جميل قدري
هذه أحداث حقيقية حدثت معي في عام 1980 وقد تم تغيير الأسماء للضرورة فقط.
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلاً؛ عندما بدأ قلبي بالانقباض كسائر أفراد العائلة، حيث أخذت أمي بالتساؤل برعب: هل سيأتون هذه الليلة؟ .. كعادتهم في منتصف الليل يدقون الباب كالوحوش ويدهم على جرس الباب، آه من صوت ذلك الجرس اللعين كم أكره صوته عندما يدق ولا يتوقف، حيث أعرف أن عناصر المخابرات ستتدفق إلى بيتنا كالبغال بمجرد أن نفتح الباب. قلت لأمي: إن شاء الله لن يأتوا، فقد كانوا هنا منذ يومين عندما جاؤوا يسألون عن أخي كمال، وقبلها بأيام ثلاثة كانوا للسؤال عن أخي جمال. ولتغيير مجرى الحديث، قام والدي بتشغيل التلفاز (وكان عرض آنذاك مسرحية “المتزوجون” المصرية لسمير غانم) وها هي الضحكات تنطلق من مشاهدي المسرحية، لكن بالتأكيد حتى ابتسامة لم تصدر عن أمي التي كانت تنظر إلى الساعة لحظة بعد أخرى، ويدها تمسك بحجابها الذي اعتادت أن تلبسه بسرعة الريح قبل أن دخول الوحوش إلى بيتنا. ومضت ساعتان .. وفجأة دق جرس الباب اللعين كالعادة في مثل هذا الوقت بلا توقف، يصاحبه طرق عنيف على الباب باليد وركل بالأقدام .. ارتعدت أمي وصاحت جاؤوا! واندفع أخي سعيد ليفتح الباب، وخلال ثانية واحدة كان بيتنا مليء بوحوش المخابرات السورية بكامل عتادهم، وكأنهم على خط الجبهة الأول. انطلقوا يفتشون البيت زاوية زاوية، في حين كنا أنا وأمي وأبي، وأخي سعيد وأختي الصغيرة ذات الخمسة أعوام؛ نقف بجانب الجدار ممنوعين من الحركة. وبعد دقيقة كأنها سنة؛ سألوا أبي: أين جميل؟ سقط قلبي بين قدمي من هول المفاجأة بالرغم أنني قد شهدت خلال الشهور الماضية أكثر من 20 مداهمة ليلية لبيتنا كان السؤال فيها عن أخوتي كمال وجمال، لكن الوضع هذه المرة مختلف فالسؤال عني أنا!
كنت أبلغ من العمر آنذاك 11 عاماً، نعم يا سادتي أحد عشر عاماً، وها أنا ذا أكتبها كتابة ورقماً حتى لا تظنوا أن في الأمر خطأ مطبعي. أعاد الوغد السؤال ثانية وهو يصرخ: “ولك قل لي أين جميل؟”، فأشار أبي إلي بإصبعه وقال لهم: هذا جميل ماذا تريدون منه، إنه طفل صغير. ونظر الضابط إليّ مصدوماً حائراً وابتعد عنا خطوات باتجاه المطبخ، وأخرج جهاز اللاسلكي واتصل برئيسه قائلاً: سيدي جميل هذا ولد صغير!! وجاءه الجواب مباشرة: عندما قلت لك أحضر جميل لم أقل لك جميل ولد كبير أو ولد صغير، قلت لك أحضر جميل “يالله جيبو بسرعة”.
كان الحوار مسموعاً واضحاً، فبدا أبي يتوسل إلى الضابط ويرجوه أن يأخذه بدلاً عني، إلا أن الضابط دفعه جانباً وتقدم باتجاهي قائلاً: “البس برجلك وامشِ معي، يالله بسرعة تحرك”. عاد أبي يتوسل وأمي تبكي وتصيح، إلا أن الضابط قال لهم وهو يظن أنه يطمئنهم: “لا تخافوا رح يروح معنا 5 دقائق وبنرجعو لعندكم”، ناسياً هذا الوغد أن الصغير والكبير في بلدنا أصبح يعرف خمس دقائقهم تلك التي لا تنتهي أبداً.
