بسام شلبي
القصة التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية والتي كان بطلها النجم الألماني من أصول تركية “مسعود اوزيل” تطرح الكثير من الأسئلة العميقة. وملخصها أن نجم نادي أرسنل الانجليزي رفض أن يتنازل عن نسبة ١٢.٥ بالمائة من راتبه بشكل طوعي نظرًا للظروف التي فرضها عصر كورونا.
وفاضت وسائل التواصل بسيل من التعليقات والانتقادات أبدت حجم العنصرية الكامنة في المجتمع الانجليزي ومعظم المجتمعات البشرية على سطح المعمورة عرتها الأزمة الاخيرة..
وهذا هو السؤال الأول أو المسألة الأولى ، و لكن وجهة نظر أوزيل تطرح السؤال الثاني فهو يقول: بأن النادي عندما كان يكسب الملايين من وراء جهود اللاعبين لم يتقاسمها معهم او يمنحهم شيئا غير المنصوص في عقودهم، فلماذا الآن على اللاعبين تحمل الخسائر معه؟
و إذا كان أوزيل بما له من قوة رمزية كونه نجم مشهور وقوة قانونية محصنة بشروط وعقود وبلاد فيها أطر قانونية واضحة.. فإن هذا لم يكن متاحًا لملايين العمال والفنيين وحتى المهندسين.. في دول العالم المتخلف اللذين خصمت من أجورهم ورواتبهم نسب أعلى من ذلك او تم الاستغناء عنهم او منحهم إجازات غير مأجورة بشكل إجباري.. ولم يكن لهم الخيرة او حرية الاعتراض.. رغم ان جهودهم وعرقهم هو من بنى امبراطوريات المال والاعمال.. ولم تمنحهم شركاتهم شيئا عندما كانت الأرباح تتدفق الى خزائن رأس المال وأصحابه دون تعب.. وعندما جاءت الأزمة كان عليهم التضحية او يكونون الضحية..
السؤال الثالث: كم راتب الكادح أوزيل المسكين ليرفض التنازل عن اي شيء.. طبعا عندما نعلم ان راتبه فقط ٣٥٠ ألف جنيه استرليني في الاسبوع أي تعادل نصف مليون دولار في الاسبوع ربما نعذره، والسؤال هو ليس كم راتبه؟ بل السؤال: لماذا يكون الراتب الشهري للاعب كرة أكثر من مليوني دولار أي يزيد عن رواتب مستشفى كامل في لندن بكل كوادره وربما يزيد عن مجموع رواتب اطباء بلد إفريقي بكامل عددهم وعدتهم رغم ما يؤدونه من جهد لخدمة الإنسانية التي كانت أبرز الغائبين في عصر طغى فيها رأس المال المنفلت من أي عقال والذي خلف اختلالات غير منطقية.. ونحن لم ننس بعد آثار الأزمة المالية الكبرى عام ٢٠٠٨ التي كشفت الرواتب والعمولات الخيالية لمدراء البنوك والمحافظ المالية التي كانت خارجة عن اي منطق..
في بداية الستينات علق توفيق الحكيم على حادثة منح النادي الاهلي أحد نجومه في ذلك الزمان راتبا اعتبره خياليا اذ كان يعادل ثلاثة أضعاف راتب دكتور في الجامعة فقال: لقد انتهى عصر القلم وابتدأ عصر القدم. فهل علينا اليوم أن نفرض نحن الشعوب الكادحة والمتعلمين والأكاديميين.. إنهاء عصر القدم قبل بدء عصر الندم.