د- زكريا ملاحفجي
سؤال في منتهى الأهمية لكنه ليس في منتهى السهولة، فبعد كل هذا لماذا لم ننجح؟ ربما لا يكاد فرد فينا إلا ويخطر بباله هذا السؤال بهذه الصيغة أو بصيغ أخرى لماذا لم ننجح؟
كل منّا لديه أجوبة تطول كثيراً، لكن لنوجز، لماذا لم ننجح بعد كل هذه الجهود والتضحيات والأعمال وكل تلك الضريبة الكبيرة التي دُفعت، ورغم ذلك لم ننجح، لن أقف على حجم مكر الخصم، فهذا طبيعي إنه خصم سمته المكر والظلم وإلا لمَ نواجهه أصلاً، لكن الأهم لماذا لم نتغلب عليه، ولم ننجح حتى الآن؟
أولًا: لم ننجح لأن للصراع وإدارته أدوات، من لم يمتلكها لن يمتلك النجاح. نحن نمتلك طاقة كبيرة قادرة على المقاومة وقادرة على التعطيل، لكن ليست قادرة على النجاح وتحقيق النقاط في النجاح والتقدم، لأنها طاقة غير منضبطة وغير منتظمة ومركزة، فالمياه المتدفقة عشوائياً لا تصنع شيئاً في حجر، لكن بالتركيز والضبط تقطع الحجر.
الجموع الشعبية بلا جماعات وأحزاب وتيارات قوية تملك كوادر، ووعي سياسي واستراتيجي لا تستطع أن تشكل ثقلاً في الصراع، مهما كان ثقل الأفراد المتناثرين وإن كنا نفتقد ذلك سابقاً فلماذا لم نصنعه لليوم؟ قيل لرجل أُعطي فأساً لك أربع ساعات لتقطع شجرة فكيف ستعمل، قال ساعتين أجهز فيهما فأسي وبساعتين أخريين سأتمكن من قطع الشجرة بلا كثير تعب، لأن فأسي أصبحت ممتازة.
ثانياً: لن ننجح ونحن نتآكل، ولا نتكامل، ونحن في الصف الواحد نحمل الكثير من التفشيل لبعضنا والعداوات الكثيرة، كان أحمد شوقي يقول أصدقاء السياسة أعداء بعد الرئاسة، لكن نحن أعداء قبل الرئاسة!
لا إكراه على الاختلاف الديني “لا إكراه في الدين “” فمن باب أولى لا إكراه في تباين واختلاف الأفكار والرؤى، لكن على أن يكون اختلاف تكاملي وليس خلاف تآكلي
ثالثًا: من أدبيات إدارة الصراع الحفاظ على الموجود، وإيجاد المفقود ابتداءً من الأنصار والحلفاء إلى الأعداء. هناك حلفاء واضحين وهناك حلفاء متقلبين وهناك غير مكترثين وهناك أعداء. وأبسط وعي سياسي يدفعنا من الحفاظ على الحليف الواضح وكسب المتقلب وغير المكترث بل وكسب من هم في صفوف الخصم أيضاً
لكن حالنا لا يشجع الحلفاء فكيف بالآخرين.
رابعًا: أن نكون محل جذب لأفكارنا وقضيتنا بسلوكنا وأخلاقنا وعدالتنا فلا نشبه الخصم بالظلم مهما قل مستوى الظلم لدينا فهو مرفوض، فمن يناضل من أجل حرية وعدالة ينبغي أن يمنحها، وصحيح لا يوجد تجمع بشري بلا أخطاء، ولكن لا يصح أن يكون بلا عدالة.
منذ متى توقف الجذب لقضيتنا والمتمثلة بازدياد المناصرين وكثرة المنشقين وتواليهم
مهما قلنا إن العالم خذلنا، ولو أنها حقيقة لكن مالم نمتلك أدوات الصراع وأدوات النجاح فلن ننجح، ومالم نكن على سوية كبيرة من الانضباط والتنظيم فمن سيقدّرنا ويعمل معنا ويساعدنا لمصلحتنا ومصلحته، والعواطف وحدها لا تغير واقعاً بل بالتدافع، وعندما نفشل نكون قد حملنا أسباب الفشل المؤدية إليه، ولو حملنا أسباب النجاح لنجحنا، ولكن لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم.
ولو أراد البشر خلع جبل لفعلوا لكن بتوظيف الطاقات والامكانات توظيفاً مثالياً وبعمل دؤوب مركز وليس بالعاطفة وحدها، العاطفة تثير الحماس للعمل لكنها لا تُنجزه. نحن نعيش في عالم بوصلته المصلحة والمكاسب وقناعته بها لكن كيف سنكون مقنعين ونحن غير منضبطين غير منظّمين غير قادرين على تقدير مصلحتنا والحفاظ عليها. يحاول البعض من الطيبين والأكاديميين نقد المعارضة وهذا جيد، لكن ماذا بعد النقد، وهل أصلحنا أو نصلح ما نراه معوجاً نقدناه.
نحن نعرف مالا نريد لكن لا نعرف ما نريد وكيف نحقق ما نريد. نحن نتقن (لا يمثلني) و(يسقط يسقط) وهي لغة المظاهرة الجماعية ضد خصم واضح وليست لغة الصف الواحد ذو الهدف الواحد ومن هنا بدأنا نتآكل. لم تعجبنا الواجهة الرسمية السياسية والعسكرية لحراكنا لكن هل أنتجنا شيئاً أفضل وأقوى وأرقى. لمَ نحتاج الدول لترتب هياكلنا ولتوحدنا ولتقرر عنا؟ لمَ نحتاج من يجمعنا ومن يقرر عنا أحياناً؟
نحاول أن نبرئ ساحتنا فنلقي باللوم في ساحات الآخرين. لمَ يستغلنا كل المتطرفين من (قسد) إلى (داعش) ليبنوا أحلامهم وأوهامهم فيما بيننا وعلى أرضنا التي دفعنا ثمناً كبيراً لتحريرها، أليس لأنهم وجدوا فوضى يستطيعون البناء وسطها، فمن جرأهم علينا سوى عدم انضباطنا والفوضى التي نعيشها وعدم قدرتنا على بناء تحالفات وشراكات دولية وإقليمية. ليس بالأماني والأمنيات نحقق أهدافنا وإذا فشلنا أو لم ننجح لنسأل أنفسنا لماذا لم ننجح بعد كل هذا الكم الكبير.
يقول أحمد شوقي: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا
المصدر: اشراق