عدنان ابو عامر
فيما يترقب الفلسطينيون الاستعدادات الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية النقاب عن لقاء تطبيعي جمع عدداً من قادة المستوطنين بشخصيات فلسطينية، بمشاركة رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية يوسي داغان، أبو خليل التميمي مون رام الله، ومحمد مساد من جنين، وسارة الزعبي من داخل فلسطين المحتلة.
اللقاء الذي يجري تنظيمه للعام الثاني على التوالي، يتم عبر قنوات غير رسمية، تشارك فيه هذه الفئة من الفلسطينيين بثوب الزعامات المحلية والعشائرية، وترتبط بعلاقات مع زعماء إسرائيليين، ويتبنون مواقف مناهضة للسياسة الرسمية الفلسطينية، مقابل دعمهم للرؤية الإسرائيلية للحل النهائي الذي يستند في جوهره على إنهاء الصراع.
تخلل اللقاء الحديث عما وصفوه “الآثار الإيجابية” لمشروع الضم الإسرائيلي، ومزاعم استفادة الفلسطينيين منه، وفق مزاعمهم، والبحث عن حلول اقتصادية واجتماعية لوقف ما يزعمون أنه “عمليات عنيفة” مناهضة لمشروع الضم، مما يشير إلى نية إسرائيل لتهيئة الشارع الفلسطيني للقبول به.
صناعة قيادات مُطبعة..
“عربي بوست” حاول إجراء لقاء مع المشاركين بهذه اللقاءات، دون جدوى، وفضلوا عدم التصريح لوسائل الإعلام، عما تضمنته لقاءاتهم مع الإسرائيليين.
بروز هذه الفئة من الفلسطينيين ليس وليد الصدفة، بل تعود جذورهم لسبعينيات القرن الماضي المعروفة بروابط القرى، حيث دأبت إسرائيل على صناعة قيادات فلسطينية على مقاسها، تتبنى سياستها مقابل امتيازات مالية وتجارية، وتوفير حماية أمنية غير مباشرة، خشية تعرضهم لأي استهداف من المقاومة الفلسطينية.
تيسير نصرالله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، التي يقودها الرئيس محمود عباس، قال لموقع “عربي بوست” إن “أي لقاءات مع الجانب الإسرائيلي عبر اجتماعات عمل مهمتها الترويج للدعاية الإسرائيلية والاستيطانية، مرفوضة بالنسبة لنا، وهذه الفئة من المطبعين لا يمثلون أو يتحدثون باسم الشارع الفلسطيني، أو شريحة منه، لذلك كل ما يصدر عن هذه اللقاءات، لن يكون له تأثير على الأرض”.
لا يحملون برنامجاً سياسياً.. فقط التطبيع
لا يحمل هؤلاء المجتمعون برنامجاً سياسياً واضحاً للوضع الداخلي الفلسطيني، والعلاقات مع إسرائيل، ويقتصر دورهم على تغيير نظرة الشارع للعلاقات مع إسرائيل للقبول بمبدأ العيش المشترك، خصوصاً بعد مشاركة عدد منهم في مؤتمر المنامة منتصف 2019، كممثلين عن القطاع الخاص، رغم وجود قرار رسمي من السلطة الفلسطينية برفض المشاركة في المؤتمر.
نائلة خليل، مراسلة صحفية، قالت لموقع “عربي بوست” إن “هذه اللقاءات يتم عقدها بين فينة وأخرى، وفي مناطق بعيدة عن المدن الفلسطينية، خاصة غربي القدس ومجالس المستوطنات، ولا يتم الإعلان عن برامجها، أو المشاركين فيها، وهم يتسترون بثوب شخصيات، وزعامات عشائرية، ورجال أعمال، دون أن يمتلكوا صفة رسمية من وزارة الداخلية والقضاء والغرفة التجارية”.
يرتبط هؤلاء الفلسطينيون بعلاقات وثيقة بالسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، ويتبنون خطاً سياسياً يتعارض مع الموقف الرسمي والفصائلي والشعبي، ويدعمون بقوة مشروع ضم إسرائيل للضفة الغربية.
أما محمد مساد، أحد هؤلاء الذين شاركوا في اللقاء الأخير، قدم في الأيام الأخيرة التماساً للمحكمة الإسرائيلية، يطالب إسرائيل بعدم تحويل أجور العمال الفلسطينيين فيها عبر السلطة الفلسطينية، كونها لا تحظى بشرعية تمثيلهم، وإيجاد آلية أخرى عبر إنشاء صندوق مالي تديره إسرائيل.
