عبد التركي
ما يجري في إدلب هذه الفترة يوحي بأن الأيام القادمة ستكون ساخنة وربما سينتهي شهر العسل التركي الروسي في ضوء التجاذبات الحاصلة بين الطرفين والاجتماعات التي لم تسفر عن أي تقارب في المواقف ويبدو أن عملية عض الأصابع مستمرة فيما بينهما ربما لن تصل إلى الصدام المباشر الذي يتحاشاه الطرفان ولكن التصعيد مازال مستمراً وخصوصاً من قبل النظام السوري المدعوم روسيّاً ولا يمكن أن يقدم على هذا العمل في إدلب لولا الدعم الروسي الجوي هذا على مستوى مواجهته مع الفصائل ونرى أنه قد تمادى كثيراً في مواجهته لتركيا حين اعتبرها محتلة على لسان مصدر في وزارة الخارجية بقوله:( إن الجمهورية العربية السورية تؤكد أن أي وجود للقوات التركية على أراضيها هو وجود غير مشروع، وخرق فاضح للقانون الدولي، وتحمل النظام التركي المسؤولية الكاملة، عن عواقب وجودها هذا). ما يعني أن روسيا تغض النظر عن هذا التمادي وقد ترجمه النظام فعلياً في تجاوزه لعدة نقاط مراقبة تركية تم عزلها ومحاصرتها والأخطر من كل هذا هو القصف الذي تعرضت له هذه النقاط ومقتل عدد من الجنود الأتراك ومحاولة الروس عبر قاعدة حميميم التبرير للنظام( بأن الجنود الأتراك قد قاموا بتحركات لم يكن الروس والنظام على علم بها وتم التعامل معها على أنها من الأهداف المعادية أي من الإرهابيين) مما استدعى رداً تركياً باستهداف قوات النظام
ثم اتى بعدها ادعاء الروس على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأربعاء الماضي محملين الأتراك المسؤولية :(إن تركيا لا تلتزم بالاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا “لتحييد” المتشددين في محافظة إدلب السورية، وإن الهجمات على القوات السورية والروسية مستمرة في المنطقة)
ومذكراً بأن الاتفاقيات الثنائية الروسية-التركية، تنص على (وجوب انسحاب المجموعات المتشددة وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب).وأضاف بيسكوف قائلاً: (أن موسكو لا تزال ملتزمة بالاتفاقيات مع أنقرة، لكنها تعتبر أن الهجمات في إدلب غير مقبولة وتتنافى مع الاتفاق مع أنقرة). في الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية التركي أن الاتفاقيات بين تركيا وروسيا ( قد أصابتها الجروح ولابد من معالجتها ).
ثم أتت تصريحات الرئيس أردوغان عندما طالب النظام بالانسحاب إلى خطوط ما قبل الهجوم الأخير والالتزام بخطوط خفض التصعيد وامهله حتى نهاية شباط وإلا سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادته إلى تلك المواقع.
ومن ثم التصعيد المباشر ضد روسيا وذلك عندما قال في أوكرانيا أن تركيا لن تعترف بضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم.
أمام هذا التوتر بين الطرفين لا أحد. يتوقع إلى أي مدى سيتطور الخلاف وماهي نتائجه خصوصاً أن الطرفان لا يزالان ثابتان على مواقفها مما يوحي بأن الأزمة ستتفاقم ولكن على الأغلب لن تصل إلى الصدام المباشر الروسي التركي لأن الطرفان لا يريدان اﻹنزلاق نحو المواجهة المباشرة وخصوصاً أن تركيا أعلمت روسيا بأنها لا تستهدف الروس بل النظام.
لماذا إذاً لا تقوم تركيا بالعمل مباشرة وتعطي النظام هذه المهلة أعتقد أن سببها هو فسح المجال أمام الدبلوماسية وإعطاء موسكو الفرصة لتقوم بمطالبته تركيا وتطلب من النظام التراجع ولكن يبدو أن موسكو لم ولن تفعل هذا حتى اﻵن وتراهن على قبول تركيا بما تطرحه من تعديل للاتفاقيات وهو مالا تقبله تركيا لأنها ستخسر كثيراً إذا تراجعت ولذلك فهي لاتزال تتصرف بهدوء لكي تستنفذ كل الطرق الدبلوماسية وبنفس الوقت تحضر الداخل والخارج من أجل احتمال الحرب ضد النظام وقد شاهدنا ذلك جلياً في تصريحات رئيس الحركة القومية عندما قال أنه يتوجب الذهاب وإخراج بشار من دمشق .
وعلى الصعيد الدولي بوضع أوربا المترددة والتي تعارض التدخل التركي أمام استحقاقات كبرى أهمها أنه في حال سيطرة النظام على إدلب فإن أوربا ستنتظر ملايين اللاجئين الجدد الذين لن تستطيع تركيا تحمل أعباءهم وحدها كما أنها تحضر حلف الناتو لما يمكن أن يحدث وهو ماحصل في اجتماع الحلف الخميس 13/2/2020 حيث أعلن وقوفه إلى جانب تركيا العضو في الحلف وطالب موسكو ودمشق بوقف مباشر لإطلاق النار.
أمام كل مايجري وكل هذا الشد والجذب بين الطرفين لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى الصدام وذلك لأن روسيا لا تريد تقويض العلاقة مع أنقرة لأن “الشراكة” بينهما مهمة للروس كخط. الغاز والمفاعل النووي ولاننسى صفقة اس 400، فما يجمع الروس مع الأتراك أكثر من الخلافات بينهما حول إدلب، وستعمل روسيا إلى تجنب انزلاق الوضع نحو مواجهة تركية واسعة مع النظام، لكنها في الوقت ذاته ستواصل دعم النظام. وستحاول تحقيق أي مكسب لصالحه ولكن إذا أصرت تركيا على مواقفها التي
بدونها ستخرج من المعادلة السورية فإن روسيا أمام هذا الإصرار ستجبر النظام على التراجع وتطبيق ما نصت عليه الاتفاقيات.
إن الوضع المعقد جداً والذي يجعل الأطراف تقف على حافة الهاوية يجعلني أعتقد أن من يستطيع الصمود أكثر ويتحمل عض الأصابع هو من سيفوز في النهاية فمن الذي سيحقق مطالبه؟ هذا ما سنعرفه نهاية شباط.