وليد شقير
لم تتأخر الدول المتابعة مسرحية الانتخابات التشريعية السورية، التي جرت الأحد الماضي الـ19 من يوليو (تموز)، في رد فعلها على إجرائها بالشكل السيء الإخراج الذي جرت عليه، بعدما شهدت اتهامات من أهل بيت النظام ومناصريه أنفسهم بحدوث تزوير، وخرجت إلى العلن معلومات عن ضغوط مورست على مرشحين، للانسحاب قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع.
وعلى الرغم من تبرير بعض الانسحابات عشية الاقتراع بأنها لاستبعاد مَن صدرت بحقهم عقوبات، مثل رجل الأعمال المقرّب من النظام محمد حمشو الذي ورد اسمه على لائحة عقوبات قانون “قيصر” الشهر الماضي، فإنّ آخرين ممَن طُلب إليهم الانسحاب، مثل رجل الأعمال الذي يرعى مجموعات ميليشياوية في منطقة حلب، فارس الشهابي، رفض ذلك. وعند إعلان سقوطه في الانتخابات، تحدّث عن حدوث تزوير، ثم سحب اتهاماته على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتذر بعد اتصالات أُجريت معه.
تهكم موالين ومعارضين
ولاحظ متابعو صفحات السوريين على مواقع التواصل كم أنهم باتوا يتجرؤون في التهكم والاستهزاء بإجراء الانتخابات، سواء أكانوا معارضين أو غيرهم. ويرى محايدون يرصدون المزاج الشعبي السوري، أن “النظام، نظراً إلى جموحه بالتفرد، أخذ يفقد مساحة وجزءاً لا بأس بهما من قاعدته السياسية، حتى العلوية التي يستند إليها في صراعه مع المتمولين الكبار، ظناً منه أنه بهذه الطريقة يعالج الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها البلد. فضلاً عن عجزه المعروفة أسبابه عن استمالة معارضين، بعد التنكيل الذي مارسه ضدهم على مدى السنوات، فضلاً عن التهجير والقتل والسجن”. لذلك، أكدت الإدارة الذاتية لمناطق شمال شرقي سوريا أن انتخابات مجلس الشعب “لا تعنيها، ولن تكون هناك صناديق اقتراع في مناطقها”. أمّا في إدلب، فبديهي غياب أي مظهر لوجود النظام، أو إجراء الانتخابات حتى في بعض القرى المحيطة التي كانت قواته سيطرت عليها.
الخارجية الأميركية: شرعية باطلة
التعليق الأسرع على الانتخابات أتى من وزارة الخارجية الأميركية في اليوم التالي، إذ اعتبرت أن “بشار الأسد يسعى إلى تقديم هذه الانتخابات المشكوك فيها على أنها تمثل نجاحاً ضد الخطط الغربية، لكنها في الواقع مجرد انتخابات أخرى تُضاف إلى سلسلة الانتخابات المفبركة، والتصويت غير الحر الذي ليس للشعب السوري أي خيار فعلي فيه”.
وأشارت إلى ضغوط على المقترعين، وإلى زهاء ربع السوريين المهجّرين من البلد عنوة الذين لم يُسمح لهم بالاقتراع، رأت أنه وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2254، ينبغي أن تكون الانتخابات في سوريا “حرة ونزيهة”، و”تحت إشراف الأمم المتحدة”، و”بمشاركة السوريين جميعاً، بمن في ذلك مَن هم في الشتات”. وأضافت الخارجية الأميركية أنها انتخابات “مزوّرة ومجرد محاولة أخرى من النظام ليضفي على نفسه شرعيةً باطلة، ويتجنّب تنفيذ العملية السياسية”.
الانتقاد الروسي الحاد
لكن، التعليق الأكثر دلالة جاء من موسكو، إذ كرر الدبلوماسي السابق الحائز الجنسية الروسية، المستشار في الخارجية الروسية، رامي الشاعر هجومه الحاد على الأسد ونظامه، قبل الانتخابات وبعدها. وباتت الأوساط المتابعة من كثب الموقف الروسي في سوريا تنظر إلى ما يكتبه رامي الشاعر كمستشار في الخارجية الروسية على أنه ما تريد موسكو، التي أنقذت نظام الأسد من السقوط، إيصاله من رسائل إلى النظام وغيره.
