تيم الحاج
لم تعد التطورات الميدانية الجارية في مدينة عين عيسى بريف الرقة، تندرج ضمن خانة المناوشات المعتادة والمتكررة منذ نحو عام بين الجيش الوطني السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فالأسابيع الأخيرة الفائتة، أخذت الأحداث في المدينة منحىً متصاعداً، يدلل على ما يبدو على اقتراب اشتعال الرماد تحت المدينة، التي لطالما كانت هدفاً للجيش التركي الداعم للجيش الوطني السوري، كما أنها كانت ومازالت حتى الساعة خط الدفاع الأول لـ”قسد” عن بقايا مشروعها على الحدود السورية التركية، وعاصمة لـ “الإدارة الذاتية”.
في 22 تشرين الثاني 2019، انتهت المعارك بشكلها الرسمي والفعلي في منطقة شرق الفرات وقرب عين عيسى، إثر اتفاق روسي- تركي، حينئذ، توقفت العمليات العسكرية، إلا أن المناوشات والاشتباكات لم تهدأ حتى الساعة قرب عدة مناطق من شرق الفرات مكان قيام تركيا والجيش الوطني بعملية “نبع السلام”.
ومنذ أن وقع الرئيسان، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان، بعد ساعات طويلة من المفاوضات في الغرف المغلقة في مدينة سوتشي الروسية، الاتفاق الذي رسم حدود وشكل منطقة شرق الفرات، حيث استقرت سيطرة الجيش الوطني السوري على مدينتي تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة، في حين ظلت باقي مناطق شرق الفرات بيد “قسد” بإشراف روسي، كانت عين عيسى مركزاً رئيسياً لتبادل الرسائل بأن بين الجيش الوطني و”قسد”، بأن معركة “نبع السلام” لم تنته. كانت هذه الرسائل عبارة عن هجمات وقصف واعتقالات متبادلة بين الطرفين، وكان البريد هو عناصر الطرفين.
“قسد” تستعد.. تزرع ألغاماً وتفتح أعين المراقبة
تشير تحركات “قسد” الأخيرة في عين عيسى على تأكدها التام بأن معركة ستجري قريباً في المدينة، قد تؤدي إلى فقدانها السيطرة عليها، وعليه راحت تتخذ إجراءات مشددة تحسباً لذلك.
مصادر خاصة قالت لتلفزيون سوريا إن كتيبة الهندسة التابعة لـ “وحدات حماية الشعب” التي تشكل العمود الفقري لـ “قسد” بدأت خلال الأسبوع الفائت، بزراعة ألغام أرضية من نوع جديد تسمى “المسبحة” على تخوم منطقة “نبع السلام”.
المصادر أوضحت أن عملية زراعة الألغام تتم في مناطق (كور حسن، خربة البقر، خفية سالم، الحرية) غربي مدينة تل أبيض، وأطراف مناطق (أبو صرة والهوشان والخالدية) المطلة على أوتستراد الـ M4 غربي عين عيسى، وشمالي مخيم عين عيسى سابقاً. بالإضافة للمنطقة الشمالية من قرى (الرحيات والفاطسة) شرقي عين عيسى، وعلى أطراف الـ M4 من جهة قرية التروازية شمال شرق الرقة.
كما امتدت عملية زرع الألغام الى ريف بلدة تل تمر على محور صوامع العالية وبلدة أبو راسين وصولاً للحدود التركية السورية شمال الحسكة، وأكدت المصادر أن المشرفين على عملية زراعة هذه الألغام هم من الجنسية العراقية.
وهذه المرة الأولى التي تستخدم بها “قسد” هذا النوع من الألغام على تخوم منطقة “نبع السلام” التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، وهذه الألغام هي عبارة عن ألغام فردية من 5 إلى 8 ألغام يتم ربطها بسلك واحد، إذا انفجر أحدها تنفجر بقية الألغام وعلى مسافة 10 أمتار.
ويبدو أن “قسد” بدأت تحصد ثمرة زراعة هذه الألغام، إذ تمكنت من الإيقاع بمجموعة من الجيش الوطني السوري في كمين يحتوي هذه الألغام، في 24 من تشرين الثاني الجاري، على تخوم مدينة عين عيسى، حيث قتل عدد من الجيش الوطني وأصيب آخرون، ولم يتمكن الجيش الوطني من سحب قتلاه إلا بعد تدخل روسيا التي أمّنت من بعيد عملية سحب القتلى، وفق وكالة “هاوار” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، التي نشرت تسجيلاً مصوراً بذلك.
وعلى الفور وبعد سحبه قتلاه، رد الجيش الوطني عبر تدمير عدة نقاط تابعة لـ “قسد” في استراحة الصقر وكازية مخلص ومحيط منزل بدر العلي الجاسم في الحي الغربي لمدينة عين عيسى.
وجرت عدة مناوشات بين الطرفين، بعضها استمر لساعات متواصلة، استخدمت فيها المدفعية الثقيلة وقذائف الهاون، أبرزها كان في قريتي السلوم والبوراشد شمال غربي عين عيسى.
