د- عبد الناصر سكرية
لا يبدو في أفق السياسة اللبنانية أي مسعىً لأي حل من أية جهة رسمية. وعدا عن فسادهم ودناءتهم؛ فقد برع أطراف سلطة المحاصصة الطائفية والمذهبية في خداع الناس أيضًا. وإمعانًا في تسلطهم على مقدرات البلاد وإصرارا على نهجهم الفاسد، وبعد أن كانوا يعتمدون لعبة الوعود الكاذبة والتخدير المموه العابر؛ ها هم يلجؤون مؤخرًا إلى تضليل من نوع جديد.. فيطرحون أنفسهم بوصفهم حكم ومعارضة أو موالاة ومعارضة..وذلك تعبير عن تمسكهم بكل نهجهم الفاسد السابق مغطى بلعبة المعارضة.. يريدون بلعبتهم هذه الإيحاء ببراءتهم جميعا أولا وبأنهم ديمقراطيون ثانيا وتنصلهم من أية مسؤولية عما حصل ويحصل في لبنان؛ ثالثا…
منذ انتفاضة ١٧ تشرين وهم يستمرئون لعبة استحمار الناس وإستغبائهم.. فقد كشفت الانتفاضة لعبتهم السابقة المفضلة واسقطتها وتجاوزتها إلى مشروع وطني يجمع كل اللبنانيين المتحررين من هيمنة السلطة وفسادها..
كانت لعبتهم القديمة تعتمد على التجييش الطائفي والمذهبي لتمرير صفقاتهم المشبوهة ومحاصصاتهم الفاسدة ولما سقطت هذه اللعبة عبر انتفاضة اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق والمذاهب؛ لجأوا إلى لعبة المعارضة والموالاة الغبية المكشوفة..
يهدفون من ورائها الخداع والتنصل من المسؤولية لا بل ” تجهيل الفاعل ” تمهيدا لتكريس ما فعلوه وضمان حصولهم على امتيازاتهم ذاتها دون أي تعديل بعد أن يكونوا أنسوا الناس ما سرقوه ويسرقوه من أموالهم..
ثم إنهم راحوا يتمادون في الكذب والمخادعة واستحمار الناس حينما راح كل طرف منهم يدعي أنه شريك في صنع الانتفاضة او التعبير عنها وتجسيدها. وقد بلغت ذروة هذه المخادعة حينما ادعت الحكومة منذ تشكيلها أنها أتت تجسيدًا لتطلعات اللبنانيين ومطالبهم كما عبروا عنها في الانتفاضة..
وها هي (حتى الآن) تعاكس مطالب اللبنانيين وتناقضها في إصرار عجيب على الكذب والخداع.. وحينما تتبرأ الحكومة الحالية من الصفقات والسرقات السابقة عليها دون أن تتخذ أي إجراء إصلاحي او تأديبي أو حتى ضرائبي على أي من الأطراف المتهمة والمعروفة بالأسماء والتواريخ والأرقام؛ ودون أن تفكر مجرد تفكير بشيء من هذا؛ فإنها تثبت أنها شريكة لهم؛ وزيادة أنها تحاول تمرير صفقاتهم وتكريسها مع ما يتيسر لها من صفقات جديدة كما في صفقة سد بسري وبواخر الفيول وحفريات الغاز والنفط وغيرها مما لا نعلمه.
الأمر الآخر المكمل للعبة الخداع والإستحمار يتمثل في القيام ببعض الحركات الاستعراضية التي تتعلق بالشكل دون الاقتراب من مضمون المشكلات الحقيقي. حتى أن الاعتماد على بعض الإجراءات الإدارية لتكوين رصيد شعبي للحكم والحكومة؛ إنما هو إصرار على الخداع. ويبقى الهدف الأساس تمرير الصفقات وتغطيتها وتجاوز الحديث عنها..
لبنان الوطن في طور الانهيار التام والاحتضار. ليست هذه مبالغة او تخويفا لكنها الوقائع تدل على ذلك.. الديون بالمليارات والفوائد عليها بالمليارات أيضا. الاقتصاد مشلول. البطالة مرتفعة جدا. الليرة تنهار والغلاء يستفحل مما يجعل نسبة لا تقل عن نصف اللبنانيين ليست لديها أية موارد للحياة غير إعانات الإعاشة المهينة والعابرة جدا..
كثيرة هي الإجراءات التي تستطيع السلطة اتخاذها بشكل عاجل وملح من شأنها تخفيف حدة الأزمة ومعاناة اللبنانيين. الحد الأدنى الأدنى منها استعادة المرافق والمرافئ العامة الاساسية التي تؤمن دخلا كبيرا للدولة. كمرفأ بيروت وسواه والمطار والجمارك والمعابر الحدودية.. وعوضا عن المباشرة الفورية بهذه الإجراءات؛ راحت السلطة تناور وتكذب وتستحمر للانقضاض على مدخرات اللبنانيين وودائعهم في المصارف.
لا شيء يشي بأية رغبة حكومية بمعالجة أية قضية حياتية أساسية.. كل هم السلطة حاليا هو كيفية تشريع الاستيلاء على الودائع او إيجاد المخرج الأنسب والأقل ضجيجا ووضوحا..
وحينما رفعت الانتفاضة شعارها الواحد: ” كلن يعني كلن ” كانت تصف الواقع الأليم كما هو: جميع أطراف السلطة فاسدون وشركاء في نهب الوطن والمواطنين وتدمير مؤسسات الدولة بعد تفريغها من كل مقوماتها ومواردها.
جميعهم شركاء سواء من كانوا في الحكومة السابقة أو من يسيرون الحكومة الحاضرة علانية أو من وراء ستار.
جميعهم شركاء في تدمير الدولة وانهيار الوطن عن سابق معرفة وإصرار وترصد وتصميم..
المسمون موالاة او المسمون اليوم معارضة..
جميعهم شركاء وعلى رأسهم من يتصدر السلطة اليوم ويتباهى بإعلان ولاءاته الخارجية..
ما يجري في لبنان يستدعي أقصى الحذر الشعبي والنقابي والتحرك الجدي السريع لفرض حلول إنقاذية على سلطة الفساد والتبعية والإستحمار..
مطلوب تحرك نقابي فوري للنقابات المهنية الحرة وطليعتها نقابة المحامين لفرض حلول إنقاذية وإلا فالانهيار سيشهد تصاعدا في الجرائم واستباحة للمجتمع وانهيارا للقيم ومجاعات حقيقية خطيرة لن تسد الإعاشات فيها رمقا.
وكثير من الإعلام اللبناني شريك في الخداع والإستحمار وتمرير لعبة أطراف السلطة.لا بديل عن انتفاضة أوسع وأكبر وأكثر فعالية وتحديدًا للأهداف.