أحمد مظهر سعدو
الموعد يقترب كثيرًا، ويومين اثنين فقط هو كل ما تبقى للبدء في تنفيذ وتطبيق ما سمي بقانون قيصر أو سيزر، حيث من المفترض أن يضيق الخناق أكثر وأكثر، على عنق النظام السوري المجرم، بعد أن ضاق المجتمع الدولي به ذرعًا، ومع اقتراب تطبيق قانون قيصر، راحت ترتعد فرائص النظام السوري، الغارق في دماء السوريين، وفي وحل الذل والعار الذي سيركبه ومن معه إلى أبد الآبدين، جراء ما اقترفت يداه من قتل وتدمير في كل الجغرافيا السورية. حتى أضحت سورية خرابًا يحتاج إلى ما يزيد عن 450 مليار دولار تكاليف إعادة الاعمار، بعد أن قام هذا النظام ومن وقف معه من روس وإيرانيين وسواهم، في تدمير البنية التحتية السورية، وقتل ما ينوف عن مليون إنسان سوري، واعتقال أكثر من 400 ألف، وتهجير ما يزيد عن نصف الشعب السوري، بين تهجير قسري داخلي أو خارجي.
ستكون المسألة السورية على موعد مع استحقاق جديد، بحيث يكون 17 حزيران/يونيو 2020 تاريخًا له ما قبله وله ما بعده. فمنذ توقيع قانون “قيصر” من قبل الرئيس الأميركي في 19 كانون الأول/ ديسمبر2019 الفائت”. بعد أن صدّق الكونغرس الأميركي عليه في 11 كانون أول ديسمبر/ الماضي، والجميع من سوريين ودول إقليمية وعالمية تنتظر أن يدخل حيّز التطبيق بعد أيام. ويبدو أن اقتراب حبل المشنقة من عنق النظام عبره، إضافة إلى عوامل أخرى مرتبطة بالفساد والنهب، والخلافات البنيوية داخل تركيبة النظام، علاوة على أوضاع ونتائج الحرب التي مارسها النظام ضد شعبه، كل ذلك ساهم في الإسراع بمزيد من الانهيارات الاقتصادية، حيث وصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلى ما يزيد عن 3500 ثم تراجع قليلًا، وهذه المرة الأولى التي يبلغ سعر الصرف هذا المبلغ ما يعادل 45 ضعفاً عن سعر الصرف عام 2011.
ولعل ما تؤكده بعض المصادر من «أن حركة الأسواق أصيبت بالشلل بعد الارتفاع الذي شهده الدولار، وأن الكثير من المحال التجارية أغلقت بسبب ارتفاع أسعار البضائع مقارنة بسعرها بالدولار». وهذا التجاوز الكبير لعتبة غير مسبوقة، مع اقتراب تطبيق واشنطن لـ«قانون قيصر» الأميركي الذي يفرض عقوبات صارمة على النظام بات حقيقة.
وهذا الانهيار السريع بقيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ومن ثم الارتفاع الجنوني في الأسعار، فاقم الأزمة المعيشية، إضافة إلى تفجُّر أزمة الدواء والماء. وهو ما حرك الشارع في غير مكان من سورية أهمها ما يجري في السويداء.
الباحثون في الشأن الاقتصادي السوري أشاروا إلى أن رحلة انهيار الليرة السورية بدأت مع اندلاع الثورة الشعبية في آذار/ مارس 2011، بعدما كانت قد “حافظت الليرة على سعر بين 45 و50 مقابل الدولار بين 2000 ونهاية 2010. ثم وصل إلى نحو 640 عام 2016، ومن ثم إلى 683 في سبتمبر (أيلول) 2019. وزاد التدهور مع تواصل الأزمة الاقتصادية في لبنان، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ حيث وصل بداية العام إلى نحو 1200. وفاقم الوضع فيروس «كورونا»، في مارس (آذار) الماضي، والخلاف في مايو (أيار) الفائت بين النظام السوري ورجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، ليصل في حينها التراجع إلى 1800.”
يضاف إلى ذلك التأثير الكبير قبل أيام معدودة على أوضاع الأدوية فقد لوحظ إغلاق كثير من الصيدليات في العاصمة والأحياء المحيطة، بينما تشهد الأخرى ازدحاماً بالمواطنين لشراء الدواء خوفاً من الانقطاع. ويكشف تجار أدوية وأصحاب شركات توزيع أنه إضافةً للأسباب السابقة لتفجُّر أزمة الدواء، يتحمل «حزب الله» اللبناني مسؤولية كبيرة فيها. ويؤكد أحد المعنيين أن «تجاراً لبنانيين، برفقة (قادة عسكريين) من الحزب، أجروا كثيراً من صفقات شراء الأدوية السورية من مراكز أدوية في المناطق الحدودية، وحتى داخل مدينة دمشق».
الواقع المعيشي للسوريين منذ سنوات في تدهور مستمر، حيث أكدت دراسات اقتصادية أن أكثر من 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع تضاعف الأسعار ما بين 40 و60 ضعفاً منذ 2011، وبقاء الحد الأعلى للمرتبات الشهرية للموظفين في القطاعات الحكومية على حالها عند 50 ألف ليرة سورية (أقل من 25 دولاراً).
علاوة على أزمة المواد الغذائية الضرورية لحياة البشر، فإنتاج القمح في سورية قبل 2011 قد وصل إلى 4 ملايين طن في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، في وقت قدَّر فيه تقرير أممي إنتاج العام الماضي بنحو 1.2 مليون طن، وسط معلومات عن أن الحكومة تسلمت منه نحو 500 ألف طن فقط.
قانون قيصر المزمع تطبيقه أثر ولسوف يؤثر أكثر على حيوات الناس السوريين في كل الجغرافيا السورية، وليس على النظام فقط، ويبدو أن اللعب الدولي مازال يراهن على رضوخ النظام السوري لبعض المطالب الأميركية، حسب جيفري، فقد عزا المبعوث الأميركي لسورية جيمس جيفري انهيار قيمة العملة السورية إلى الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، وكشف أن بلاده قدمت لرئيس النظام بشار الأسد عرضًا للخروج من هذه الأزمة. وقال جيفري في تصريحاته “إن انهيار الليرة السورية دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام، مضيفًا أن النظام لم يعد بدوره قادرًا على تبييض الأموال في المصارف اللبنانية التي تعاني هي أيضًا من أزمة.”
ويبقى لسان الحال السوريين يقول هل سيؤدي قانون قيصر إلى انهيار النظام الاجرامي، أو قبوله بالانتقال السياسي عبر ضغط دولي يبدو أنه جديًا هذه المرة؟ أم أن المسألة مازالت في البازارات الدولية، دون الأخذ بنظر الاعتبار حال السوريين المتضررين من سلطة الأسد، واليوم من تطبيق سيزر؟! وهل سيكون انهيار الليرة السورية بمثابة (أول الرقص حنجلة)؟
المصدر: صحيفة إشراق