لم يسمحوا لي بتغيير ملابس النوم بنطلون البيجاما وفوقه فانيلا صيفية، فقط سمحوا لي بلبس “شحاطة” بلاستيكية، انظروا إلى هذا الكرم. ونزلت معهم إلى السيارة بلها السيارت، والدهشة تعقد لساني وعيوني تلتفت في كل الاتجاهات. وبدأ عناصر المداهمة بالتجمع حول السيارات، وانطلقت إشارات مصابيح بطارياتهم ترسل إشارات خاصة إلى سطح عمارتنا تشير لمن فوقها بالنزول، فقد انتهت الحرب، عفواً المهمة. كان عددهم كبيراً جداً، كانوا منتشرين في كل مكان، فهم قد جاؤوا للقبض على “الزعيم الأوحد” (هذا ما قاله صديق ابن عمي، حيث قال له: كنت ماراً في منتصف الليل في حارتكم ووجدت المخابرات في كل مكان وعلى أسطح 3 عمارات، و4 سيارات، والوضع غير طبيعي. فقلت في نفسي: إنهم سيقبضون على “الزعيم الأوحد”، فرد عليه ابن عمي: نعم .. نعم لقد قبضوا فعلاً على الزعيم الأوحد، وهو ابن عمي جميل ابن الأحد عشر عاماً).
اندست العناصر داخل سياراتهم ووضعوني في سيارة “بيجو ستيشن 504” والتي مجرد رؤيتها لأي سوري تزيد من دقات قلبه، جلس في المقعد الأمامي رئيسهم وبجواره السائق. وحشروني بين وغدين على اليمين واليسار في المقعد الأوسط، بينما جلس 3 عناصر في الستيشن وبابها مفتوح وهم يمسكون برشاشاتهم (هذا التوصيف لمن لا يعرف المخابرات السورية، أما من رآهم فهو يعرف كيف يجلسون ويتجولون في أرجاء المدينة). أما السيارات الثلاثة الأخرى فقد كانت عبارة عن بيك آب (شاحنة صغيرة) جلس فيه اثنان بجانب السائق وواحد في الصندوق الخلفي والسيارة الثالثة من نوع “رنج روفر” إحدى أشهر سيارات المخابرات، وكانت مليئة، حيث تتسع لـ 10 عناصر، وخلفنا كانت تسير السيارة الرابعة، وهي سيارة “جيمس” لـ 12 عنصر أيضاً. وتحرك الموكب ومعه “الزعيم الأوحد” الذي دوخ البلاد والعباد، والذي احتاج لـ 4 سيارات مليئة بـ 33 عنصر للقبض عليه.
وانطلقت السيارات تهوي باتجاه مبنى المخابرات العسكرية في حلب، وفي الطريق انطلق صوت لاسلكي الضابط طالباً منه المرور بمنطقة شارع العزيزية لإحضار ضحية أخرى، وانعطف الموكب وتكررت العملية أمام ناظري، وتدافع الوحوش إلى الأسطح والعمارات، وعادوا برجل معصوب العينين وأدخلوه سيارة البيجو ليرموه بجانبي. ومضى الموكب إلى فرع المخابرات العسكرية في السريان، وحال وصولنا أخذني رئيس المداهمة إلى ضابط كبير، وبدأ يسألني عن أهلي وعن إخوتي جمال وكمال وأين هم الآن، وأنا أجيبه: لا أعرف .. ضاق بي ذرعاً، وبعد قليل رن هاتف بجانبه، ومن ثم ضغط جرساً بجانبه ليأتي عنصر طلب منه أن يأخذني لـ “المعلم”، وانطلق بي عبر سلالم حتى وصلنا إلى جناح فاخر، طرق على الباب وأدخلني، شعرت برجفة اجتاحت عظامي، فقد كان المكتب مكيفاً بارداً وأنا بملابس النوم. تمالكت نفسي، دارت عيناي في أرجاء المكتب، كان واسعاً جداً، طويلاً جداً يجلس في صدره رجل ضخم أصلع أمامه مكتب ضخم وبجانبه أكثر من 10 تلفونات، أما المفاجأة الكبرى فقد كانت لوحة ضخمة فوق رأسه مكتوب عليها آية قرآنية كريمة: “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” يا للمهزلة، صدقوا أو لا تصدقوا، فوق رأس هذا المعلم – الذي علمت فيما بعد أنه (..) مصطفى التاجر الذي يعرف جميع الحلبيين ظلمه، وفيما بعد كثير من السوريين والعرب بعد ترؤسه فرع فلسطين – فوق رأسه آية قرآنية كريمة عن الحكم بالعدل!
