أريان طبطبائي، كولين ب. كلارك ترجمة: علاء الدين أبو زينة
منذ أن تولى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه، تبنت إدارته ما تسمى استراتيجية الضغط الأقصى لتغيير مسار السياسات الخارجية والأمنية الإيرانية. وتعتمد هذه الاستراتيجية بكثافة على العقوبات لتغيير السلوك الإيراني من خلال تعقيد وصول طهران إلى الأسواق الخارجية والبنية التحتية المالية الدولية. ويتمثل الهدف الأسمى للحملة في حرمان طهران من الموارد المالية اللازمة للحفاظ على استمرار البرامج النووية والصاروخية وشبكتها من الوكلاء، بما في ذلك حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية مختلفة في العراق والحوثيين في اليمن وشبكة متنامية من المقاتلين الأجانب في سورية، الذين جندتهم إيران من أفغانستان وباكستان.
من المستحيل إنكار أن حملة الضغط الأقصى قد أضرت بإيران. فقد تباطأ اقتصاد البلد بشكل كبير، وهبطت عائداته النفطية. وكما ترى إدارة ترامب الأمر، فإن لدى إيران الآن موارد أقل لتكريسها لأجندتها الإقليمية. ووفق هذه الطريقة في التفكير، فإنه كلما قلت الأموال المتاحة تحت تصرف إيران، قلت الخسائر التي يمكن أن تلحقها مباشرة أو عبر وكلاءها في المنطقة.
ولكن، إذا كان الضغط الأقصى قد نجح في تحقيق هدفه الضيق المتمثل في إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني، فقد فشل في تحقيق هدفه الأوسع المتمثل في تغيير السياسة الخارجية الإيرانية.
وفقاً للسفير ناثان سيلز، الذي يتولى ملف مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، ما تزال إيران تزود حزب الله اللبناني وحده بمبلغ متزايد يصل إلى 700 مليون دولار سنوياً. وحتى لو كان هذا الرقم مضخَّماً، كما اقترح البعض، فإن القليلين قد يجادلون في أن طهران تظل الراعي الرئيسي لحزب الله. (يكسب حزب الله أيضاً ما يقدر بنحو 300 مليون دولار سنوياً من خلال الاعتماد على مجموعة واسعة من آليات التمويل الذاتي الأخرى). ولعل العلامة الوحيدة على أن حزب الله شعر بآثار الحملة المالية على إيران هي أن المجموعة وضعت المزيد من صناديق التبرع في جميع أنحاء بيروت وأجزاء أخرى من لبنان. وبالمثل، واصل عملاء إيران الآخرون العمل من دون إعاقة. وعلى سبيل المثال، حصل الحوثيون في اليمن على أسلحة أكثر تطوراً خلال العام الماضي، والتي استخدموها ضد أهداف عسكرية ومدنية إماراتية وسعودية، حيث قاموا بالانتقام من حملة الضغط الأقصى الأميركية منذ أواخر هذا الربيع.
لا تستطيع العقوبات المالية أن تؤثر على العديد من أهم جوانب علاقات الوكالة الإيرانية، بما في ذلك توفير التدريب والملاذات الآمنة ونقل الأسلحة والتكنولوجيا. ولم تكن طهران مهتمة في أي وقت بتطوير شبكة من الوكلاء المعتمدين عليها بالكامل. وبدلاً من ذلك، حاولت مساعدة هذه المجموعات على أن تصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً من خلال السماح لها بالاندماج في العمليات السياسية والأنشطة الاقتصادية لبلدانها ومساعدتها في بناء صناعاتها الدفاعية الخاصة -بما في ذلك من خلال منحها القدرة على صنع أسلحة ومعدات عسكرية في دولها الخاصة بدلاً من الاعتماد على إيران في إمدادها بها.
