أكرم عطوة
بسبب الحجر الصحي الوقائي، توقفت معظم التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات الشعبية الكبيرة التي كانت تتصاعد بشكل شبه يومي، في بعض الدول العربية، خاصة في العراق وفي لبنان، وقبلها في الجزائر والسودان، حيث وصلت إلى ذروتها في الأسابيع الأخيرة التي سبقت انتشار الوباء المسمى كارونا (كوفيد19) في المنطقة.
وحيث أنّ الدافع الأساسي لتلك التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات هو الغضب الشديد، حين تكشّف لهذه الجموع الفقيرة، الكثير من عمليات السرقة والنهب التي ترافقت مع فساد حكومي عام، خاصة حين علمت هذه الجموع أنّ كثيراً من المسؤولين يمتلكون المليارات من الدولارات المنهوبة من أموال القطاع العام.
وأصبح معلوماً للجميع أنّ الفساد المتلازم مع الاستبداد في معظم الدول العربية، جعل ثراء الأثرياء يزداد، وجعل بالمقابل فقر الفقراء يزداد.
ولم يجد المواطن العادي حلاً سوى التصدّي لهذا الفساد بالاعتصامات والاحتجاجات وتوجيه الاتهام إلى كافة من هم في السلطة وفي مواقع اتخاذ القرار من خلال عدة شعارات مثل الشعار الشهير للانتفاضة الشعبية اللبنانية “كلن يعني كلن”.
وكان من المفترض والمأمول لو استمرت هذه الاعتصامات وهذه الاحتجاجات، أن تسقط أنظمة تلك الدول (كما حصل في الجزائر والسودان)، أو على الأقل أن تقدم هذه الأنظمة لمواطنيها وعوداً حقيقية، بأنّها ستردّ إليهم بطريقة أو بأخرى أموالهم المسروقة، وأن يتم محاسبة كل من امتدت يده إلى المال العام.
الآن وبعد أن توقفت تلك الاعتصامات والاحتجاجات بسبب الحجر الوقائي، وأصبح المواطن مضطراً أن يبتعد عن التجمعات الكبيرة وأن يبقى في البيت معظم وقته، خوفاً من الإصابة وخوفا من الموت، وأيضا توقفت بسبب هذا الحجر معظم الأعمال التي يعمل فيها الفقراء والذين لا دخل لهم سوى الدخل اليومي أو الأسبوعي، مما جعل الفقراء يزدادون فقرا وتزداد معاناتهم، ومن المؤكد أنّه كلما طالت فترة الحجر كلما تفاقمت أزمة الغالبية الفقيرة من العامة، لأنّ الفقير أصبح أمام خيارين كلاهما مُرّ، فإما أن يخرج ليعمل (إن وجد عملا) مع احتمال إصابته بهذا الوباء، أو أن يبقى في بيته ليموت مع أسرته جوعاً.
أمام هكذا معاناة، وعلى فرض أن هذا الوباء استمر طويلاً، فإن القلة القليلة من الأسر الثرية، لديها من المال الذي يُمكّنها من الحصول على ما تحتاجه ولعدة سنوات، أما الأكثرية الفقيرة فسوف تحدث لها الأهوال والكوارث من مجاعات ومن معاناة لا يستطيع أحد التنبؤ ببشاعتها.
الآن سنفترض أنه وبعد فترة طويلة من معاناة الفقراء، قد توقف الوباء، أو تمت السيطرة عليه وإيقاف زحفه وانتشاره، حينها من المفترض أن يخرج الملايين من هؤلاء الفقراء إلى الشوارع والساحات، يحملون جوعهم وأوجاعهم وحرمانهم ومعاناتهم، وستهبّ عاصفةٌ شعبيةٌ من الغضب، لا تُبقي ولا تَذر.