أعاد عليّ التاجر كل الأسئلة السابقة، وأجبته بأني لا أعرف شيئاً، فعلاً أنا لا أعرف شيئاً، وماذا يعرف طفل في الحادية عشر من عمره إلا اللعب والمدرسة؟ لم يعجبه جوابي، فقال لرجل يجلس عنده في المكتب: يبدو أن هذا الولد يحب أن يجرب الدولاب. ونظر إليّ، ولمّا لم يبد عليّ التأثر، أدرك بذكائه الخارق أنني لا أعرف حتى ما هو الدولاب، فأردف قائلاً: “شوف ولك كلب يا بتحكي كل شي بتعرفوا يا بقول للعناصر يعلقوك بالفلق ساعتين”. وهنا بدأت أبكي، فالآن عرفت ماذا يقصد، فالفلق وسيلة تعليمية رائجة في مدرستنا، وأغلب الطلاب يعرفون طعمها بمن فيهم أنا. بدأت أصيح: “يا عمو والله ما بعرف شي ولا بعرف وين إخوتي .. يا عمو الله يخليك، والله ما عملت شي”. وبدا له أنني فعلاً لا أعرف شيئاً، فرن جرساً بجانبه، وقال للحرس: خذوه.
أخذوني وأدخلوني إلى الزنزانة الجماعية، كانت مزدحمة بعدد كبير جداً من الرجال، الجميع يجلس وقدميه تحته حتى يفسح المجال، وسط الغرفة مليء أيضاً. لا تزيد مساحتها عن 4×3 أمتار؛ تحوي أكثر من 50 رجلاً، كما عددتهم فيما بعد.
بقيت فيها 5 أيام، كانت كألف ليلة وليلة بالنسبة لي، من حيث الزمن كانت ألف ليلة، ومن حيث المشاهدات والغرائب كانت كقصة ألف ليلة وليلة الشهيرة. كان فيها طالب الطب الذي كان يدرس في تركيا وعاد متخرجاً ليستقبل من المطار إلى الزنزانة، المشكلة تشابه أسماء .. المدة التي قضاها حتى سماعي قصته شهرين! فيها المهندسون والطلاب وشباب سوريون دفعهم الحماس للتطوع في لبنان ووجدوا أنفسهم في قبضة المخابرات السورية. كان معنا شخص إيراني أذكر أنني صعقت لرؤية قدمه اليسرى وقد حفرت بتأثير الضرب عليها، حتى بانت عظام القدم والقيح يفيض منها، كان منظراً مؤلماً. كل واحد فيهم كان له قصة أكثر غرابة من أخيه.
أول ما رموني في الجماعية حاول السجناء أن يخففوا عني والسؤال عن سبب وجودي، ولكن سرعان ما فُتحت طاقة صغيرة من الباب الحديدي؛ ليزمجر سجان متوحش: “ممنوع حدا يحكي مع الولد، وإذا شفت حدا بيحكي معو رح أطالعو لعندي” .. وبدأ بذكر سباب لم أسمع له مثيلاً. كان هذا التهديد كافياً ليرعبهم ويجلسهم صامتين، ويبدو أن الخروج إلى عند ذلك المتوحش يعني الكثير، وهذا ما عرفته فيما بعد.
أذكر قصة لواحد من هؤلاء المساكين، كان يقف على المخبز يتزاحم مع الناس عله يفوز بشراء كيلوغرام من الخبز، ذلك الخبز الذي جعل حافظ الأسد شراءه بعد الساعة 9 صباحاً حلماً .. كان يقف ذلك الرجل، وإذا بعنصر مخابرات يقف خلفه ويلمح في جيب هذا المسكين محفظته، فمد هذا العنصر يده سارقاً المحفظة، وانتبه صاحبها، وبدأ يصيح: حرامي حرامي، إلا أن ذاك العنصر كان حاضر الشيطان – عفواً البديهة – فأفصح عن هويته قائلاً: “ولك يا حرامي بدك تسرق رجل أمن”؟ وبلحظات انقلب الحق إلى باطل، وأصبح المسروق سارقاً، ولم يكتف ذاك العنصر بذلك، بل صاح بالمسروق: “قدامي عالفرع يا حرامي يا ابن ..”. وساق المسكين إلى الفرع، وتناوب هو ورفاقه على ضرب ذاك المسكين حتى أنهم – وأذكر ذاك جيداً – قشروا جزءاً من جلد ظهره على آلتهم الجهنمية “بساط الريح”، والأسوأ من ذلك أنهم سجلوا اسم الرجل في دفتر التفقد اليومي بـ “الحرامي”، فكان الرجل يقول حاضر سيدي عندما ينادى على الحرامي.
وقصة أخرى لعجوز يبلغ من العمر 75 عاماً، وكان يشبه جدي، حين دخل السجان “مين منكم ما راح عالحمام؟”، فرفع العجوز إصبعه دون أن يقف على قدميه، فجن جنون السجان، وصاح: “بترفع إصبعك دون أن تقف يا ابن ال ..”، وانهال عليه ضرباً، “ما بدك توقف على رجليك يا .. أنا بعرف شلون أخليك تقف على رجليك”.
أما ما لا أنساه أبداً، فهو صراخ تلك المرأة في منتصف الليلة الثانية لقدومي وهي تستغيث من شدة التعذيب، وتقول لجلادها: “ما عندك أم، ما عندك أخت، منشان الله”، وما يزيد ذلك اللئيم إلا أن ينهال عليها ضرباً وشتماً وسباً. لا أنسى تلك الصرخات التي تدوي في رأسي مستغيثة، وما من أحد يملك أن يساعدها إلا الله.
في اليوم الثالث طلبوا مني، وبما أنني صغير السن ولا أقدّر الأمور ولا أعرف الأشخاص، طلبوا مني أن أقوم بالمساعدة بتوزيع الطعام على زنازين المهجع الذي كان يضم حوالي 20 زنزانة انفرادية وواحدة جماعية.
كنت أساعد سجيناً آخر يقوم بمهمة توزيع الطعام، ويبدو أن لهذا السجين واسطة قوية ليقوم بأعمال السخرة من تنظيف للحمامات وتوزيع للطعام، لكن بعد انتهاء مهامه يعود إلى زنزانته ليقفل الحرس عليه الباب، يطلق عليه في السجون السورية عادة لقب “الخزمجي”. الطعام عبارة عن برغل منقوع ولا أظنه مطبوخاً من شكله وطعمه. بدأنا بالتوزيع، أنا أحمل الصحون والخزمجي يدق الباب ويفتح الشباك مناولاً الصحن للسجين، وعند الزنزانة رقم 8 فتحت نافذتها، فإذا بوجه امرأة يطل منها، فقالت للخزمجي: “أرجوك بنتي بدها تروح الحمام”، فهمس قائلاً: “منشان الله بسرعة وبدون صوت أحسن ما أتبهدل”. وفتح لها الباب، فإذا بفتاة تبلغ من العمر حوالي 15 عاماً تقف خلف أمها، يا إلهي كان منظراً لا ينسى، أم وابنتها في زنزانة انفرادية! انطلقت الفتاة بسرعة، وبقينا نحن ننتظرها، وحين عادت أغلق الخزمجي عليهما الباب، وتابعنا توزيع الطعام إلى الزنزانة رقم 9، وكانت امرأة أيضاً، لكن هذه المرة كان وقع المفاجأة أكبر، فهذا الوجه وجه خالة أم وليد، جارتنا في العمارة المجاورة لنا، إلا أن وقع المفاجأة كان أكبر عليها لتراني في السجن، قالت لي: جميل ماذا تفعل هنا؟ ما لذي أتى بك إلى هنا؟ فسرت فيني موجة من البكاء والخزمجي يتوسل لي: “منشان الله اسكت أحسن ما يجي جاسم ويعذبنا”، قلت لها: “خالة أم وليد الله يخليك خلصيني من هون”. طلبت من الخزمجي أن يفتح لها الباب لتراني وتتكلم معي للحظات، قالت لي: “والله يا ابني عذبوني عذاب شديد بنص الليل يا ابني هادول ما بخافوا الله، خلعوا كل ملابسي وتركوني عارية وهم يضربونني بالكابلات، ربطوا أسلاك الكهرباء بكاحلي انظر إلى أقدامي” (كانتا مليئتين بالبقع البنية بسبب حروق الكهرباء) تابعت قائلة والخزمجي يرجوها أن تسرع لزنزانتها .. قالت لي: “صحت بالسجان واستنجدت به وذكرته بأن له أختاً وأما، إلا أنه سب أمه وأخته وأمي ولم يستثنِ أحداً”. قلت في نفسي: إذاً كانت تلك الأصوات في الليلة الماضية أصوات واستغاثات خالة أم وليد التي طلبت مني قبل أن يدخلها الخزمجي إلى زنزانتها أن اخبر زوجها أبو وليد عن مكان وجودها، حيث أنهم أخذوها في منتصف الليل دون أن يدري أحد إلى أين.
