محمد سعدو
انصافًا أكثر للمشهد المصري في ذكرى ٣٠ حزيران/ يونيو التي كانت وبرأي الكثيرين حراكًا شعبيًا واضح المعالم، حصل بدون أدنى شك، وبكل تأكيد، قبل أن يُختطف ويُستولى عليه من السيسي وعصابته، الطامعة بالسلطة، أو فلول مبارك، التي ظلت تشتغل بكل ما تستطيع، لتعود ولو بشكل غير مباشر إلى الحكم في مصر، وبالتالي استطاعت أن تخترق صفوف هذا الحراك الشعبي السلمي، الذي خرج رافضًا النسخة الإخوانية، التي لا تقل رداءة عن شبيهتها الأكثر سوءً وسخفًا وقمعًا بنسخة (سيساوية) مريضة متسلطة، مازالت متحكمة إلى الآن بمصير الشعب المصري، ووضعه الاقتصادي والمعيشي، لا بل الاستراتيجي الآيل للانهيار.
والتي بدورها أفسدت ما كان يتطلع إليه المواطن المصري لتصليح الأمور ، وإعادة إنتاج انتخابات رئاسية جديدة من رحم الثورة مجددًا بشخصية شعبية أكثر ذكاءً، تتوافق عليها الجماهير وتستطيع أن تقود المرحلة بشكل أفضل وتنشل المصريين من حالة الارتهان والعبث لأجندات ودول وفشل اقتصادي وسياسي وسيطرة ممنهجة على كافة مراكز اتخاذ القرار والسلطة والحكومة في مصر، لمن كانوا يتبعون محمد بديع ومكتب الإرشاد ومن يغزل في سلتهم، من منطق استقصائي فردي يريد أن يستلم كل شيء، متناسين كل القوى والحركات والتجمعات السياسية الشعبية الثورية الحرة التي قامت معهم في ثورة ٢٥ يناير يدًا بيد لإسقاط رأس الأفعى الأول مبارك وتحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية الناظمة، لتنفيذ مشروع الثورة، حول تحقيق مبادئ التشاركية بالقرار وإدارة البلد من جميع الأطراف وانغماس كل الثوار الحقيقيين والشعب في ساحة واحدة لبناء الوطن بالشكل الذي يضمن عدم تكرار ممارسات الأنظمة الديكتاتورية التي قام الشعب العربي ضدها وضحى بأرواح غالية وعزيزة، وأنبت أزهار الربيع العربي الذي غير السيناريو العربي وأسقط عروش الطواغيت .
لكن وبكل أسف فهم أرادوا الانفراد والتعامل مع الأمور بالشكل الذي يناسبهم عبر سياسة اعتادوا على السير فيها، قد تحقق رغباتهم ومصالحهم.. مما جعل الأمر أكثر خطورة ومن ثم عودة الناس إلى الشوارع لتصرخ مجددًا وبحرية وتعبر عن رفضها للحال المؤسف وخيبة الأمل في وجه الرئيس المنتخب فعلًا لمنصب قد لا يكون أهلاً لحمل هذه المسؤولية والنجاح بها على النحو الصحيح وقيادة جمهورية مصر العربية إلى بر الأمان. ولكن ظل متمسكًا معاندًا رحمه الله بقوله ” إنه الرئيس الشرعي حسب تعبيره. وهذه الشرعية التي سقطت حقًا بنزول أصحابها ومن أعطاه إياها إلى الميدان وانذاره بانتهائها.
وكان من المفترض أنه من قبل ذلك يجب أن يصغي لمطالبات الشعب والقوى الوطنية المصرية من جبهة إنقاذ شكلت حينها أو تكتلات أخرى طالبته بالحوار أو بالاستقالة بعد ذلك عندما انتهت الحلول الممكنة.. وإعادة الانتخابات والرضوخ لباقي المكونات والأحزاب والأفراد الثورية الشريكة معه في الوطن.