ولم تقتصر تحضيرات “قسد” على الجانب العسكري، إذ أجبرت وفق مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا، عشرات المدنيين والموظفين وطلاب المدارس بالخروج بمظاهرة أمام مبنى البلدية في عين عيسى لإدانة ما وصفته بـ “الاعتداء التركي”، وجرت هذه المظاهرة عندما كانت القوات الروسية تسحب عدداً من قواتها من داخل المدينة باتجاه مدينة الطبقة، الشيء الذي زاد من شعور “قسد” بوجود نية تركية بفتح معركة جديدة في المدينة.
وأضافت المصادر أن “قسد” منعت العائلات التي ترغب بالنزوح عن المدينة من الخروج، وفسرت المصادر ذلك برغبة “قسد” بالإبقاء على أكبر عدد من المدنيين كي تساوم عليهم في في حال اندلعت معارك.
كيف يرى الجيش الوطني مستقبل عين عيسى؟
ربط الناطق باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف حمود، بين مستقبل عين عيسى والملفات الأخرى التي تشهدها الساحة السورية، معتبراً أن أي تطور ميداني قد يحدث في عين عيسى يأتي كانعكاس مباشر لانهيار تفاهمات معينة بين من سماهم اللاعبين الأساسيين بالملف السوري.
واستبعد حمود في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن تعود المعارك إلى عين عيسى في الأسابيع والأشهر القريبة القادمة وفق تقديره، مستدركاً بالقول “كل شيء وارد لأن جميع التفاهمات في سوريا تمر بأزمة”.
وشهدت منصات الجيش الوطني السوري والجيش التركي على رأسها وزارة الدفاع التركية خلال الأسابيع الأخيرة، زخماً بالبيانات والأخبار التي تتحدث عن أسر أو قتل عناصر من “قسد” وحتى من “وحدات حماية الشعب” الذين يحاولون التسلل إلى مناطق “نبع السلام”.
وبينت التحركات العسكرية التركية الأخيرة قرب عين عيسى جدية أنقرة بشن هجوم في المنطقة، إذ استخدمت للمرة الأولى منذ شهور الطائرات الحربية لقصف مواقع لـ “قسد” في منطقة الطحري في عين عيسى.
كما ارتفعت وتيرة القصف المدفعي من قبل الجيش التركي على مواقع “قسد” في ريف عين عيسى شمال الرقة وريف تل تمر شمال الحسكة، ونشطت القاعدة التركية في قرية الخابور شمال عين عيسى، حيث استهدفت غيرة مرة نقاط تمركز “قسد” في قرية معلك
وقام الجيش التركي مؤخراً، بإنشاء قاعدة عسكرية على أطراف قرية صيدا الواقعة شمالي مدينة عين عيسى، حيث رٌفع فيها برجاً للمراقبة، وأبراج رادار، كما لم تهدأ الطائرات المسيرة التركية على مدار الأسبوعين الفائتين، بقصف نقاط “قسد” وخاصة قرب “كازية طراد الحميد”.
ماذا تعني عين عيسى لـ “قسد” ولمشروع “الإدارة الذاتية”؟
عين عيسى هي إحدى نواحي سوريا تتبع إدارياً لمحافظة الرقة، تمتلك عقدة مواصلات مهمة، تربط بين محافظاتي حلب والحسكة عبر الطريق الدولي “M4” الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض على الحدود التركية، ومدينة الرقة.
ومنذ أن سيطرت عليها “قسد” بدعم من التحالف الدولي، منتصف عام 2015، بعد معارك مع تنظيم “الدولة”، تحولت إلى شبه عاصمة لـ”الإدارة الذاتية”، فقد شهدت وما تزال الكثير من الاجتماعات المهمة بين مسؤولي “الإدارة الذاتية” ومسؤولين في التحالف الدولي، إضافة إلى مسؤولين غربيين.
إلى جانب أنها تمثل مركزاً للاجتماعات الدورية لمؤسسات “الإدارة الذاتية” كـ هيئات (الداخلية والصحة ومجلس المرأة) وجميع هذه المؤسسات تعقد كل شهر تقريباً اجتماعاتها الدورية في عين عيسى، إضافة إلى كونها كانت منطلقاً للاتفاق بين شيوخ العشائر و”قسد” من أجل إخراج النازحين من مخيم الهول.
حيث شهدت في أيار 2019، اجتماعاً حمل اسم “ملتقى العشائر”، جمع شيوخ عشائر ووجهاء من شمال شرقي سوريا، بقيادات ونواب من الرئاسة المشتركة لـ “المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”، مثل عبد حامد المهباش، وبيريفان خالد، وإليزابيت كورية، وأمينة أوسي، ومسؤول المخيمات في شمالي وشرقي سوريا، شيخموس أحمد.
وعليه فإن “قسد” تتمسك بعين عيسى، لأنها تعتبر خط الدفاع الأول والرئيسي، عن مدينة عين العرب، بريف حلب، كونها تقع على امتداد شبكة طرق مهمة وتمتلك عقدة المواصلات التي تربط مناطق عين العرب وتل أبيض وصولاً إلى الجنوب في منبج، وعليه فإنه ليس من السهل على “قسد” و”الإدارة الذاتية” التخلي عن تلك العقدة من الطرق، لأنها تربط بين مناطق شمال شرقي سوريا، ولأنه في حال خسارتها ينقطع التواصل مع عين عرب التي لها رمزية كبيرة لدى “قسد”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا