أحمد مظهر سعدو
لم يكن الهجوم بغاز السارين / الكيماوي على مدينة دوما في 7 / نيسان/ ابريل 2018، الذي نفذته ميليشيا بشار الأسد، وراح ضحيته أكثر من 75 مدني خارج السياق، أو المرة الوحيدة التي يقوم بها النظام السوري بعدوانه الكيماوي أو جل الأسلحة المحرمة دوليًا، على الشعب السوري والمدنيين، كما لم يكن الاعتداء على أهالي دوما وحيدًا، أو لمحض الصدفة، بل هي السياسة الممنهجة التي ما برح النظام السوري يمارسها، بين الفينة والأخرى، في سياق حربه المستمرة على السوريين، منذ أن حاول لَي الثورة السورية لتكون حربًا مسلحة، بعد أن انطلقت المظاهرات عبر الثورة السلمية المدنية.
ومنذ الهجوم الكيماوي بغاز السارين على الغوطة الشرقية ومعضمية الشام، يوم الأربعاء بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2013، والتي راح ضحيتها ما ينوف عن 1429 شخصًا بينهم 426 طفلاً. عندما استفاق أهالي (زملكا) و(المعضمية) على قصف بالكيماوي مصدره مدفعية النظام في جبل قاسيون، وسط ذهول العالم، لهول وحجم وآلية الجريمة الممارسة في مواجهة شعب سوري أعزل. فقد صمت العالم عن جرائمه، واكتفى باتفاق أميركي روسي أدى إلى استلام كميات محددة من الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا وتجريد النظام منها، كرمى لعيون إسرائيل، وليس من أجل حماية السوريين من استمرار آلة الدمار والقتل، التي طاولت الأرض والشجر والإنسان، وكل البنية التحتية، مما شجع النظام السوري على متابعة استخدام ما تبقى لديه من أسلحة للدمار الشامل، من الكيماوي وسواه. فكان الهجوم الآخر على خان شيخون في 4 نيسان/ ابريل 2017. الذي راح ضحيته ما يزيد عن 100 قتيل جلهم من الأطفال، ونحو 400 مصاب. وهو يؤكد استمرار النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية، مما يشكل انتهاكاً صارخاً وأكيدًا لقراري مجلس الأمن الدوليين رقم 2118 ورقم 2209.
لكن السؤال الذي يبقى قائمًا اليوم وفي هذه الذكرى الكيماوية، هل من الممكن أن يبقى المجرم طليقًا، وهل يعقل أن يظل النظام الأسدي الذي قام بكل هذه الأنواع من الهجوم بالكيماوي وغير الكيماوي. أن يبقى مفلتًا من العقاب؟ وإلى أي حد يمكن أن يعاد تأهيله؟ وكأنه لم يفعل شيئًا، وكأن كل هذه الجرائم لم تحصل. خاصة بعد أن أصبح قانون (قيصر) قاب قوسين أو أدنى من التطبيق الفعلي الأميركي، حيث تنظر الإدارة الأميركية حسب القانون المشار إليه إلى كل الذين يتعاونون مع النظام السوري، على أنهم مشاركين بجرائمه، ومن ثم لابد أن تطالهم تطبيقات القانون المصدق أميركيًا، وأن من يتعامل مع النظام السوري، سواء جاء من دول، أو منظمات أو هيئات دولية، أو إقليمية، أو شركات عابرة للقارات، على أن ذلك يساعد النظام على البقاء ويغطي كل جرائمه، وهو ما يتنافى مع كل الشرائع الدولية، والقوانين الإنسانية، واتفاقات الأمم المتحدة. وهو بهذا المعطى، يكون النظام، قد دخل في حالة البعد عن أن يبقى طليقًا، بل أكثر من ذلك، من الممكن أن يتعرض في المستقبل إلى مزيد من الضغوط، ومزيد من الحصار، والمساهمة في كبح جماحه التي جعلت منه ممارسًا للقتل بالكيماوي وغيره. علاوة على أن اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق بممارسات النظام وجرائمه الكيماوية قد أنجزت تقريرها وأصدرته يوم الأربعاء في 8 نيسان/ ابريل2020 وتشير المؤشرات الواردة في التقرير أن اللجنة تُحمِّل النظام السوري مسؤولية الهجوم بالكيماوي، ولم تعد مهمتها البحث بوجود اعتداء بالكيماوي من عدمه، حيث خُوِّلت بتحديد المسؤول عن الهجوم. وهو ما سيشكل محاصرة جدية للنظام، وبالتالي حشره في خانة المجرم، الذي لا يجوز أن يبقى طليقًا أو مفلتًا من العقاب على مر الأزمان والأيام.
ولعل إعادة فتح موضوع الكيماوي هذه الأيام، رغم الانشغال العالمي الكبير بجائحة الكورونا التي جعلت من العالم / القرية الواحدة، حيث لاهم له سوى الماهية الأساسية في البحث عن كيفية مواجهة الكورونا؟ .يشير وبوضوح إلى إدراك معولم بمدى خطر وجود النظام السوري في هذا الإقليم الجغرافي من العالم، ومدى الخطر الذي يمكن أن يحدثه بقاءه، أو الموافقة على أن يبقى المجرم طليقًا، كل هذا الزمن، وصولًا إلى مشاركة الشعب السوري همه وديدنه في مناهضة ومقاومة وجود وباءً قاتلًا بحجم وأداء النظام السوري، بحيث لم يعد من أحد في العالم لا يرى أن الوباء ومن ثم الجائحة التي انتشرت في كل أرجاء المعمورة، لا تقل فتكًا عما آلت إليه أحوال الحرق والفتك الذي مارسه الأسد عبر تسع سنوات خلت، من عمر انتفاضة وثورة الشعب السوري عليه، وآليات مواجهته القمعية للشعب، التي فاقت كل حد.
ولعل ذكرى الاعتداء بغاز السارين الكيماوي التي قام بها نظام الأسد، تعيدنا إلى أهمية طرح المقولة الأكثر إلحاحًا، والتي طاما طرحها الشعب السوري، وكل أصحاب الضمائر في العالم، من أنه هل يمكن أن يبقى هذا الكيماوي طليقًا ومفلتًا من العقاب وإلى متى؟ أما آن الأوان لإنجاز ذك التوافق الدولي الجدي الذي يعيد الحق لأصحابه، ويستجلب المجرم إلى قفص العدالة الإنسانية والدولية مخفورًا؟