اختنق صوتي وأنا أنظر إليها فأرى صورة أمي فيها، والتي كان إحساسها لا يخطئ في توقع قدوم المخابرات، والتي سقطت مغشياً عليها – كما علمت بعد خروجي – عندما بدأ أهلي يسألون عن مكان وجودي، ونجحت إحدى الوساطات في إخبارهم أنني موجود في فرع المخابرات العسكرية السريان، وعند وصول أهلي عند الحرس، قالت لهم أمي: أريد أن أرى ابني الصغير جميل، فرد عليها وغد منهم ببرودة أعصاب: “مين ابنك إن شاء الله هذا الولد الصغير اللي جابوه من 4 أيام؟”، فقالت أمي وقد تهلهل وجهها: نعم إنه هو، فتابع الخنزير كلامه: لقد أعدموه البارحة فقط. فسقطت أمي مغشياً عليها على درجات فرع المخابرات.
في اليوم الخامس وبعد اتصالات مضنية قام بها والدي، جاء الجلاد منادياً عليّ فقمت مسرعاً، فأخذني إلى غرفة الضابط المسؤول حيث قال لي: “الآن رح نطلعك، بس إذا بتحكي لحدا شو شفت أو سمعت ترى بجيبك لهون وما بتطلع مرة ثانية فهمت ولك ..”.
قال لأحد العناصر: خذه وأوصله إلى بيته، وأخذني ذلك العنصر إلى غرفة ثانية وقال لي: “اجلس كمان شوي بتجي السيارة بوصلك”، وتأخرت السيارة، ونظرت إليه فقال لي: “بتعرف تروح لحالك؟ قلت له: نعم”، والحقيقة أنني لا أعرف أين أنا ولا كيف أصل لبيتنا، إلا أنني أريد أن أخرج من عندهم وبعدها “الله بيفرجها”.
مد يده في جيبه وأخرج ليرة سورية أعطاني، إياها وقال لي “اركب بالباص وروح على بيتكم”، أخذني من يدي حتى أوصلني إلى آخر نقطة حراسة في الفرع، وبعدها انطلقت راكضاً أبحث عن شارع تزدحم فيه السيارات فيكون شارعاً رئيسياً يقودني إلى بيتنا، وسألت أول رجل قابلته في الشارع: كيف أصل إلى منطقة السبيل؟ فقال لي بعيدة من هنا وتحتاج ركوب باصين.
ركبت الباص الأول فالثاني حتى وصلت حارتنا، كانت الساعة حوالي التاسعة مساء، ركضت إلى البيت حيث كان الجميع في بيتنا يواسي أمي المفجوعة بولدها، وكان لقاء، وكانت لحظات فرح سرعان ما تبددت عندما اقتربت عقارب الساعة من أن تتعانق عند الثانية عشرة ليلاً حينها نظرت إليّ أمي، وقالت: هل سيأتون الليلة؟ ولم أستطع أن أنفي لها قدومهم، فقد أخطأت قبل 5 أيام عندما أكدت لها عدم زيارتهم!
المصدر: الحوار المتمدن