وفي الوقت نفسه، مع انسحاب الولايات المتحدة من سورية واستعادة بشار الأسد السيطرة على البلاد، فإن طهران تتقدم ببطء أقرب إلى تحقيق هدفها المتمثل في إقامة جسر بري يمتد عبر المنطقة. وإذا أصبح هذا الحلم حقيقة، فسيكون الملالي قادرين على تحريك الأسلحة والأفراد ذهاباً وإياباً بين إيران وجيشها المتنامي من الوكلاء، أينما كانوا، وبناء قواعد ومستودعات في جميع أنحاء المنطقة بحصانة نسبية. ولا توقف العقوبات المالية التقدم نحو تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، في حين أن السياسة الحالية للولايات المتحدة مبنية بشكل حصري تقريباً على فرضية أن هذه العقوبات وحدها سوف تحل المشكلة.
يجب على إدارة ترامب أن تقوم بصياغة مقاربة أكثر شمولية لتقويض قدرة إيران على تجنيد وتدريب ونشر الوكلاء. والمكان المناسب الذي يمكن أن تبدأ الولايات المتحدة منه هو وقف انسحابها المفاجئ من سورية، والذي قد يفيد إيران وشركائها. كان أحد أكثر الحواجز فعالية ضد التوسع الإيراني داخل سورية، وخاصة في الشمال الشرقي للبلاد، هو قوات سورية الديمقراطية التي كانت تتلقى الدعم حتى وقت قريب من قوات العمليات الخاصة الأميركية. ومن دون هذا الحاجز، يمكن لإيران أن تعمل بلا رادع، وأن تعيد تزويد الوكلاء وتقوم بتأمين الأراضي التي تزيد من تمكين قوات الحرس الثوري الإسلامي.
وبالمثل، من المقرر أن ينتهي حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران بعد عام واحد من الآن، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020. وعلى الرغم من أنه يستهدف البرنامج النووي الإيراني في الأساس، فإن الحظر يحتوي أيضاً على حظر معين على المواد التي يمكن استخدامها في برنامج الصواريخ، وهو مصدر قلق خاص لأن طهران تزود عملاءها بشكل متزايد بالصواريخ الدقيقة. وبموجب الاتفاق النووي القائم، من المفترض أن يتم رفع الحظر عن هذه المواد في العام المقبل، إلى جانب حظر السفر على قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، المسؤول عن تنسيق علاقات طهران بوكلائها.
تشترك واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في مصلحة منع تدفق الأسلحة إلى الوكلاء الإيرانيين، لكن لديهم خلافات في الرأي حول كيفية تحقيق هذا الهدف. وسعياً وراء التوافق، من المحتمل أن تتخلى واشنطن عن مواقفها الحالية المتطرفة بشأن برنامج الصواريخ الإيراني. ويمكن خدمة المصالح الأميركية بشكل أفضل من خلال إجراء المزيد من التغييرات التي يمكن تحقيقها على الحظر، والتي تركز على وقف نشر إيران للصواريخ وتكنولوجيا تصنيعها إلى الوكلاء.
على المستوى الأكثر عمومية، يجب على إدارة ترامب أن تدرك تنوع الوكلاء الإقليميين لإيران وأن تفهم أنه لا يمكن تعطيلهم بشكل موحد عن طريق الإضرار بالاقتصاد الإيراني. فمقاتلو حزب الله يختلفون عن الحوثيين، وتختلف الجماعات الشيعية في العراق من نواح كثيرة عن الميليشيات الأفغانية والباكستانية العاملة في سورية. وهذه القوى لها قدرات وأهداف مختلفة، حيث تمارس طهران مستويات متفاوتة من القيادة والسيطرة، وهو السبب في أن مبدأ “قياس واحد يناسب الجميع” يمكن أن يفشل. لذلك، يجب أن تعمل استراتيجية مواجهة حزب الله على خنق الشبكة العالمية الضخمة للمجموعة، في حين أن الطريقة الأكثر فعالية لمواجهة الحوثيين تنطوي على الأرجح على التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن. ويجب أن تأخذ أي استراتيجية تحاول منع تدفق المجندين الأفغان إلى سورية في الاعتبار تداعيات انسحاب أميركي متسارع من أفغانستان.
إن العقوبات المالية هي جزء مهم من أي استراتيجية لمكافحة الإرهاب. لكنها ليست كافية. وكلما كانت إدارة ترامب أسرع في إدراك ذلك، كلما أمكن وقف تصاعد النفوذ الإيراني بشكل أسرع أيضاً.
المصدر: الغد الأردنية/ (فورين بوليسي)