عبد التركي
لن يكون غريبًا القول بأن اللجنة الدستورية السورية آخر صرعات الحل في سوريا وهذا لأن الثورة السورية ونتيجة لعدم المصداقية لدى المجتمع الدولي ودعمه للنظام إلى حد ما قد مرت بالعديد من المؤتمرات بدءً من جنيف إلى سوتشي وأستانة حتى اللجنة الدستورية في جنيف مجددًا وأرقام من الواحد وقد تصل إلى المئات طالما أن المجتمع الدولي ما يزال غير جاد في الحل وروسيا تدعم النظام بكل قوتها في تعنته وتعمل معه على خطتها المسماة دبيب النمل لاستعادة المناطق التي خسرها وقد استطاع النظام من خلالها هذه الخطة السيطرة على أغلب سوريا غرب الفرات وما قصفه لإدلب الآن إلا في إطار المشروع لاستعادة ما تبقى.
كما أن المعارضة لاتزال تتخبط ولا تعرف ما تريده لعدم الخبرة وابتعادها عن الحاضنة وتخلي الجميع عنها بدءا من الأشقاء ومرورا بالأصدقاء ووصل الأمر إلى الحلفاء الذين بعد أن شاهدوا التعنت الروسي أعلنوا ان على الفصائل التعامل مع الواقع والدفاع عن نفسها في إشارة إلى التخلي عن لجمها كونها كانت الضامن وفي نفس الوقت لن تدعمها علنا كما فعلت عندما كانت لها مصلحة في مناطق أخرى كدرع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.
مع هذا كله يبقى الموقف الأمريكي الحاضر الغائب دائما غير واضح وغائم على ما يبدو مع العلم بأنه اللاعب رقم واحد وهو من يقرر متى تنتهي المأساة التي أصبحت إلى حد ما ملهاة وكان الدم السوري أرخص ما في العالم البعيد عن الأخلاق.
في ظل كل ما يجري عقدت جلسات اللجنة الدستورية بين كتل ثلاث تختلف في نظرتها إلى الدستور والوطن فكتلة النظام ترى أن الدستور يعني إجراء بعض التعديلات على دستور 2012 دون المساس بمنصب رئيس الجمهورية ووفد المعارضة غير المنسجم والمختلف الرؤى لأنه من مشارب مختلفة لديه تخبط في الرؤية وضبابية نتيجة عدم الانسجام.
أما وفد المجتمع المدني فهو حقيقة بين الاثنين فمن يعيش في سورية لن يستطيع الخروج عن توجهات النظام ومن في الخارج لديه بعض الحرية.
عقدت جلسات هذه اللجنة وإدلب تحت النار والنظام مستمر في الحرب ولن يتوقف كما قال رئيس وفده في الاجتماع فلا علاقة بين الجلسات وما يجري على الأرض من قتل وتدمير وتهجير حسب رأيه. أما المعارضة فلا حول لها ولا قوة لأنها وضعت بيضها في سلة واحدة وهي تبحث عن حلول أقل ما يقال إنها أحلام وردية أو بعيدة عن الواقع ولو كانت تملك رؤيتها وتعرف ما تريد وتعبر عن السوريين لما ذهبت إلى الاجتماع لأن المشكلة في سورية ليست دستورية بل هي في بنية النظام الاستبدادي.
أمام كل هذا المشهد يحاول المبعوث الأممي أن يجد مخرجًا مع معرفته بأنه لا يوجد مخرج من هذه المعضلة لأن المجتمع الدولي غير متفق على الحل، ولهذا فإن الأمم المتحدة في أضعف حالاتها ولا تستطيع أن تفعل شيء فالاجتماعات ستستمر ودبيب النمل كذلك الى زمن طويل لأن ما يجري في الاجتماعات حول سورية نتيجة الخلاف العمودي والافقي وعدم وجود قاسم مشترك بين النظام والمعارضة وعدم فاعلية الامم المتحدة وقدرتها على التأثير يجعلنا نقول عن هذه الاجتماعات كلها من جنيف إلى اللجنة الدستورية مرورًا بكافة اللقاءات الأخرى أنها حوار الطرشان الذي يقوده أخرس. إلا إذا حدث شيئًا جديدًا على الأرض وتغير الموقف الأميركي وهو ما أرى أنه سيحدث لأن ما قبل سليماني لن يكون نفسه بعد قتله.