أمين العاصي
بدأت مجموعة من التيارات والتشكيلات السياسية في الثورة والمعارضة السورية، وشخصيات مستقلة معارضة، أمس الأربعاء، أعمال “مؤتمر القوى الوطنية للدفاع عن ثوابت الثورة”، في خطوة تعكس استياء الشارع السوري المعارض من إعلان الائتلاف الوطني السوري قبل أيام تشكيل “مفوضية وطنية للانتخابات”، وهو ما تراجع عنه لاحقاً تحت ضغط هذا الشارع الذي يتهم الائتلاف بـ”الفشل” وعدم القدرة على مواجهة الضغوط الإقليمية على المعارضة.
وتُشارك في المؤتمر الذي يُعقد افتراضياً، هيئات سياسية تمثل عدة محافظات سورية، وروابط للسوريين في المغتربات، وأحزاب واتحادات سياسية، وتجمّع الضباط المنشقين، إضافة إلى نحو 20 شخصية سورية معارضة. وذكر مضر حماد الأسعد، الذي يمثل “الرابطة السورية لحقوق اللاجئين”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أهداف المؤتمرين “متناقضة”، مشيراً إلى أن البعض “يريد تجديد الائتلاف من خلال ضخ دماء جديدة فيه وإخراج التيارات التي لم يعد لها تأثير ووجود على الأرض، وضم تيارات لها تأثير سياسي في الداخل السوري”. وأضاف “الخريطة السياسية تغيرت منذ بدء الثورة حتى اليوم، وهو ما يستدعي إعادة النظر في الكيانات والتيارات الممثلة في الائتلاف الوطني السوري”.
وأعرب الأسعد عن اعتقاده بأن هناك أعضاء في الائتلاف الوطني “قدّموا نموذجاً سيئاً للعمل السياسي الثوري، على الرغم من كونهم أعضاء فيه منذ تأسيسه، لذا يجب تغييرهم”، مضيفاً: “يجب تعزيز دور ومكانة الائتلاف في الداخل السوري، وأن يكون مقره داخل سورية وليس خارجها”. ولفت الأسعد إلى أن هناك تيارات وشخصيات مشاركة في المؤتمر “تطالب بتغيير الائتلاف بجسم سياسي جديد”، متابعاً: “هذا خطأ جسيم يُرتكب بحق الثورة السورية في حال حدوثه. هدفنا تصحيح مسار الائتلاف وليس نسفه”. ومضى بالقول: “إسقاط الائتلاف الوطني هو مطلب للنظام وإيران ولمنصات سياسية، منها منصتا القاهرة وموسكو، وحزب العمال الكردستاني، لذا لن نوافق على نسف الائتلاف بأي حال من الأحوال، وجميع مجالس المحافظات لن توافق. نحن مع تصحيح مساره”.
وتراجع الائتلاف الوطني، الثلاثاء الماضي، عن تشكيل “مفوضية وطنية للانتخابات”، فجّر الإعلان عنها أزمة سياسية لا تزال محتدمة في أوساط المعارضة السورية والثورة، إذ خشي كثيرون أن تكون خطوة باتجاه التماهي مع ضغوط إقليمية لإيجاد حل يقوم على المشاركة في السلطة مع النظام بوجود بشار الأسد.
من جهتها، قالت المعارضة السورية سهير الأتاسي، وهي من المشاركين في المؤتمر، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الهدف من هذه الخطوة أن تنظّم قوى الثورة الفعلية صفوفها لاستعادة الصوت السوري الحر المستقل الذي يعبّر عن إرادة الشعب السوري بعيداً عن أجندات الدول المتصارعة. وأشارت إلى أن من بين أهداف المؤتمر “إعادة الاعتبار للجوهر الحقيقي للثورة السورية التي لم تكن يوماً بهدف اقتسام السلطة، بل لها هدف واضح يتمثل في الوصول إلى سورية حرة متحررة ديمقراطية لا يمكن أن يكون للسفاح بشار الأسد وزمرته أي دور فيها”. وجزمت الأتاسي أنه “لم يعد من الممكن تصحيح مسار الائتلاف، لأن الممسكين بتلابيبه منشغلون بتحصيل وتحصين التقاطعات بين مصالحهم بثباتهم في المشهد السوري ومصالح الدول”. وأضافت: “لقد انحرفت بوصلة الائتلاف منذ أن انخرط في مسار الحل الروسي وذهب باتجاه إدخال منصات القاهرة وموسكو ومخرجات مؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية”. وأردفت بالقول: “لم يعد من الممكن ابتزاز الثورة بالقول إنه ليس هناك بديل، وإن الائتلاف لديه شرعية دولية. لو كان يمكن للثوار أن يخضعوا لهذا الابتزاز لما قاموا بثورتهم في مواجهة نظام اتضحت عمالته وخدماته للدول”.
