أكرم عطوة
يبقى لبعض البدايات سحر لا يزول.. حتى وإن كانت النهايات مأساوية
انتمائي إلى حركة “فتح”.. مثال على ذلك.
في مثل هذا اليوم 30 – 11 – من عام 1967.. أصبحتُ واحداً من أعضاء التنظيم الطلابي لحركة “فتح” في جامعة حلب..
ففي مساء اليوم السابق له 29 – 11 – 1967.. وكنتُ أشارك في لقاء طلابي خاص.. تمّ في النادي العربي الفلسطيني في شارع اسكندرون بحلب.. بمناسبة الذكرى العشرين لصدور قرار التقسيم.. اقترب منّي أحد المشاركين في هذا اللقاء.. وقال لي هامساً: أريدُ أن أقول لك شيئاً على انفراد.. فخرجتُ معه إلى الشارع.. حيث قال لي: لقد تمّ قبول طلبك بالانضمام إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”.. قال ذلك بكل جديّة واهتمام.. مما جعلني أشعر وكأنّه خبر مهم جداً.. بل ومصيري جداً.. وكأنّه أبلغني أنني سأولد من جديد.. أو قد أموت فوراً.. بعد ذلك قال لي: اعتباراً من الغد.. سيكون لك اجتماعا اسبوعيا ضمن خلية حركيّة.. وسيتم تكليفك بمهام ثورية..
اكتفيتُ بما قاله لي.. ولم استوضح منه عن أشياء كان لدي الفضول الشديد لمعرفتها منه.. مثلا عن الخلية ومن سيكون فيها.. وعن طبيعة المهام الثورية التي سأكلف بها.. لاعتقادي أنّ التسرّع في معرفة هذه الأمور.. شيء غير مستحب في الحركات الثورية.. مع أنّه كان لي تجربة تنظيمية سابقة في أحد التنظيمات الناصرية في حلب.. لكن هنا الوضع مختلف تماماً..
فالعمل الفدائي كان له سحرا خاصا في ذلك الوقت.. فهو كان بالنسبة لنا كما وصفه.. فيما بعد.. الشاعر الفلسطيني المبدع ” أحمد دحبور” رحمه الله في “جمل المحامل”
ويوم على شفير اليأس كنّا جئتَ تصطكُّ
كما الأطفال، من وجع الولادةِ
من نشاف الريق جئتَ
ومن هوى الفقراءْ
فيا جمل المحامل: سرْ بنا، وبإذن حُبّ الأرض لن نشكو
سيسقط بعضنا والشوك محتشدٌ
سيُحرق بعضنا والشمس حاميةٌ
سيُقتل بعضنا والموت رمح في عُباب الدرب منشكُّ
أجل، وبإذن حبّ الأرض لن نشكو
ليلتها لم أستطع النوم.. فقد اتسعت أحلام اليقظة لدي.. حتى عرّشت “صفد” على أجفاني.. ربّما لم يحدث لي هذا منذ الطفولة.. منذ تلك الليلة التي سبقت اليوم الذي سأذهبُ فيه إلى المَدرسة لأول مرة، حيث كانت المدرسة بالنسبة لي مكاناً غامضاً وساحراً.. سمعتُ عنه الكثير الكثير.. لكنني لم أكن أعرف عنه سوى القليل القليل.
دائماً البدايات تحمل لنا شعورا بالدهشة والإثارة، وخاصة إذا كانت بحجم ذلك الحلم الساحر الذي حمله لنا العمل الفدائي.. خاصة وأنه قد جاء بعد هزيمة لم يمض عليها سوى أشهر قليلة.. هزيمة حطّمت أحلاماً.. كان عرضها بالنسبة لنا عرض السموات والأرض.