محمد العبد الله
العقوبات الأميركية قاسية بطبيعتها. لا مجال فيها للسخرية أو العنتريات التي تطلقها حكومة النظام السوري على مرأى ومسمع شعبها شبه الجائع. التوتر السياسي والاقتصادي الذي تشهده سوريا طبيعي ومتوقع، فالعقوبات المزمعة التطبيق ستكون الأقسى والأبعد مدىً وتأثيراً. ستطاول الحكومة السورية بمصرفها المركزي، قطاع النفط، إضافة للقطاع العسكري، لا سيما سلاح الجو. لكنها ستطاول أيضاً حلفاء النظام، أو أي من تسول له نفسه (حكومات أو أفراد) خرق العقوبات ودعم النظام السوري اقتصادياً أو عسكرياً.
الجو العام في الإدارة الأميركية اليوم يركز على “تكثيف” استخدام العقوبات بشكل عام. عقوبات على إيران وعلى حزب الله وعلى الصين وفنزويلا وسوريا وغيرها. التوجه الأميركي في تشدد عام في هذا الإطار. جوبهت رسالة الدول الثماني المُعاقبة أميركياً للأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بتخفيف العقوبات مع بدء انتشار جائحة كورونا برفض أميركي قاطع. ردت وزارة الخزانة الأميركية بنشر ملخص عن “الاستثناءات الإنسانية والطبية” التي تتيحها أنظمة العقوبات هذه لتقطع أي طريق على مجرد طرح فكرة تخفيف العقوبات. العقوبات تروق الرئيس ترامب شخصياً. لا تكلفه الكثير، يملك فيها سلطة استنسابية كبيرة، حصادها الانتخابي (لا سيما عقوبات إيران والصين) ممتاز للرئيس الذي يمر في إحدى أكبر أزماته منذ تولي سدة الرئاسة.
لا يملك حلفاء النظام السوري أي حلول عملية، لا سيما أن الدولتين تخضعان لعقوبات أميركية مباشرة. ففيما تستمر روسيا وإيران بالسباق في ما بينهما لتقاسم ما بقي من مناطق نفوذ أو ثروات طبيعية سورية، سرعت روسيا تسليم طائرات “ميغ 29” للنظام السوري قبل بدء العقوبات الأميركية، وبدأت إيران عقد استكشاف البترول وإنتاجه في البلوك رقم (12) في منطقة البوكمال.
حكومة الأسد لا تملك بدورها، أي حلول بعيدة عن الهراء المعتاد الذي تترأسه مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، والتي سبق أن أعلنت أن الاقتصاد السوري أصبح أفضل ب50 مرة مما كان عليه قبل عام 2011. تصريح شعبان الأخير بضرورة “الصمود والتصدي” لقانون قيصر يقدم فكرة واضحة عن خطة الحكومة السورية تجاه العقوبات المزمعة.
لا تنظر دمشق في “صمودها وتصديها” لقانون قيصر وتبعاته الى حلول للضائقة الاقتصادية والمعيشية التي ألمت بالمواطنين والتي ستساهم بشكل مباشر بضعف قدرتهم الشرائية. الاهتمام الوحيد كان دائماً وسيبقى المحافظة على السلطة والنظام وعلى المصالح الاقتصادية للعائلة، على الأغلب عبر الانخراط في أنشطة مشبوهة للالتفاف على العقوبات وتهريب الأموال.
وعلى الرغم من التصريحات الأميركية العلنية بأن الهدف من العقوبات ليس تغيير النظام وإنما الضغط على النظام لتغيير سلوكه والعودة لطاولة المفاوضات، فإن العقوبات القادمة تهدد وجود النظام أكثر من أي وقت مضى. النظام السوري اليوم ربما في أسوأ ورطة قد يواجهها منذ انطلاق ثورة الشعب السوري في آذار/مارس 2011. حالة التململ الشعبية العامة، وحالة الرفض والاستهجان الكبيرين في صفوف موالي النظام خاصة باتت أكثر وضوحاً، وأطلقت شرارة جديدة للتظاهرات في السويداء جنوب سوريا، مع كل ما سببه رامي مخلوف ومقاطعه المصورة من ضرر مباشر لشخص الأسد ولماهية “الصمود والتصدي” التي يرتب لها النظام السوري، كلها مجتمعة مع انهيار الليرة السورية السريع حتى قبل بدء سريان العقوبات الأميركية الجديدة، تقدم للمرة الأولى صورة واضحة عن هشاشة النظام من الداخل.
يحمل قانون قيصر في طياته مطالب أميركية واضحة يتوجب البدء في تنفيذها لإيقاف أو تخفيف العقوبات. تركز هذه المطالب في معظمها على حماية المدنيين وحقوق الإنسان (إطلاق سراح المعتقلين، وقف استهداف المشافي والمدارس، وقف استخدام سلاح الجو من قبل الطائرات السورية والروسية لقصف المدنيين، السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة)، وصولاً إلى العودة لطاولة المفاوضات وفق قرار مجلس الأمن 2254.
الضغوط الروسية على النظام للقبول ببعض التنازلات والبدء بنقاش بعض الملفات المطروحة، لا سيما ملف المعتقلين السياسيين، قد تكون إحدى نقاط المناورة الوحيدة التي يملكها النظام الآن، لكنها ليست سهلة على الإطلاق. فمع إشتداد الضائقة الاقتصادية في سوريا وتسارع انهيار العملة وارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير (الذي أنتج تغيير رئيس الوزراء واستجلب موجة سخرية كبيرة حتى بين موالي النظام) أصبح النظام في سباق مع الليرة المنهارة، مع تخبط كبير وشائعات حول رفض شخصيات في النظام السوري الأوامر من الجانب الروسي الذي يقود المفاوضات مع الجانب الأميركي، والذي بدوره لا يبدو على عجلة من أمره في نقاش موضوع تخفيف العقوبات في أي وقت قريب.
تنفيذ المطالب أعلاه أو جزء منها، أمر لا يمكن أن يتحمل نظام “الصمود والتصدي” كلفته السياسية داخلياً. والبقاء على الوضع الحالي قد يفجر الوضع في سوريا وفي أوساط الموالين للنظام، بدعم أو تحريض غير مباشرين من رامي مخلوف. العقوبات القادمة قد تحمل مفاجآت للجميع؛ للسوريين حول هشاشة النظام المنتصر عسكرياً، وللأميركيين كونها العقوبات الأميركية الأولى التي قد تؤتي ثمارها بالفعل.
المصدر: المدن