياً بأنه امتداد للثورات التي شهدتها دول عربية خلال السنوات الأخيرة وآخرها الحراك في السودان والجزائر.
ولفتت الهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن ما يحصل في لبنان يذكر بما حصل في تونس قبل أعوام. وبما أن لكل ثورة أيقونتها، اعتبرت أن أيقونة الثورة اللبنانية هي المرأة التي تشارك بفعالية في الحشد والاحتجاج ضد فساد السياسيين.
الإعلام الإسرائيلي
هذا، وغطت الصحافة العبرية بدورها تطورات لبنان، لافتةً أن الغضب يعم الجار الشمالي لإسرائيل الذي يشهد اضطرابات في ظل امتعاض المواطنين من الإدارة الحكومية التي أثقلتهم بالديون وأعباء المعيشة.
وقد شبهت صحيفة “معاريف” العبرية في تقريرٍ لها، خروج اللبنانيين بتظاهرات المواطنين المصريين في الفترة الماضية ضد الحكام الفاسدين، متحدثةً عن أخطر تحدٍ تواجهه حكومة الوحدة الوطنية التي يتزعمها الحريري والتي وصلت إلى السلطة قبل أقل من عام.
وفي السياق، نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤول لبناني لم تكشف عن هويته، قوله أنه في الأشهر الأخيرة وقع عدد من الأحداث التي راكمت غضب المواطنين، وآخرها حريقٌ هائل اندلع في عدة مواقع بالبلاد وانتشر في العديد من المناطق، ما كشف عن نظام إطفاء حكومي للنيران فاشل وعفا عليه الزمن. واصفاً ما يحدث بأنه أصعب التظاهرات في لبنان منذ الربيع العربي عام 2011.
المصدر: المدن