يتم تداول تسريبات وتكهنات عن مشاريع أميركية لتقسيم سورية، أو دعم بعض المشاريع الانفصالية على الساحة السورية، ومنها ما يسمى مشروع (روج آفا). ويبدو أن هناك الكثير مما يقال بهذا الشأن، خاصة وأن العديد من مراكز الأبحاث الأميركية، قد تحدثت عن ذلك مسبقًا، كما أن ال (ب ي د) تعمل بمساعدة الأميركان، على إنجاز ذلك إن استطاعت، ولعل عمليات درع الفرات، وكذلك التحرك التركي مع الجيش السوري الحر باتجاه عفرين ومن ثم عملية غصن الزيتون، قد ساهم في قطع الطريق عمليًا على إنجاز (روج آفا) على الأقل.
حول مسألة التقسيم كمشاريع خارجية مطروحة، طرحنا هذا السؤال على بعض الباحثين والكتاب
وهو إلى أي حد يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟ وما مآلات ذلك موضوعيًا؟
الكاتب عبد الباري عثمان قال لجيرون ” أنا ﻻ أرى غير مشروع أميركي واحد وهو تثبيت وجودهم العسكري في المنطقة من خلال بناء قاعدة أميركية لهم دائمة كقاعدة حميميم الروسية، للحفاظ على مصالحهم، وﻻ أرى للأميركان عدة مشاريع، قد يكون لأميركا عدة خطط لتنفيذ ما سبق ذكره، حيث هناك تفاهمات أميركية روسية وخاصة حول حدود دولة اسرائيل مع سورية كتجميد الحالة هناك كما هي اﻵن، حيث تطالب اسرائيل إبعاد القوات الإيرانية بعيدا عن خط الاشتباك إلى مسافة 40 كيلو متر، و طبعًا هذا يدعم الموقف الإيراني الذي يطمح لبناء قواعد في سورية طويلة الأمد”. وتحدث عن مشروع (روج آفا) بقوله” بخصوص (روج آفا) فهي ستكون في حوض الجزيرة والفرات تحت حماية أميركية حسب دراسة مركز راند الأميركي وبإدارة ذاتية متفق عليها مع قوات سورية الديمقراطية، والتي أسست من أجل إلغاء الصبغة القومية عن قوات حماية الشعب، وأنا أرى سورية غير قابلة للتقسيم في المدى البعيد، لكن بالواقع الحالي هي مقسمة حسب المصالح الدولية، وما الصراع الحاصل بين الدول الإقليمية وأميركا وروسيا إلا شعور بعض الدول الإقليمية بالغبن في حقها بسورية، لذلك تطمح إلى المزيد، وما شاهدناه في المؤتمر الصحفي بين شاويش اوغلو وتيلرسون يثبت ما أقوله وخاصة الطرح الذي طرحه الأتراك على الأميركان بانسحاب قوات سورية الديمقراطية من مدينة منبج ودخول قوات تركية أميركية إلى المدينة، وهذا يبين لب المشكلة أي أن منبج هي الهدف وليس عفرين” ثم قال وحسب رأيه “ﻻ يوجد حزب كوردي واحد يطالب بالانفصال عن سورية بل هم مصرون على الوحدة الوطنية والدولة الديمقراطية التي تضمن حقوق جميع مكوناتها”.
أما الباحث بيان الحجار فهو يرى أنه لابد من ” ملاحظة أنه لوكان هناك مشروع أميركي قيد التنفيذ بإقامة كيان كردي مستقل في المنطقة، لكانت أميركا دعمت نتيجة الاستفتاء الذي جرى في كردستان العراق تمهيدًا لذلك، خصوصًا أن هدفه هو انفصال الإقليم عن العراق ، وكان ذلك مناسبًا أكثر لأميركا، حتى تزعج إيران من نفس الباب، كما أن كثافة السكان الأكراد في مناطقهم العراقية والإيرانية تشجع على ذلك، وتعلم أميركا أن تركيا مستعدة لحرب إقليمية والذهاب بعيدًا للحيلولة دون قيام كيان كردي على طول حدودها مع سورية والعراق، الذي يطمح للوصول إلى البحر المتوسط، وتركيا مستعدة لتغيير خارطة التحالفات من أجل منع ذلك وبالقوة.” ورأى كذلك أنه ” ليس من مصلحة أميركا وأوروبا وحلف الاطلسي خسارة تركيا وذهابها باتجاه روسيا نهائيًا، وأعتقد أن الأميركان يديرون حربًا باردة مع الروس على الساحة السورية، كي يكون لهم كلمتهم الفاصلة في الحل السوري توازي الثقل الروسي، وصحيح أن أي كردي يحلم بدولة قومية لشعبه على أراض من سورية والعراق وإيران وتركيا، لكن الفاعلين منهم يدركون استحالة ذلك في المدى المنظور، ويكتفي المتشددون بتحقيق وضع محلي
خاص بهم، مضافًا إليه حرية التنقل بين أقاليمهم، لذلك فإن أنصار أوجلان يطرحون مفاهيم من قبيل اتحاد شعوب شرق المتوسط والأمة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي الذي يتيح لهم حكم ذاتي واسع الصلاحيات عابر للحدود السياسية، لذلك لا أعتقد أن أميركا وفي المدى المنظور معنية بتقسيم سورية، وإقامة كيان كردي مستقل، أما المستقبل البعيد فهو حمال إمكانات غير راهنة الآن”.
