أحمد مظهر سعدو
في لقاء الأديب أسامة الحويج العمر قبل أن يهاجر بأيام وفي جلسة ودية جمعتني به مع لفيف من الأصدقاء. كان فيه الأديب أسامة عازماً على الرحيل، مصمماً على الهجرة إلى هناك حيث الأمل والعمل. في رحاب الأميركان وبلاد العم سام، ففـي جلستنا تلك أكد القاص أسامة أن الوطن ما زال معلق بين جوانحه، وأن الهجرة ليست ملاذاً نهائياً، بل لحظة وبرزخ بين هذا وذاك. لأن الوطن بالنسبة له حضناً دافئاً ومعاشاً متواصلاً، وأرضاً ومعطى إنسانياً.. وعندما تتخلخل حلقات السلسلة هذه يحدث المواء باتجاه هجرة ما، ورحيل آخر.. وفي حوارنا معه.. حوار المودة والأخوة والصداقة، تناولنا ذؤابات الحديث الأدبي الثقافي حيناً، والسياسي حيناً آخر، الوطني والقومي أحياناً أخرى. لم تكن جلستنا جلسة وداع بل فحواها إلى لقاء آخر في وطننا الذي يحضننا، وفي ربى امتداد عروبي لا ضير أنه يجمع الجميع، ويحتضن كل ما هـب ودب من قيم ولا قيم، أنسنة ولا أنسنة، صحافة وكتابة، ثقافة وتثاقف، وإلى آخر ما هنالك من ثنائيات باتت ملاذاً غير آمن أو آخر ليس بآخر.
القاص المبدع أسامة.. تركنا وهاجر إلى هناك حيث (الديمقراطية المتوخاة) والحرية – الكذبة، وتمثالها الشامخ عسفاً باتجاه دحر حريات الشعوب الأخرى. ذهب أسامة ظاناً أنه سينعم بحياة ذات رفاهية مفرطة.. وانبلاجة صبح ديمقراطي مختلف، لكنه سرعان ما سيكتشف أن الأمل كان واهياً، والحلم بات سراباً، والأخضر بات متراجعـاً، بأزمة مالية عصفت وتعصف بكل شيء.
غادرنا مودعاً إلـى هناك، وغادرناه غير مودعين إلى هنـا حيث الوطـن المسجى، والأمل الذي لا ينضب، والعشق الأبدي لأرض وناس سيبقون أبد الدهر يحلمون حتى لا حلم. ويطمحون حتى لا طموح، ويأملون حتى انقطاع الأمل. نعود لناس في وطن ما برح يلفنا جميعاً بألوان مختلفة، وماهيات بدون ماهية، وقوس قزح متعدد الأطياف لكنه متماسك الرؤى، ومندمج العناوين. ولكنا أبداً لن ننسى هذا الأديب الصديق أسامة الحويج العمر الذي هاجر وترك وراءه إرثاً أدبياً وإنسانياً لن يغادر مطرحه مدى العمر بل مدى الدهر.
المصدر: ديوان العرب
تاريخ النشر 6 تشرين ثاني 2008