وكتب الشاعر قبل أيام من الانتخابات السورية مقالاً باللغة الروسية نُشر في مجلة “لافترا”، وتُرجم إلى العربية، تضمن تساؤلاً “عما يمكن أن يعود على الشعب السوري من انتخابات تجري بالآلية ذاتها التي كانت تجري بها منذ 50 سنة؟ وما الذي يمكن أن يطرأ على انتخابات هذه الدورة من تغيير في ظل النظام والنهج والآليات ذاتها، والشخصيات ذاتها أيضاً؟”.
وأكد الشاعر أن “الانتخابات لا تعني للشعب السوري شيئاً، فغالبيته لم تعد تثق بالنظام”. وبينما انتقد الشاعر المعارضة في الخارج و”القيادات التي تناضل في الفنادق”، سأل في المقابل “كيف يمكن للشعب السوري أن يثق بقيادته، بينما يسمع عن رشاوى وفساد ومبالغ هنا وهناك بمئات ملايين الدولارات، ويرى من حوله مظاهر التشبيح والفضائح التي تطال شخصيات مقرّبة من أرفع الشخصيات في الدولة؟”.
وأشار المستشار الروسي إلى أن “انعدام الثقة بالنظام لا يقتصر على الشعب وحده، بل يشمل المجتمع الدولي أيضاً”، على الرغم من أن الأخير “يتعامل مع النظام، بوصفه الممثل الشرعي الوحيد عن الشعب السوري، وفقاً للمواثيق والأعراف الدولية”.
التشكيك الروسي
وكانت وكالة “سانا” السورية الرسمية حاولت تبديد انتقادات الشاعر بطرحها سؤالاً على الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا حول رأيها بالانتخابات، فاعتبرتها “مهمة للحفاظ على الاستقرار”. إلا أنّ “سانا” لم تنشر الجزء الثاني من جواب زخاروفا، الذي أوضح الشاعر أنها قالت إنه “من السابق لأوانه تقييم هذه الانتخابات قبل معرفة نتائجها”.
ورأى الشاعر أن “الاستقرار في سوريا جاء نتيجة جهود دول أستانا (روسيا، وتركيا، وإيران)، والدور الذي يقوم به مركز المصالحة (الروسي) في حميميم. ولولا ذلك لما كان هناك الآن سوريا أو سيادة على الأراضي السورية، وكانت سوريا لتتحوّل إلى دولة فاشلة”.
تلويح “بسياسات أخرى”
وعكس الشاعر موقفاً حاداً من الانتخابات والأسد، حين قال إنّ “النظام يحاول تجاهل ذلك (الدور الروسي)، كما يحاول الالتفاف على تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2245 من خلال انتخاباته البرلمانية، والرهان على انتخابات رئاسية على هذا النمط، والاستمرار في الحكم إلى الأبد، وهو ما لن يتحقق”.
أمّا العبارة الأكثر دلالة التي أوردها الشاعر فهي أنه “لن تكون هناك أي شرعية برلمانية أو رئاسية من دون التعديلات الدستورية”، فموسكو تأخذ على النظام في سوريا عرقلته اجتماعات اللجنة الدستورية المعنية بوضع الدستور الجديد والإصلاحات. وقال المستشار الروسي “إذا لم تتخلَ القيادة في دمشق ممثلةً بالرئيس السوري عن المُضي في عدم مراعاة الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب السوري، فإن المجتمع الدولي سيضطر قريباً جدّاً إلى اتخاذ سياسات أخرى فعّالة، تتجاوز مزاج وتعنت النخبة الحاكمة في دمشق لتغيير الوضع”.
