عمر كوش
تشير الهجمات المستمرة، التي يشنها عناصر من حزب الله وحركة أمل وأنصار لهما على المحتجين اللبنانيين، إلى المأزق الكبير الذي أصاب قادتهما، وإلى حجم عداء التشكيلين لكل من يشارك في احتجاجات الثورة التي وحّدت غالبية اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، ضدهما، بوصفهما جزءاَ من الطبقة السياسية المسيطرة على نظام المحاصصة الطائفية في لبنان.
ولعل منجزات الثورة اللبنانية لا تتوقف عند توحيد مطالب اللبنانيين في إسقاط مرحلة بأكملها، ساد فيها نظام المحاصصة الطائفي الذي يسمى النظام التوافقي الطائفي، بل تتعدّاه إلى أنها كشفت قناع المليشيات الأقوى في لبنان، وأماطت اللثام عن وجهها المخادع، من خلال ممارسات الاعتداءات المتكرّرة ضد المحتجين، بغية إرهابهم وإسكات أصواتهم. ويبدو أن المليشيات الطائفية قد كشفت عن وجهها الحقيقي، بعد فشل محاولاتها الرامية إلى نشر الفوضى لمواجهة الثورة السلمية، وبطلان موقفها المشكّك بالحراك الاحتجاجي الشعبي، الموقف الذي انتهى إلى العداء المطلق للحراك، الأمر الذي نتج عنه فجوة عميقة بينها وبين قطاعات واسعة من حاضنتها الشعبية التي خرجت إلى الشوارع والساحات، مثل سائر من خرجوا، مطالبين بإسقاط الطبقة السياسية برمتها، وعنى ذلك تهديداً لقادتها وزعمائها في السلطة الفاسدة، فوجد كل من قادة حزب الله وحركة أمل وسواهما أنفسهم في مواجهة تشكيكٍ شعبيٍّ غير مسبوق، وخصوصا داخل الحاضنة الشعبية الشيعية التي تُعتبَر بيئتهم المذهبية، فطاولت شرعيتهم ونزاهتهم، إذ لأول مرة انطلقت صيحات الاستنكار والاستهجان العلني ضد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله (كلن يعني كلن.. نصر الله واحد منن)، وأحرق محتجون صور الرئيس اللبناني، ميشال عون، وصور زعيم حركة أمل، نبيه بري، وطاولت هتافات ساخطة النائب عن حزب الله، حسين الحاج حسن، وكذلك رئيس كتلة حزب الله النيابية، محمد رعد، ووصفوه بـ”الحرامي”.
لقد جسّد خروج غالبية اللبنانيين من بيوتهم وأماكن عملهم إلى الشوارع والساحات، منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول، حدثاً ثورياً غير مسبوق في تاريخ لبنان، ومثل هذا الحدث تحدّياً كبيراً لحزب الله وحركة أمل، حيث صارا يواجهان مأزقاً حقيقاً، لأن حاضنتهما الشعبية تعرّضت لتهميش وإفقار شديدين، إسوة بغالبية اللبنانيين، خصوصا أن سبل مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية العاصفة وممكناتها باتت شبه معدومة، حيث لم يعد حزب الله قادرا على تأمين السيولة المالية من نظام الملالي الإيراني، اللازمة لتأمين حاجاته حاضنته الشعبية، بغية تفادي مشاركتهم في الاحتجاجات. إضافة إلى أن لجوء حزب الله وحركة أمل إلى قمع الاحتجاجات يظهر دورهما في حماية نظام المحاصصة الطائفية القائم على الفساد والإفساد، ويكشف زيف ادّعاء حزب الله في الظهور بمظهر المدافع عن لبنان واللبنانيين، وبطلان مبررات أمينه العام الذي يدافع عن العهد والنظام بشراسة، مقابل وقوفه ضد حراك اللبنانيين، وضد مطالبهم وتطلعاتهم، وتوجيه اتهاماته لهم بالخيانة والعمالة للسفارات الأجنبية، وإطلاقه تهديداته المستمرة ضد الحراك الاحتجاجي.
ويشكل استمرار الثورة اللبنانية تهديداً لكل أركان نظام المحاصصة الطائفية، خصوصا حزب الله وحركة أمل، الأمر الذي يفسر أن قرار قمع الحراك الاحتجاجي اتخذ من طرف قادتهما.
ولا يخفي أمين عام حزب الله تبعيته وولاءه المطلق لكبير ملالي النظام الإيراني، بوصفه جزءا من مشروع ولايته. وعلى الرغم من أنه بات القابض على مفاصل القوة والهيمنة في نظام المحاصصة اللبناني، إلا أنه، في الوقت نفسه، لا ينظر إلى لبنان إلا بوصفه ساحة من ساحات مشروع نظام الملالي الإيراني، التي يستخدمها لتحقيق طموحاته في الهيمنة على المنطقة العربية.
لا غرابة في أن يتخوف اللبنانيون، وكثيرون معهم، من غزو قد يقوم به حزب الله على غرار غزو بيروت في 7 مايو/ أيار 2008، لأن اعتداءات مناصريه لن تثني المحتجين عن مواصلة احتجاجاتهم السلمية، ولكنّ انتقال مناصريه إلى الاعتداءات والهجمات العنيفة في العاصمة ومختلف المدن والبلدات اللبنانية يشي بأن قادة حزب الله وحركة أمل قرروا الانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد، بما ينذر أن تطوّراً جديداً وخطيراً قد يحدث، ولا يمكن تجاهل مبانيه ومعانيه وإرهاصاته على لبنان والمنطقة.
وما يدفع إلى الاعتقاد بأن ما يجري في لبنان ينذر بتصعيد خطير من القوى المليشياوية في السلطة اشتراك حرس البرلمان اللبناني، التابع بشكل مباشر لرئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل، نبيه برّي، في الاعتداء على المحتجين، إضافة إلى تواطؤ وزيرة الداخلية اللبنانية، ريا الحسن، في بيانها عن “عناصر مندسة” في صفوف المحتجين، ولم تتحدّث عن عناصر حزب الله و”أمل” الملثمين وغير الملثمين، الذين هاجموا المحتجين بوجود عناصر قوى الأمن، ولا عن تهديداتهم الناشطين، ما يشي بتواطؤ بعض هذه القوى الأمنية أو محاولة توريطها في القمع. ولا غرابة في أن يدافع وزير الدفاع اللبناني، إلياس بو صعب، المحسوب على التيار العوني، عن النظام، وأن يردّد ما تفوه به جبران باسيل (صهر العهد)، من خلال اتهام اللاجئين السوريين بالمسؤولية عن تفجر الاحتجاجات، مع أن المحتجين سبق أن قالوا عنه وعن غيره من أزلام السلطة: “حرقوا البحر وجرفوا التل وحرّضونا على اللاجئين.. سرقوا الشغل ونهبوا الوطن وكبوها على اللاجئين..”.
المصدر: العربي الجديد