أحمد مظهر سعدو
” تبت يدا أبي لهب وتب ” ألا بئس ما يفعلون، ألا سحق ما يقومون به، فقد سال الدم أنهارًا وأنهارًا في إدلب، ومارس الأسد الذي جاء ليحرق البلد، كل أنواع العهر والقهر والسلب والنهب والتهجير، وراح يتفنن (ومعه روسيا وايران ) بأجساد أطفالنا حرقًا وسحلًا ، وتدميرًا، وقتلًا بالبراميل والنابالم والفوسفور، فعل ويفعل في إدلب وريفها اليوم، كل الأنواع ما قبل الإنسانية، وما قبل الوطنية، وهو الذي ما عرفناه (وأبيه معه) إلا كذلك، لكن السؤال ما يزال قائمًا أين العالم الأجرب، العالم الذي يدعي الحضارة والإنسانية، أين بلاد العرب أوطاني، وأين بلاد الإسلام العميم، وأين حقوق البشر وحقوق سوى البشر؟
غاب كل ذلك وامَّحى في أرض إدلب، أرض سورية الوطن والعروبة. قُتلت الإنسانية وسُحقت في قرى جبل الزاوية وفي كفر نبل، وفي كل بقاع الأرض السورية التي أضحت مخضبة بدماء السوريين الأطهار، غابت شمس الحقيقة، واندثرت صيحات الأطفال، وانتهت شعوب الأمة إلى حالة من الغيبوبة لم يسبقها إليها سابق، حتى بتنا نخبئ رؤوسنا في الرمل، عندما تُذكر دول جامعة الدول العربية، وشعوبها في بعض الأحيان.
يقولون أن هناك تنسيق أوروبي تركي لكبح جماح روسيا، ويقولون أن الأميركان يحتجون على الإفراط بالقتل في إدلب، ويقولون أن الأمم المتحدة متضايقة من قتل الأطفال السوريين غير المعقول في إدلب، ويقولون ويقولون ، لكن هل من أحد ذاق طعم اللحم المحروق؟ وهل من شعب عاش تحت قصف البراميل؟ وهل من أمة شهدت عملية قتلها من رئيسها؟ وهل من أمم مرت عليها عصابة تحكم باسم الدولة؟ بينما يتفرج العالم بـأجمعه على دراما سوداوية ميدانية، تقلع العيون؟ وإذا قبلنا بأن مجزرة حماة عام 1982 التي ارتكبها رفعت وحافظ الأسد وراح ضحيتها ما يزيد عن أربعين ألفًا من السوريين، لم يشاهدها أحد، حيث لم تكن أجهزة التواصل الاجتماعي ولا التقنيات متوفرة، فهل يمكن لعاقل اليوم أن يقبل مثل هذا الادعاء، ونحن على أبواب عام 2020؟ وهل من عاقل يمكنه أن يدعي عدم المعرفة، وضبابية المشهد؟
ما يجري من مقتلة مستمرة ومتواصلة في إدلب اليوم، تفقأ كل العيون، وتضع الجميع بلا استثناء أمام مسؤولياتهم، بل وتعريهم جميعًا، وهم يشاهدون المجازر تلو المجازر، ولا يحركون ساكنًا، ولا يصدر أي بيان (مع بؤس البيانات) من أي دولة عربية، يندد بما يجري من محرقة لأهلنا في إدلب. شاهت الوجوه وقل ماء الوجه، ولا خير في وجه إذا قل ماؤه.
ويبدو أن الكوارث مازالت قادمة على أهلنا في إدلب إذ حذرت مصادر دبلوماسية تركية من وقوع كارثة إنسانية جديدة بسبب تصعيد جيش النظام السوري بدعم من روسيا هجماته في إدلب، لافتة إلى أن نحو 25 ألفًا من المدنيين في إدلب نزحوا باتجاه الحدود التركية في اليومين الأخيرين فقط.
تبقى المشكلة الأهم أن الشعب السوري كان ومازال يواجه نظامًا مجرمًا (يمتلك أحدث الأسلحة الروسية) بصدره العاري، وبكرامته وحفاظه عليها، ويواجه ذلك لوحده، ولوحده فقط، بينما تقف إلى جانب النظام المجرم دولة كبرى بحجم روسيا، وتقف معه دولة الملالي الإيرانية التي تجد فيه الجزء الأكثر ثباتًا في مشروعها الفارسي الطائفي للمنطقة، وتستجلب معها كل شذاذ الآفاق من فصائل طائفية، جاءت لسورية كمرتزقة لتناصر المجرم الأسدي، حيث قيل لها أنه هو من يحمي مشروع الطائفة بكل أسف.
ولم يدرك الكثير من هؤلاء أن القضية بالنسبة للسوريين ليست طائفية، وليست سلطوية، وليست تنازع مصالح، بل هي الحرية والكرامة فقط، التي خطفها المقبور حافظ الأسد، وثنى عليها وريثه بشار، ومن معه من دولة أمنية هي أشبه بالعصابة، التي تنهب الوطن وتقتل أبنائه، وتضرب عرض الحائط بسيادته، التي بيعت على قارعة الطريق.
الشعب السوري خرج من أجل الاعتراف بمواطنيته، ومن أجل بناء دولة القانون وسيادة القانون المفتقدة، خرج ليعيد تأسيس سورية من جديد بدون تغول آل الأسد، وبدون المتاجرة بقضية فلسطين، على حساب دماء السوريين، وزجهم في المعتقلات. لكن ما لاقاه من هذا النظام ومن معه، هو المزيد من القتل والتدمير، المزيد من الاعتقال والتهجير القسري الداخلي والخارجي، حتى بات السوري بلا مأوى يأوي إليه، وبلا وطن آمن يضمه بين ظهرانيه، والعرب والعالم المتحضر يتابع الفرجة الدموية، والصامت شريك.
المصدر: موقع (المدار نت).