كورونا و”الالتهابات الرئوية الحادة”
وفي السياق، يقود الموقفان الأميركي والروسي من الانتخابات إلى الاستنتاج حسب مراقبين سوريين، أنّ الانتخابات التشريعية التي جرت ستتحوّل إلى ملف إضافي ضاغط على نظام الأسد، يُضاف إلى الملفات العديدة المفتوحة ضده، من تجديد ملف استخدامه الكيماوي، والانتهاكات وجرائم الحرب وقانون “قيصر”، وتردي الوضع الاقتصادي، وإنكاره انتشار جائحة كورونا في سوريا، حتى في العاصمة دمشق، إذ يُخفي قصور منظومته الطبية والصحية عن مواجهتها تحت عنوان “الالتهابات الرئوية الحادة”، التي تسبب موت مصابين كثر، في وقت يصعب إيجاد أسرّة للمرضى في مستشفيات العاصمة.
ودفع التلويح الروسي بـ”اتخاذ سياسات أخرى” المراقبين إلى التساؤل عن التطور الذي يمكن أن يطرأ على الصعيد الدولي، الذي يقود إلى خطوات دولية مشتركة، خصوصاً أنه ليس في الأفق ما يدل على تفاهم أميركي – روسي حول سوريا. والانطباع السائد هو أن الجانب الأميركي لا يُبدي تجاوباً مع رغبة موسكو في حصول تفاهم، على الرغم من التسليم الدائم بدورها الراجح في سوريا. ومع ذلك فإن المحرِّك الأساسي لموقف موسكو هو رغبتها في إنجاز حل سياسي للأزمة السورية بعد إنجازاتها العسكرية، بينما الأسد يعاند بالتعاون مع إيران.
وفي الانتظار، يوجد تقاطع في المصلحة (حتى إشعار آخر) بين موسكو وواشنطن ضد تنامي الدور الإيراني المستمر في بلاد الشام، الذي تترجمه السياسة الروسية بالتسليم بمصالح إسرائيل الأمنية كحد أدنى من التلاقي بين الدولتين العظميين، في مواجهة التمدد الإيراني. وهو تمدد يستند إليه الأسد في الإحجام عن التنازلات المطلوبة منه، خلافاً لإرادة الجانب الروسي. وبسبب مزيد من الارتماء في الحضن الإيراني، تزداد انتقادات دبلوماسيين روس لنظام الأسد وفساده وعجزه عن معالجة التردي الاقتصادي.
التقاطع الأميركي – الروسي الثابت
وغداة الانتخابات السورية، نفّذت إسرائيل غارات جوية وصاروخية هي الأعنف منذ أشهر، استهدفت مواقع مشتركة للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، والحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” اللبناني، ليل الاثنين، الثلاثاء الماضي.
وفي وقت أشارت وسائل الإعلام إلى خسائر وقعت في الضربات التي نُفذت في محيط دمشق في أحياء المزة وقاسيون وصحنايا، حيث مستودعات للفرقة الرابعة، فإن الاستهداف الأعنف كان في جنوبي سوريا بمحافظة القنيطرة المحاذية الجولان المحتل، وشملت مناطق الزاكية وخان أرنبة، إضافة إلى جبل المانع (تلة مشرفة على الجولان) قرب منطقة الكسوة، إضافة إلى مواقع دفاع جوي في منطقة تقع بين محافظتَي السويداء ودرعا الجنوبيتين.
وفي وقت تسرّب أن عدد القتلى في هذه الغارات بلغ سبعة، من بينهم ضابط إيراني كبير، ونعى “حزب الله” أحد مقاتليه، تحدثت وسائل إعلامية إسرائيلية عن استهداف غرفة عمليات مشتركة لـ”الحرس الثوري” و”الحزب” في محافظة القنيطرة، ما يفسّر اشتراك مروحيات “أباتشي” في الغارات التي تُستخدم لملاحقة أهداف على الأرض.
وتكمن أهمية هذه الغارات في الجنوب السوري في أنها تدل على الإصرار الإيراني على تعزيز التمركز في المنطقة الحدودية مع المناطق المحتلة من قِبل إسرائيل، التي تبرر تدخلها العسكري في سوريا بأن الوجود الإيراني هناك يرمي إلى استهدافها عبر الحدود. ويشكّل ذلك مصدر إزعاج دائم للجانب الروسي أيضاً.
المصدر: اندبندنت عربية