مصطفى رستم
الواقعان الاقتصادي والأمني أساسان لعودة آمنة وكريمة لن تحصل في المنظور القريب. عبثاً يحاول السوري محمد الزامل المقيم في العاصمة اللبنانية بيروت، وضع حدّ لرحلة لجوئه مع أسرته طوى معها خمس سنوات غربة بعيداً من تراب وطنه، قبلها لم يفارق ذاك الرجل الخمسيني مرتع صباه في ريف إدلب الجنوبي حتى وضعت الحرب أوزارها، واكتوى بلظاها مفارقاً الأرض والخلان.
حال الزامل، العامل في إحدى ورش البناء، تشبه سوريين قابضين على الجمر أمام أبواب عودة باتت وشيكة إلى ديار، فارقوها قسراً عقب اشتداد وطيس معارك قضّت مضاجعهم طوال تسع سنوات عجاف، من دون بوادر لتوقّفها في المدى المنظور شمالاً.
العودة حلم أو كابوس
ومع تقهقر الرغبة الجامحة في العودة وما يكتنفها من تسويات سياسية، أبرزها مطالبة أوروبا بالانتقال السياسي كشرط للدخول في إعادة الإعمار وعودة آمنة للاجئين، تبخرت أحلام السوريين بالرجوع إلى الوطن بعدما توقفت رحى المعارك في مناطق ومدن بالداخل وباتت آمنة نسبيا.
في الجهة المقابلة، تشكّك أوساط سياسية بعودة قريبة على الرغم من فتح دمشق أبوابها لأي سوري يرغب في ذلك، في ظل تطمينات وضمانات تسمّى “تسوية”، إلا أن إحجام النازحين مرتبط بشقّه الأكبر بالعامل الاقتصادي المتردي وعدم رغبتهم في دخول نفق الحصار المظلم.
وتشتدّ دوائر الحصار الأميركي والأوروبي إحكاماً، ليفاقم كل ذلك سوء الواقع المعيشي، وولّد بالنتيجة أزمات خانقة مع دخول قانون “قيصر” الأميركي حيز التنفيذ في 16 يونيو (حزيران) الماضي، في وقت لم تتوقف أصوات المنظمات الإنسانية الدولية عن إطلاق نداءات استغاثة لإنقاذ البلاد من كارثة وشيكة تهدد غذاء 11 مليون سوري وصحتهم.
سبق هذا تجديد مجلس الاتحاد الأوروبي للعقوبات الأوروبية على الحكومة السورية لمدة عام حتى صيف 2021، بذريعة تطوير الأسلحة الكيمائية، الأمر الذي دانته الخارجية السورية يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول).
الحصار وقرار العودة
في هذا السياق، ألقى عضو مجلس الشعب عبدو موصللي باللوم على الواقع الاقتصادي الحالي لما أسماه بـ”الحصار الجائر الذي لا يستهدف السلطة، بل أرخى بثقله على السوريين الصابرين طوال هذه السنوات على أوجاع الحرب”، مضيفاً في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “يشتد الحصار كلما زاد الواقع الميداني تقدماً لصالح الجيش السوري، ومع تحسّن تقدمه واسترداده 75 في المئة من الأراضي العائدة لكنف الدولة، وغالبية السوريين يرغبون في العودة، ويحاولون مساعدة بلادهم من خلال عقود واستثمارات”.
في غضون ذلك، أصدر صندوق النقد الدولي تقريره لهذا العام، لافتاً إلى الظروف الأمنية في سوريا كأحد العوامل المهمة في تحديد العودة المحتملة للاجئين السوريين، إلى جانب مدى توفّر فرص الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وكذلك وضع البنية التحتية الأساسية.
ولعل آخر فصول الأزمات هو الازدحام أمام محطات الوقود، ما دفع حكومة دمشق في نهاية المطاف إلى مضاعفة سعر الليتر الواحد من البنزين، أمر أثار استياء الشارع، وبرّرته الوزارة بوضع حدّ لسيناريو عمليات تهريب البنزين المدعوم من الدولة.
وهنا شدّد موصللي على ضرورة وضع حلول سريعة لإنعاش الاقتصاد السوري، ما سينعكس على عودة قريبة وسريعة للاجئين، إضافةً إلى أهمية رفع العقوبات الأحادية بحق السوريين.
وتابع “لا بد من إعادة إعمار المنشآت الصناعية المدمرة وتقديم الدعم المادي لها للنهوض بنشاط المعامل والشركات، مع الاهتمام بإعادة الإعمار وتنظيمه بشكل جيد ودراسة توزيع الدعم لذلك”.
المجتمع الدولي وسوريا
حيال هذا، يراقب المجتمع الدولي، خصوصاً الأوروبي بعد تدفّق اللاجئين السوريين إليه، ما يحدث بعين الريبة، ويقع بين نارين إما الإفلات من التزاماته السياسة حيال انتقال سياسي مشروط برحيل السلطة، أو مضاعفة مشقّة استمرار استضافتهم لعام إضافي، قد يطول لأعوام لاحقة.
في سياق متصل، يتطلّع المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه إلى إمكانية أن يدعم المجتمع الدولي الاستقرار والرخاء في منطقة المشرق بقدر أكبر من الفعالية، “باتباع استراتيجية تجمع بين منظور متوسط المدى بدلاً من الحلول السريعة، وتركيز إقليمي يبني على الروابط العابرة للحدود، وينسّق جهود الاستجابة عبره”.
ويعيش معظم اللاجئين السوريين، حوالى 94 في المئة بحسب تقرير جديد لمنظمة “الإسكوا”، خارج مخيمات اللاجئين منها لبنان، الذي يأوي نحو مليون لاجئ يضم مخيمات رسمية. وفي الأردن يعيش 18 في المئة في ثلاثة مخيمات (الأزرق والإماراتي الأردني والزعتري)، ما يعني أن أكثر من 80 في المئة مـن اللاجئين يفتقرون إلى ملاذ رسمي.
وهم تحسن الوضع الأمني
ويقبع اللاجئون في خمس دول هي الأردن والعراق ولبنان ومصر وتركيا التي تستضيف العدد الأكبر منهم، أي ما يزيد على ثلاثة ملايين ونصف المليون، ويتفوّق لبنان في احتواء السوريين على الأردن بنسبة 13.4 في المئة، مقابل 6.5 في المئة للأخير.
وعلى المقلب الآخر، وإن كان المراقبون المحليون ينظرون إلى الوضع الاقتصادي بالعين الأولى، إلا أن الوضع الأمني يشاهدونه بعين ثانية، فالظروف الأمنية في سوريا هي العامل الأكبر في تحديد العودة المحتملة للاجئين السوريين.
ومن العوامل المهمة للعودة أيضاً مدى توفر فرص الحصول في سوريا على الخدمات الأساسية، كما ذكر تقرير صندوق النقد الدولي مثل الرعاية الصحية والتعليم، وكذلك أحوال البنية التحتية الأساسية.
ووفقاً للتقرير ذاته، فإن عشرة في المئة من اللاجئين الذين شملتهم الدراسة قد يعودون إذا زاد إلى الضعفين معدل تحسن الأوضاع الأمنية، وارتفع ثلاثة أضعاف معدل استعادة الخدمات خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما يراهن المهاجرون على تحسن كل من الأوضاع الأمنية والاقتصادية ليتسنى لهم عودة آمنة وكريمة.
المصدر: اندبندنت عربية