ولم يكن كذلك. مما استدعى للتخطيط الخبيث لرجالات تابعة للنظام السابق وبعض ضباط الجيش المصري المنتمين لهم والطامحين في الجلوس على سدة عرش حكم البلاد لبدء الاستيلاء جديًا على هذا الحراك عبر فرصة سنحت لهم بكل بساطة بالانخراط داخل صفوف المتظاهرين ومحورة الحدث بما يحقق مسارهم في العودة، والانقلاب فعلاً ليس على محمد مرسي كشخص، أو على جماعته حصرًا ولكن على الثورة بكاملها التي وضعتهم بالسجون وأوجعتهم وبدأت بمحاسبتهم وافجعتهم لسقوط نظام كان قد نهب بلاد الكنانة ٣٠ عامًا مضت.
ولتأتي المؤسسة العسكرية بثقلها وتدخل في المشهد وتجبره على الرحيل بانقلاب لا شك فيه على 25 يناير تحديدًا وتعتقله وتعتقل أيضًا فيما بعد كل من كان يعمل كي تنجح مخرجات الثورة المصرية، وكل الذين كانوا الأبطال الحقيقيين ممن ساهموا في إسقاط مبارك وفلوله. الذين نجحوا وبجدارة في الالتفاف والانقضاض على أحلام المصريين في الحياة الحرة الكريمة وضياع الثورة وإغراقها من قبل مرتزقة لا يفقهون العمل السياسي، خربوا كل شيء وفضلوا المصلحة الشخصية على مصلحة القضية والوطن.
ثم كان الذي كان ليأتي الشخص الأسوأ والأكثر قمعًا وإجرامًا ودموية، الضابط العسكري المتخلف فكريًا وسياسيًا، المريض الذي يسعى لامتلاك البلاد بنزعة فاشستية هي الأكثر قساوة وبطشًا في تاريخ الدولة المصرية وبلاد النيل. الرجل الأردأ المسمى ” بلحة ” والتي أرادته أميركا واسرائيل لهذه المرحلة بالذات، كي تستطيع أن تمرر صفقة القرن “صفقة العار والهوان ” وصفقات عديدة على الأمة في ظل انبطاح وعمالة هي الأقذر تاريخيًا والأكثر إيلامًا.
كانت انقلابًا وهي لم تكن كذلك بالأصل أو لم يرد بها هكذا، بالعودة إلى أن جمود وتحجر عقلية بعض الأطراف الايدولوجية البرغماتية، التي تحسب نفسها على الثورات وحراك الشعوب وتعمل كما تدعي بحجة تغيير الواقع العربي إلى الأفضل وليس تغيير واقعهم المصلحي إلى أفضل.
ليس صحيحًا أن الديمقراطية أو الشرعية أجهضت في هذه الواقعة ولكن الذي أجهض موضوعيًا هي قضية الشعب المصري برمتها الثائرة على الاستبداد الطامحة إلى وطن حر عزيز.
كان الهم الاساس في تلك المرحلة الخروج في هذا التاريخ لتوقيت تابعناه جيدًا وما زلنا نذكره هو إبعاد رجالات النهضة الكاذبة وغيرهم.
والنتيجة هي حركة ثورية شريفة قامت لتغيير الواقع المؤلم بطريقة حضارية ولكن سرقوها وجيروها لتمثل نظام هذا السيسي الأبله ومن يدعمه. ومازالت التحركات هنا وهناك التي ستقض مضجعهم، ونتمنى أن تعود الثورة المصرية من جديد، وإن كانت ثورة الجياع هي متوقعة وقادمة قد تنفض الغبار ونرى قاهرة المعز مصر عبد الناصر الحقيقية، بمكانتها وقوتها ومركزها الأهم في المنطقة لا بل في قلب الأمة العربية المتشوقة لعودتها من جديد .
المصدر : موقع ملتقى العروبيين