مساد، يقود مشروع (الأفق الأخضر)، وتعود أصوله لمدينة جنين شمال الضفة الغربية، وهو هارب من السلطة الفلسطينية لمدينة حيفا، وصاحب كتاب “الإسلام والخطر”.
إقرار مشروع الضم
من جانبه يقول علاء الريماوي خبير الشئون الإسرائيلية بالضفة الغربية، لموقع “عربي بوست” إن “ظهور مثل هذه اللقاءات في هذا التوقيت قبل إقرار مشروع الضم يأتي منسجماً مع رغبة إسرائيل بإظهار صورة مختلفة أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي، ومفادها أن هناك أصواتاً معتدلة تدعم الرؤية الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بصفقة القرن، لكن مدى نجاح هذا المخطط يبدو مستحيلاً بسبب افتقاد المطبعين لقاعدة سياسية أو شعبية تدعم رؤيتهم”.
تأخذ اللقاءات التطبيعية بين الفلسطينيين والإسرائيليين عدة مستويات، أولها التي تجري في أعلى الهرم السياسي بين رئيس السلطة ووزرائه، وثانيها لقاءات المستوى التنفيذي، التي تأخذ طابعاً مدنياً لتنسيق الأعمال التجارية والأمنية، وثالثها لقاءات غير رسمية بين شخصيات فلسطينية وإسرائيلية عبر موائد الطعام، أو الندوات، والورش المباشرة، أو من خلال الإنترنت.
خليل شاهين، رئيس قسم الأبحاث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات_ مسارات، قال لموقع “عربي بوست” إن “إسرائيل تسعى لإظهار هذه الفئة كقادة محتملين يمكن أن تعول عليهم في تنفيذ مخططاتها داخل الضفة الغربية، وهذا يأتي ضمن سيناريوهات يشرف عليها جهاز الأمن العام الإسرائيلي- الشاباك، الذي يتوقع أن تفقد السلطة الفلسطينية السيطرة على الأرض، لذلك هي تحاول أن تخلق هذا النوع من القيادة الشعبية على مقاسها”.
وأضاف أن “من ضمن الجهود الإسرائيلية لدعم هذه الفئة محاولة التحضير لمعركة الخلافة ما بعد الرئيس محمود عباس، وهذا أمر لا تستبعده إسرائيل، لأن حجم التنافس داخل حركة فتح قد يؤدي إلى فوضى أمنية وسياسية، لا تحتملها إسرائيل، لذلك فهي تسعى لتهيئة الرأي العام الفلسطيني لقبول هذه الفئة”.
سبق للشخصيات الفلسطينية التي تبنت توجهات تطبيعية أن أطلقت في مايو/أيار 2019، حزب “الإصلاح والتنمية”، ومن أهدافه التعاون مع الإسرائيليين، وإدانة ما وصفه “الإرهاب”، والحوار مع المؤسّسات الإسرائيليّة.
وتكوّنت الهيئة التأسيسيّة للحزب من: أشرف الجعبري، خضر الجعبري، عيسى علان، خلدون الحسيني، شرف غانم، ونصر التميمي، وبعد ساعات على إعلانه، حذرت فتح من التعاطي مع الحزب، وتعهّدت بمحاسبة منظّميه والمشاركين فيه، لأنّهم خارجون عن الصفّ الوطنيّ، ويتساوقون مع إسرائيل.
وسبق لأشرف الجعبري، أحد الذين يلتقون دائماً بشخصيات إسرائيلية، أن دعا للعيش بسلام مع اليهود، والقبول بفرض إسرائيل لسيادتها على الضفّة الغربية.
كما شارك الجعبري والتميمي في 2018، في مؤتمر بالقدس لمناقشة السيطرة الإسرائيليّة على الضفّة، وحضره الوزراء الإسرائيليّون: زئيف ألكين وتسيفي حوتوبيلي وأوري أريئيل.
يأتي الاهتمام الإسرائيلي بإظهار هذه الفئة من المطبعين منسجماً مع ما جاء في صفقة القرن، التي أشارت بوضوح إلى ضرورة خلق جيل جديد من القادة الفلسطينيين، يتبنون مواقف براغماتية، بعيدة عن المواقف التي يتبناها القادة التقليديون للفصائل والسلطة الفلسطينية.
المصدر: عربي بوست