الكاتب والمعارض السوري مازن عدي أكد لجيرون ” رغم أن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة القرار الأكبر في مستقبل الوضع السوري، إذ لا يمكن أن يمرر أي مشروع إلا بموافقتها، لكنها ليست اللاعب الوحيد، خاصة أنها سمحت لإيران في الماضي أن ترمي بثقلها في التدخل بالوضع السوري لصالح سلطة الأسد، وتحقيق جانب من حلمها التوسعي وكذلك لروسيا أن تتورط أكثر فأكثر، بعد أن ظهر عجز الإيرانيين عن إنقاذ الأسد، وكلا الدولتين بالشراكة مع نظام الأسد تورطتا بأشنع الجرائم بحق الشعب السوري، وحق الانسانية وتطمحا لجني أكبر المكاسب، أما تركيا الدولة الإقليمية الجارة والتي لها أطول حدود مع سورية وتستقبل ٣.٥ مليون لاجئ، تعمل وفق مصالحها القومية بالدرجة الأولى، وتتدخل أيضًا في الوضع السوري لمنع إقامة كيان كردي حليف لحزب pkk خصمها اللدود في تركيا ” وأضاف عدي قائلًا ” قواعد الصراع على النفوذ والسيطرة بين الأطراف الدولية والإقليمية على الساحة السورية تغيرت، في مرحلة ما بعد داعش، وما بعد سوتشي، ومازالت غير مستقرة وما يطرح من مشاريع وسيناريوهات هي محاولات تكريس أمر واقع ، وبعض المشاريع التي يجري تسريبها يمكن استخدامه كأوراق ضغط، ولا أعتقد أن المشروع المذكور قابل للتحقيق، لأن للأميركان مصالحهم الاستراتيجية مع الدولة التركية، وهي أهم على المدى البعيد، من علاقتهم الوطيدة مع حزب (ب ي د) الذي يستخدمونه كأداة عسكرية تنفيذية لمشاريع سيطرتهم المباشرة على مناطق النفط والغاز وحماية قواعدهم العسكرية الجديدة”.
الكاتب والمعارض السوري عبد الباسط حمودة كان له رأي مختلف حيث قال ” لم تكن القوى الدولية المتنافسة قبل مئة عام، متعاطفة مع شعوبنا في مساعيها للتحرر، وإنما ركزت على مصالحها في ثروات المنطقة. ومن هنا شكلت مظالم شعوبنا الغطاء المناسب للقوى الكبرى في إعادة ترسيم الحدود وفقًا لمصالحها، ثم اكتشف الباحثون لاحقًا أن الأساس الموضوعي للتقسيم السايكس- بيكوي تمثل في ثروات المنطقة النفطية، مثلما كان توازن القوى الطائفي والديموغرافي داخل الدول الجديدة، وما حولها محددًا ومساندًا لهذه الخرائط، ومثلما تطلعت شعوب المشرق للخلاص والتحرر قبل قرن مضى، يتطلع الشعب السوري اليوم إلى حريته وأمنه الذي يُستباح من قبل نظامه الفاشي والوظيفي المجرم، وتبدو تداعيات وعقابيل الثورة في سورية راهنًا غطاءً مناسبًا لخريطة جديدة للمشرق العربي”. وأضاف حمودة بقوله ” ليست خرائط التقسيم المُحتمل للمشرق العربي مجرد مؤامرات تدبر بليل، وإنما توازنات قوى جديدة تعكس احتدام تنافس دولي على ثروات سوريتنا. وينزل ذلك السيناريو إلى أرض الواقع باستخدام حساسيات طائفية وتباينات جهوية، ظلت حاضرة وقائمة وكرستها الممارسات الفاشلة المستبدة للدولة في المشرق طيلة العقود الممتدة من سايكس- بيكو وحتى اليوم. إن الدرس المستفاد من حالتي العراق سابقًا وسورية راهنًا (مع وجود اختلافات بينهما) أن الدكتاتورية والفساد والنهب والغاء دور الشعب ومؤسساته المنتخبة وفق سيادة القانون وفصل السلطات، لا يمكن إلا أن تفضي إلى احتلال البلاد وفقدان السيادة الوطنية مهما طال الزمن”. وهو يرى أنه ” كما فشل الاحتلال الفرنسي بفرض التقسيم حينها، فسيفشل مشروع التقسيم الذي تروج له كل الاحتلالات القائمة والمعادية لثورتنا ولطموحات شعبنا. وكل ذلك مرهون بالإرادة الثورية والوعي الجاد بضرورة توحيد نسيج قوى الثورة الوطني المعارض، قدر الإمكان بانتظار تغير موازين القوى والدور العربي المفقود حاليًا والمناصر لإرادة شعبنا، خاصة دور مصر الغائب والمسلوب”.
المصدر: جيرون