أما المعارض السوري بسام يوسف فقال لـ”العربي الجديد” إنه اعتذر عن عدم حضور المؤتمر “لأني فهمت في البداية أنه إعلان ضد خطوة الائتلاف الأخيرة التي أرفضها تماماً، وأثمن أي جهد لإدانتها وإيقاف العمل بها”. وإذ أعرب عن قناعته بحاجة السوريين لـ”تشكيل سياسي يخرجنا من حالة العجز التي وصلنا إليها”، أضاف: “إلا أنني أرى أن تشكيل هذا الجسد السياسي يحتاج لآليات أخرى”.
وأُسس الائتلاف في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في العاصمة القطرية الدوحة في ذروة الحراك الثوري في سورية، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية. ولكن ظهرت بعد ذلك تيارات ومنصات سياسية عدة بدفع إقليمي ودولي هدفها تشتيت التمثيل في المعارضة من أجل التوصل إلى حلول سياسية لا تحقق الحد الأدنى من مطالب الثورة، وفي مقدمتها إجراء تغيير سياسي عميق يطاول بشار الأسد وأركان حكمه. ويعد الائتلاف المكون الرئيسي في الهيئة العليا للمفاوضات التي تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً لها والتي رضخت لضغوط إقليمية لإدخال منصة موسكو إلى صفوفها، على الرغم من كون هذه المنصة محدودة التأثير في الشارع السوري المعارض، وتتماهى تماماً مع الرؤية الروسية للحل والتي تقوم على إبقاء الأسد في السلطة.
وقال العميد أسعد الزعبي، والذي يمثّل “تجمّع الضباط المنشقين” في المؤتمر، إن “أهم أهداف المؤتمر إرسال رسالة للائتلاف فحواها أن الأخطاء كثرت”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “اليوم الائتلاف أمام مفترق طرق، وعليه الاعتراف أمام الشعب إن كان مرغماً على ما يفعله عليه، أو أنه عاجز عن القيام بواجباته بسبب قلة الإمكانيات أو تعدد الآراء والأصوات، أو أنه غير قادر على مواكبة الفترة الحالية أو المقبلة، وفي هذه الحالة يمكن وضع إمكانيات كل السوريين في خدمته، فالثورة تغيير لا يقبل أنصاف الحلول”.
وتناوبت على رئاسة الائتلاف عدة شخصيات سورية معارضة، إلا أنه بدأ يفقد تأثيره السياسي، ولا سيما في الداخل السوري الذي لطالما اتهم أعضاء قياديين في الائتلاف بـ”الفشل السياسي” و”التبعية” لجهات إقليمية، وعدم القدرة على مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية والتي تجلت في موافقة الائتلاف على تقديم التفاوض على سلة الدستور قبل سلة الانتقال السياسي، وهو ما اعتبر تنازلاً ربما له ما بعده.
من جهته، أشار عبد الباري عثمان، وهو ممثل “اتحاد الديمقراطيين السوريين” في المؤتمر، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “بعد إصدار رئيس الائتلاف قراراً بتشكيل مفوضية الانتخابات، والرفض الشعبي ومن القوى السياسية والتجمعات لهذا القرار، ارتأت عدة قوى وشخصيات مستقلة العمل على تشكيل إطار موحد يرفض التعامل مع قرار الائتلاف، والعمل على أرضية مجتمعية سورية وطنية تعمل لمصالح السوريين”. وأكد عثمان أن “الغاية الأساسية للمؤتمر هي تصحيح مسار الثورة وعدم السماح للائتلاف بالانحراف والتلاعب بمصير شعبنا الذي شُرد نصفه واستشهد ما يقارب المليون منه، ناهيك عن المعتقلين والمختفين”. ومضى بالقول “نحن مع إسقاط أعضاء الائتلاف وليس المؤسسة، وفي حال استقالة هؤلاء الأعضاء فنحن مستعدون للعمل من أجل أن يختار شعبنا، الذي طالب بالحرية، ممثليه للائتلاف، لكن نحن على يقين بأن هناك متحكمين في مفاصل الائتلاف لن يتنازلوا ولن يستقيلوا ولن يسمحوا بتصحيح مساره”.
المصدر: العربي الجديد