محمد الحموي كيلاني
المنطق يقول: بأننا لا نستطيع ولن نستطيع أن نكشف على قلوب الجميع، ولكننا نستقرئ مما استوحيناه من علامات الوجوه، والتفاعل الكبير والمتوقع على وسائل التواصل الاجتماعي، ومما نستشفه من خلال الأحاديث هنا وهناك حول الحدث الأبرز على مستوى العالم بشكل عام وسورية بشكل خاص.
السوريون نالهم القدر الأكبر من الألم لما لحقهم من إجرام هذا التنظيم، ومن الأيديولوجيات التي خرجت من نفس الرحم، فكان مطيّة نظام الأسد في تشويه ثورة السوريين المطالبة بالحرية والكرامة، ومطيّة حلفاء الأسد في التدخل المباشر لحرق السوريين وتهجيرهم بحجّة محاربة الإرهاب والتنظيمات الخطيرة والمصنفة على لوائح التنظيم الذي جعل الأسد شريكًا في محاربة الإرهاب في مهزلة لم تعد تَخفى على أحد ولم تعد تُضحك أحدًا.
وترامب في السادس والعشرين من أكتوبر هذا العام قال: قتلنا البغدادي، وكذلك سابقه باراك أوباما في واحد مايو من سنة 2011 قال: قتلنا بن لادن
هي القصة الفجّةُ ذاتها، نصنع الفيروس ونصيب به من نشاء، ثم نعلن أننا وجدنا الدواء الذي يقضي عليه، مع بقاء آثاره التي لا تموت، وآلامه وجراحاته التي لا تنتهي.
لن أطيل كثيًرا وسأقول كيف استقبل السوريون عملية قتل البغدادي: حين أعلنوا عن المسرحية المكشوفة، وحين سخروا من تسويق الساسة، وحين شرحوا لكم من أنتم، ومن صنعتم، ومن تحمون ومن تحاربون.
لا شكّ أنه زعيم لتنظيم إرهابي مختل وله من يؤيد جنونه، وله من المعلولين من يعتنق فكرة الدولة الإسلامية والخلافة، هذا الحاصل ليس في سورية وحسب، وليس في الدول التي تعاني الظلم والاضطهاد وهذه البيئات السياسية المتمرسة في عداء الشعوب ونهبهم واستنزاف ثرواتهم بحجّة محاربة الإرهاب، وإنما في العالم المتقدم والدول الصناعية الكبرى في سرديّةٍ أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة.
نعم ضحك السوريون رغم مآسيهم على نكتةٍ مألوفة متكررة راح ضحيتها آلاف السوريين بين مذبوح بسكين الخليفة، أو تحت أنقاض حواضرهم العظيمة بعمر التاريخ الإنساني بطائرات رئيس العالم وأسياد الشر في صورة فيلم هوليوديٍّ محترف بأيادٍ ملوّثة بالعار والدم ليخرج الجميع منتصراً على الأجساد المنهكة والأجواف الخاوية والنفوس الحالمة بالعدالة والحرية.
لم يهتمّ السوريون لمقتل البغدادي بكل بساطة لأن البغدادي وأمثاله ومن على نهجهم ميتون بالنسبة لنا، ولا حياة لهم على أرضنا، ولا مكان لهم بيننا إلا بفرضهم علينا تحت حمايتكم ووصايتكم.
ومن يهتم أيها الحمقى!! سوى من أجّر عقله وقلمه، المستعلي على وعي السوريين الذين استفاقوا سريعاً في وجه هذا التنظيم فكشفوا مستوره وبينوا حاله وأصله ومآله، ووقفوا في وجهه ووجه صانعيه رغم القلة والضيق والحصار، ورغم الانكسار والصفعات المتوالية.
أو الغافل الذي لا يرى إلا بعين واحدة بأن مصالح الدول الكبرى والمتقدمة صناعياً أبعد ما تكون عن الحضارة الإنسانية والإرث الفكري والثقافي، فالنفط والثروات الباطنية أعلنها سيد العالم أنه سيقطع اليد التي تمتد على آبار النفط، كما أعلن التابع بوتين بانه ليس متمسكاً بالأسد وبأنه مع وحدة الأراضي السورية التي نهبوها وسرقوا مقدّراتها.
فليأتِ العالم بكل شواهد القتل والإجرام، ولتثبت كل المنظمات الإنسانية والمحاكم الدولية من الجلاد ومن الضحية، ولتأتوا بكل الوثائق والدلائل وبكل ما استطعتم، لن ينظر العالم لكم إلا على أنكم حاضنة الإرهاب.
المعركة فوق التصور المحصور بالسلطة والسيطرة والثروات. المعركة معركة صراع فكري وحضاري وثقافي منذ انقلاب البعث وحكم حافظ الأسد ووريثه القاصر، مروراً بالإسلام السياسي وأخيرًا بالأيديولوجيات المتطرفة، في أدوارها المختلفة للحفاظ على منطقة الشرق الأوسط تحت خط الفقر وتحت خط الجهل وتحت خط الإنسانية، كما أرادها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الأولى وسطوع القوى الكبرى وتقسيم الثروات وخرائط السيطرة وتعويم العملاء القادرة على استعباد الشعوب وتطويعهم وإرهابهم تحت مجهر الأمم والإعلام في معركة ضحيتها الشعوب الثائرة بين مقصلة الأنظمة وسندان الرايات السوداء.
في الختام: صديقي قبل أن تكتب وتحلل نريد أن نذكرك بأن البغدادي قُتل منبوذاً مطرودًا متخفياً، وحال كتلك لا تسمى حاضنة.
المصدر: زمان الوصل