قالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إن إيران نجحت في فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، وباتت تزحف عبر سوريا ليصبح ما يفصلها مجرد سياج حدودي لا يبعد كثيرا عن الحدود الإسرائيلية.
وقال تقرير للصحيفة إنه في صيف 2018، أقنع الروس إسرائيل أنهم نجحوا في التوصل إلى اتفاق ينص على تراجع قوات إيران وحليفها “حزب الله” على بعد نحو 70 كيلومتراً من الحدود في مرتفعات الجولان، لكن يبدو أن الأمر غير صحيح.
وقالت الصحيفة إن القوات الجوية الإسرائيلية ألقت منشورات، الأربعاء، فوق القرى السورية بالقرب من حدود الجولان تحذر السوريين وتطلب منهم الابتعاد عن حزب الله والمنشآت الايرانية في المنطقة حفاظا على سلامتهم. ويشير ذلك، وفق التقرير، إلى أن الوجود الإيراني لم يعد موضع شك.
وخلصت الصحيفة إلى أن الشعور العام هو أن مهمة إبعاد طهران عن حدود إسرائيل لا تزال أبعد من تحقيق هدفها، بل إن العكس هو ما يحدث، تقول الصحيفة، إذ أن الإيرانيين عبر حزب الله يقتربون أكثر فأكثر، وهدفهم هو خلق جبهة أخرى ضد إسرائيل إضافة الى الجبهة اللبنانية.
وشنّت إسرائيل ليل الثلاثاء/الأربعاء ضربات استهدفت مركزاً ومخزن أسلحة تابعا للقوات الإيرانية وحزب الله في منطقة جبل المانع في ريف دمشق الجنوبي. كما طاولت مركزاً لمجموعة “المقاومة السورية لتحرير الجولان” في القنيطرة عند الحدود السورية مع الجولان المحتل.
وترى مجلة “ناشونال انترست” الأميركية أنه “في هذه الأيام، تفكر إيران بنشاط في مستقبلها في سوريا. منذ عام 2013، أصبحت الجمهورية الإسلامية منخرطة بعمق في الحرب الأهلية في ذلك البلد، وظهرت كلاعبٍ رئيسيٍ في واحد من أكثر الصراعات وحشية واستمرارية في الشرق الأوسط”.
وتقول أن كل ما فعلته طهران في سوريا “تم على أساس وجهة النظر الإيرانية القديمة بأن أمن سوريا هو أمنها الخاص، وأن دعم نظام الأسد أمر بالغ الأهمية لمصالح طهران الإستراتيجية على المدى الطويل”.
لكن الظروف تتغير الآن. على مدى العام ونصف العام الماضيين، خفّت وتيرة الحرب الأهلية السورية، مع عودة ميزان القوى في البلاد بشكل حاسم نحو الأسد، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الدعم الإيراني والروسي. كما حدث، شهدت بصمة طهران على أراضي شريكها الإقليمي الأول تحولاً عميقاً.
ويوضح تحليل جديد أجراه المجلس الأطلسي أنه “مع تراجع العمليات العسكرية، بدأت إيران في البحث عن طرق جديدة لتعزيز سيطرتها ونفوذها في مختلف المحافظات السورية”.
الطرق التي استخدمتها إيران للقيام بذلك متنوعة. وتشمل التسلل إلى المجتمع السوري عبر المنظمات الخيرية مثل منظمة جهاد البناء، المكلفة بإعادة بناء المدارس وترميم المرافق الصحية في الدولة التي مزقتها الحرب. كما أنفقت طهران ملايين الدولارات لفتح جامعات في جميع أنحاء البلاد. تم تصميم هذه المؤسسات -مثل جامعة آزاد الإسلامية وكلية المدارس الإسلامية- “للتأثير على جيل جديد” من المواطنين السوريين من خلال ما وصفه المراقبون “بالغزو التعليمي”.
كما أن وجود إيران في الاقتصاد السوري آخذ في الازدياد. على الرغم من تراجع ثرواتها الاقتصادية، إلا أن طهران زودت دمشق بشحنات نفطية بمليارات الدولارات في السنوات الأخيرة. كما أنها موجودة في كل شيء من رواتب رجال الميليشيات إلى عمل البنك المركزي للبلاد. أخيراً، تشير التقديرات إلى أن الجمهورية الإسلامية أنفقت ما لا يقل عن 5.6 مليار دولار حتى الآن لإبقاء نظام الأسد. ويخلص التحليل إلى أن “إيران موجودة في سوريا على المدى الطويل وتستغرق الوقت الذي تحتاجه لتحقيق النتائج”.
سيكون هذا الوجود الدائم تحدياً كبيراً للإدارة الأميركية الجديدة. لقد أوضح الرئيس المنتخب جو بايدن بالفعل أنه يخطط لاتخاذ نهج أكثر ملاءمة وأقل تصادمية تجاه إيران من استراتيجية “الضغط الأقصى” التي استخدمها البيت الأبيض على مدى العامين ونصف العام الماضيين. لكن لا هو ولا مستشاريه -بمن فيهم توني بلينكين وجيك سوليفان، المعينين لمنصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي- أوضحوا كيف يخططون بدقة لدحر النفوذ الخبيث للنظام الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بحسب ما تقول “ناشونال انترست”.
تمثل البصمة الإيرانية العميقة في سوريا، على وجه الخصوص، ما يمكن القول إنه أهم نقطة اشتعال في بلاد الشام. نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على أهداف إيرانية في سوريا في السنوات الأخيرة، وكان آخرها هذا الأسبوع فقط. يبعث هذا النشاط برسالة واضحة مفادها أن المسؤولين في القدس قلقون للغاية بشأن إمكانية ترسيخ إيران على الحدود الشمالية لبلادهم، وهم ملتزمون بمنع مثل هذا الاحتمال بأي وسيلة ضرورية.
وتختم المجلة بالقول: “إنه تحذير من الأفضل لواشنطن أن تأخذه على محمل الجد. بل سيكون من الأفضل صياغة خطة جدية لتقليص قدرة إيران على تشكيل مستقبل سوريا”.
المصدر: المدن