د_ مروان الخطيب
لم تكن الحملة العسكرية الثالثة التي قادها الجيش التركي داعماً للجيش الوطني سوى الضربة القاصمة لمشروع عملت عليه العديد من الأطراف الخارجية، في مسعى لتفتيت اللحمة الوطنية التي حاولت الثورة السورية منذ إنطلاقتها تكريسها في مواجهة محاولات التشويش على أهداف الثورة التي انطلقت لتحقيق الحرية والكرامة.
وفي مسعى الأجهزة الأمنية لعصابات النظام لتثبيت شروخ في الحركة الوطنية وتشتيت قواها كان عملها على تدعيم القوى الإنفصالية الكردية في مواجهة أي إلتحام لها مع المشروع الثوري الوطني، فأتت عملية إغتيال المناضل مشعل تمو في بواكير الثورة لتدعيم القوى الإنفصالية، بالتوازي مع إطلاق القوى (الجهادية) والداعشية من مختبرات صيدنايا. من هنا فإن عودة القوى الإنفصالية الكردية إلى حضن عصابات النظام لا يمكن إعتباره إنتكاسة للثورة السورية.
وفي ذات الوقت فإنه لم يكن هناك تحالف بالمعنى الأصلي للكلمة بين هذه القوى الإنفصالية وأميركا، لكنها كانت مجرد شراكة بنيت بغرض وظيفي هو محاربة تنظيم داعش الذي أضر بالمصالح الأميركية في المنطقة، دون مطالب سياسية مقابلة. هذه الشراكة استفادت من تدهور العلاقات الأميركية التركية، ومن الخطط الأميركية السابقة لبقاء طويل الأمد في سورية. وبالتالي فإن التلاقي المصلحي الأميركي مع الوحدات الكردية لم يكن المقرر له أن يستمر حين قررت واشنطن الانسحاب من سورية، وهذا يؤكد أن العلاقات بين الدول تبقى أقوى من العلاقات مع فاعلين غير دوليين.
وكان على قيادات القوى الإنفصالية الكردية أن تعي بأن سورية ليست مشكلة أميركا، وبالتالي، ليس مستغرباً بحث الإدارة الأميركية بين الحين والآخر عن استراتيجية خروج من سورية. أي أن القيادات الكردية الإنفصالية وبعد سنوات من التحالفات -الرسمية وغير الرسمية منها- مع الحكومة السورية وروسيا وأخيراً الولايات المتحدة، ها هي اليوم تجد نفسها دون حليفها الأوحد واشنطن، التي أبرزت موافقتها الضمنية على عملية عسكرية تركية في مناطق سيطرة قوات (سوريا الديمقراطية).
فلم يكن تحالف «سوريا الديمقراطية» مع الولايات المتحدة استراتيجياً منذ البداية، كان هناك عدو مشترك يتم مواجهته، والآن انتهى هذا الاتفاق، وعليه كان يفترض بالقيادات الكردية أن تصوغ تحالفاتها على أسس واضحة تتعلق بالرؤية الأميركية لمستقبل المنطقة.
تدعو الحكومة التركية لإقامة المنطقة الآمنة، بوصفها الخطة الأنجع لحل مشكلة اللاجئين، ويغلب أن يكون هؤلاء ممن نزحوا من ذات المناطق التي ستصبح ضمن المنطقة الآمنة ويستقرون حالياً في تركيا وجزء منهم نزح إلى أوربا، فإن إعادتهم يفترض أن يكون لها نموذج في منطقة درع الفرات وغصن الزيتون والتي لم تقدم بديلاً جيداً عن بلاد الهجرة لا من حيث فرص العمل ولا من حيث الأمن والآمان، وخاصة مع الدور السيئ الذي لعبته بعض المجموعات العسكرية من خلال صراعها على مناطق النفوذ وبعض السلوكيات على الحواجز الأمنية. ومن غير المنطقي أن تتحول (المنطقة الآمنة) إلى إعادة توزيع مهجري ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي بل الأقرب إلى الواقع “في حال تحقق الفكرة” أن ذلك سيُفقد اللاجئين الذين سيتم توطينهم حقهم في العودة إلى أمكنتهم الأصلية، وسيكون توطينهم حلقة كبرى جديدة، مع التأكيد مرة أخرى على أن إحلال عرب في أملاك عرب آخرين يأتي في هذا السياق.
في هذه الأثناء يؤدي أكراد سوريا وعربها دورهم على أكمل وجه، فيزدادون انقساماً حول ما لم يعد لهم فيه قرار مستقل بعد أن أفلتوا فرصة امتلاكه خلال السنوات الماضية، وهنا نجد أهمية إعادة الحياة لدعوات تفترض بالنخب الواعية من عرب وكرد سورية خارج إطار قسد وفي مواجهتها، للتداعي لإعادة صياغة علاقتهم المبنية على مبدأ المواطنة في سورية المستقبل.
المصدر: اشراق