عبد التركي
الخلاف الروسي التركي مؤخراً في سورية تحول إلى خلاف تركي سوري مباشر بعد أن كانت الحرب تدار بالوكالة بين الطرفين. ما حدث قد يجر الى صدام مباشر بين الروس والإيرانيين والأتراك رغم أن الأتراك أعلنوا أنهم لا يردون إلا على السوريين الممثلين بالنظام ومن معه من ميليشيات. فماهي أسباب هذا الخلاف؟ وأين سيقف؟ وما الهدف منه؟
بالعودة لما حدث مؤخراً نجد أن الروس والنظام لم يبقوا اي وزن للاتفاقات الموقعة مع الأتراك والمعارضة السورية في أستانة وسوتشي هذه الاتفاقات التي تمت بين الدول الثلاث لترسم خطوط التماس المرتبطة بمصالح هذه الدول ولم يكن النظام والمعارضة السورية إلا كمحللين شرعيين لهذا الزواج بين أطراف مختلفة المصالح والتوجهات هذا إن لم نقل مختلفة العقيدة والعقائد. فهل وصلت هذه الاتفاقات إلى الموت أم أنها لاتزال في غرفة الإنعاش لعلنا نلاحظ هنا أن الأتراك مازالوا يتحدثون وهم في حيرة من أمرهم وارتباك واضح ولم يحسموا توجهاتهم بعد على الرغم من مشاركتهم بالقصف والقتال ضد النظام فعليا ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس أردوغان موت أستانة نرى أن وزير الخارجية يقول إنها قد أصابتها الجروح ولابد من معالجتها، فعن أي معالجة يتحدث؟ هل هي المعالجة العسكرية؟ وذلك بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وربما يكون هذا من الصعوبة بمكان إذ قد يجر إلى صدام أبعد من النظام وهو مالا يريده الأتراك ولا غيرهم كذلك ولن يكون في مصلحة أحد ولا نتائجه مضمونة لكل الأطراف لأن الصدام المباشر قد يستدعي تدخل أطراف دولية أخرى. أم المعالجة على الطريقة الروسية؟ التي تحدثت هي الأخرى عن هذه الاتفاقات ولكن بطريقة مختلفة عن الأتراك لأنها اعتبرت أن هناك واقعاً جديداً على الأرض ويجب إعادة النظر بهذه الاتفاقات، لا إعلان موتها ما يثبت للنظام ما حصل عليه منتظراً ما سيقوم به مستقبلاً وحسب الاستراتيجية التي انتهجها بدعم روسي وتخطيط مسبق وهي استراتيجية دبيب النمل التي تحدث عنها منذ زمن بعيد لافروف وانطلت على الأتراك ربما ليس عن عدم معرفة إنما نتيجة للثقة الزائدة والمفرطة بالروس. وحدهم الإيرانيون يبدون الغائب الأكبر، وبشكل واضح في هذه المرحلة ربما لأنهم بحاجة إلى ترميم جراحهم والحفاظ على مصالحهم مرحليا بموافقة الروس وعدم الحضور مباشرة في الصراع مع الأتراك كونهم لم يصحوا بعد من صدمة قتل سليماني.
أمام هذا المشهد وتداعياته يلاحظ أن الأتراك في مأزق، وخياراتهم أصبحت ضيقة وأحلاها مر بعد أن خسروا الكثير من مصالحهم ومن مصداقيتهم أمام السوريون والعالم ،وكذلك على المستوى الداخلي ، نتيجة لهذا التخبط وعدم اتخاذ قرار حاسم في هذه المعضلة التي تزداد يوما بعد يوم فالمشاكل مثل كرة الثلج أن لم تحل من البداية سيكون من الصعوبة بمكان حلها وهذا ماتواجهه تركيا اليوم وستكون الخاسر الأكبر في هذه الاتفاقات بعد الشعب السوري الذي يدفع الدماء معارضة وموالاة على مذبح المصالح الدولية والحسابات الضيقة لأمراء الحرب من بشار إلى الجولاني تلك الحسابات التي لم تنه سورية كدولة فحسب بل أنهت الشعب الذي ربما يحتاج إلى أجيال كثيرة ليعيد اللحمة والتي على الأغلب لن تعود .
لقد تأخر الأتراك كثيرا، فهل يستطيعون تغيير الواقع الآن؟ لا أعتقد ذلك ربما سيسود الحل الروسي حتى إشعار آخر لأن الفصائل لا تملك زمام المبادرة بسبب ارتهانها للمصالح الخارجية. كما أن الائتلاف الذي كان يقوم مع النظام بدور المحللين أو (المجحشين) باللهجة العامية لايزال يغرد خارج السرب في أماكن أخرى كاللجنة الدستورية وهيئة التفاوض اللتان لم تقدما للسوريين شيئاً أقل ما يمكن أن يقال عن ما يفعله هو المثل العامي الناس بالناس والقرعة تمشط بالرأس. ناقوس الخطر لا أعتقد أنه سيتوقف عن الدق طالما أن الأمور تدار بهذه الطريقة ومن قبل الجميع. ربما لن يتوقف الموضوع على إدلب وقد يشمل درع الفرات وغصن الزيتون بعيدا عن نبع السلام في اللحظة الراهنة.