وائل عصام
كل الأنباء التي تسربت من زيارة إسماعيل قاني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني لبغداد، تشير إلى أنها حث لحلفائه العراقيين من القوى الشيعية على العمل لمنع تمرير حكومة رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، إضافة لتركيز اجتماعات قاني على خطط طهران، لإبعاد الوجود العسكري الأمريكي عن العراق. مسألة الزرفي تعني الكثير بالنسبة لطهران، فالزرفي المنحدر من مدينة شيعية مقدسة كالنجف، يعتبر في نظر الإيرانيين شخصية سياسية تعبث بالحاضنة الشيعية في الجنوب العراقي، تلك الحاضنة التي اهتزت علاقتها كثيرا بالقوى الشيعية المقربة من إيران، بسبب المظاهرات العنيفة الأخيرة، ولا تريد طهران المزيد من الاختراق لها جنوب العراق.
العلاقة القوية للزرفي بالجانب الأمريكي، دفع الدوائر الشيعية المتحالفة مع طهران لنعته بالعمالة لواشنطن، وهذا ما يدلل لسبب التوتر منه، وبالنسبة لخصومه في القوى والأحزاب المرتبطة بالمنظومة الإيرانية، يعتبر مشروع ذراع أمريكية في العراق، منافسة للذراع الإيرانية في المنطقة، أي أنه محاولة أمريكية لترسيخ وجودها في العراق، ومنافسة الوجود الإيراني والهيمنة الإيرانية هناك وهو ما تخشاه طهران. فرئيس وزراء مقرب من الأمريكيين، أكثر من طهران، يعني تضرر الكثير من المصالح الإيرانية في الإقليم، وليس فقط في العراق، كما انه سيعمل على تقليص التدخل الإيراني في دهاليز الحكم العراقي، وإعاقة عمل «حكومة الظل العميق» الإيرانية المستندة أصلا إلى الميليشيات الشيعية وأحزابها المهيمنة على الحكومة، كما أن الأثر سيمتد إلى الجانب الاقتصادي، ما يعني خنق رئة إيران الاقتصادية، التي تعتمد على الحدود العراقية للتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية، وكل هذه العوامل وغيرها، تشعل المخاوف الإيرانية من وصول أي رئيس وزراء عراقي للسلطة، من دون أن يكون خاضعا لشبكة تحالفاتها في العراق، سيزيد الضغط على النظام الحاكم في طهران كما بغداد.
لهذا، شنت وكالة فارس المقربة من الحرس الثوري الإيراني، هجوما شديدا على الزرفي، متهمة إياه بالارتباط بأمريكا، والساعي لتشكيل حكومة معارضة لطهران والنظام السوري في العراق، ووجدت وكالة فارس ضالتها في وثائق لموقع ويكيليكس، سبق أن نشرت، ترصد علاقة الزرفي بأمريكا عندما كان محافظا للنجف، إذ تتحدث الوثائق عن أن الزرفي وخلال عمله محافظا للنجف عقد اجتماعات مع الأمريكيين، وتعهد لهم بنزع أسلحة الميليشيات الشيعية، وتشير الوكالة الايرانية إلى أن وثائق ويكيليكس تم تسريبها لوزارة الخارجية الأمريكية تحت رقم (09BAGHDAD1506_a) ، وتتحدث عن اجتماع للزرفي الأمريكي الجنسية والمتحدث باللغة الإنكليزية» بفريق إعادة الإعمار الأمريكي في 2009، إذ أكد الزرفي في هذا الاجتماع مع الأمريكيين على أنه «يهدف لمحاربة المخابرات الإيرانية والسورية في النجف، كما يريد تشكيل وحدة استخبارات منفصلة للعمل مع القوات الأمريكية»، كما قدّم الزرفي إلى الأمريكيين تفاصيل لقاءاته مع المرجع الشيعي السيستاني في النجف، واشتكى من نائب محافظ النجف الذي كان يصفه بالعمالة للأمريكيين، مستعرضا قصة تعرضه لهجوم في إحدى مسيرات التشييع، ثم يقول بأنه سيعيده إلى إيران. وبحسب ويكيليكس فإن الزرفي وصف جيش المهدي وفيلق بدر «بالحركات غير القانونية» المرتبطة بإيران، وإنه يتمنى أن يكون الصدريون مسالمون في النجف، «لكن بعضهم عنيف وينفذون هجمات».
وتبقى مسألة الزرفي تشكل تحديا بالنسبة للقوى الشيعية في العراق أيضا، كما لطهران، فالكتل الفائزة بالانتخابات، خصوصا الفتح، ترى أن ترشيح الزرفي مباشرة من قبل برهم صالح رئيس الجمهورية، بدون تكليف من الكتلة الأكبر، هو تجاوز على أحقيتها باختيار رئيس للوزراء، لذلك وجهت شخصيات من هذه الكتل انتقادات لبرهم صالح، وبدأت بالحديث عن ترشيح شخصيات أخرى لرئاسة الوزراء، والضغط على الزرفي للاعتذار، بدلا من إسقاط حكومته في البرلمان.
المصدر: القدس العربي