أنهت (اللجنة الدستورية) المصغرة الجولة الرابعة من مباحثاتها، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، دون نتائج تذكر، كما كان متوقعًا، سوى تحديد موعد جلستها القادمة في 25 كانون ثاني/ يناير مع بداية العام القادم 2021، والاتفاق على جدول أعمالها المتضمن النقاش أو البحث في المبادئ الدستورية، هذا إن لم تحصل مفاجئات أو تطورات تعطلها، أو تؤجلها.
الجولة المنتهية استمرت خمسة أيام من الاثنين 30 تشرين ثاني/ نوفمبر حتى الجمعة الرابع من كانون أول/ ديسمبر، وكما في سابقاتها، برع وفد (الدولة السورية) كما يسمي نفسه، وليس وفد النظام، بالذهاب بعيدًا عن طبيعة عمل اللجنة المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد، من خلال ادعاءاته الكاذبة عن ضرورة عودة اللاجئين الذين صنفهم بسياسيين، تلطخت أيديهم بدماء السوريين، وغير سياسيين، واجترار الحديث عن المؤامرة التي تلحق الضرر بالاقتصاد، وتنهك كاهل المواطن السوري (قانون قيصر)، والارهاب وضرورة محاربته.
في تفاصيل الجولة المنتهية ركز وفد النظام، بغرض البقاء في دوامة المتاهة، على عودة اللاجئين، وكأنه يريد لهذه الجولة أن تكون امتدادًا لمؤتمره الفاشل الذي عقده في دمشق 11_ 12 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، وصدىً له في مضامينه السياسية وغاياته، وأهمها تعويم نفسه، وإعطاء انطباعات خادعة وكاذبة عن الاستقرار، الذي يرى في فلسفة جديدة رئيس وفده أن بناء الانسان سابق لإعادة العمران.
وفي تفاصيل لعبة المتاهة وفي بدعة جديدة تحدث أحد أعضاء وفد النظام، وهو يسجل نقطة نظام لحديثه، بأن اللجنة ليس من حقها صياغة دستور جديد، بل عليها تقديم مقترحات دستورية، تأخذ طريقها للجهات المعنية. والرجل بذلك إنما يقوض الأساس الذي قامت عليه اللجنة، وينزع عنها اختصاصها.
الدورة الرابعة المنتهية، من عمل اللجنة الدستورية تأتي في خضم “ثورة” شعبية عارمة على كل مؤسسات المعارضة، بما فيها اللجنة الدستورية، فجرها قرار “الائتلاف” بتشكيل (مفوضية عامة للانتخابات) منوط بها الاستعداد لاستحقاقات المرحلة القادمة، بحسب زعم مؤسسيها الذين جمدوا قرارهم فيما بعد تحت الضغوط والانتقادات غير المسبوقة لأدائهم وارتهانهم، وتقوم في النتيجة على الشراكة مع النظام، ما يعني بداهة الاعتراف به، مما ينسف كل الأسس التي قامت عليها لجهة تمثيل الشعب السوري ومطالبه بإسقاط النظام.
وفي ظل ذلك كله بدأت تحركات واسعة للإطاحة بهذه المؤسسات المفروضة على الشعب السوري، وإيجاد مؤسسات وطنية ذات تمثيل حقيقي للشعب السوري بديلًا عنها، مما يضع اللجنة الدستورية وعملها تحت الأضواء الكاشفة، وهي التي كانت، منذ البداية، في نظر المراقبين والشعب السوري موضع شك في جدواها، ومثلت انقلابًا على المسار الدولي الذي جسده بيان جنيف1 والقرار الأممي 2254، الذي انتجته الارادة الدولية المشتركة.
في هذا المكان تحديداً، قلنا، في أعقاب الجولة الثالثة، إن عمل اللجنة الدستورية محض عبث دولي بلا طائل، وأنه ملهاة لن تأتي بجديد للسوريين في ظل المعطيات الراهنة وموازين القوى المختلة، وها هي الجولة الحالية، الرابعة، تؤكد قولنا السابق، وما الانطباعات التي يرسلها المحتل الروسي، من جنيف، عن جديته واستعداده للمضي قدمًا في البحث عن حل سياسي، من خلال لقائه وفدًا من المعارضة، سوى إشارات للإدارة الأميركية القادمة التي ينتظر السوريون كيفية تعاطيها مع قضيتهم ، وفي كل ذلك مصالح الدول واستراتيجياتها وأمنها، وليس مستقبل السوريين وخلاصهم بعد عشرية موت وقتل وتهجير .
الحل الوحيد الذي ينهي مأساة السوريين ومعاناتهم اتفاقهم فيما بينهم على أجندة وطنية، من خلال مؤسسات تمثلهم، وتعبر عنهم، بعيدًا عن إرادات الدول المحتلة أو المتدخلة ومصالحها، وهذا بالتأكيد لا يمر عبر عمل اللجنة الدستورية، التي أصبحت مؤسسة قائمة بذاتها، ودون أي مرجعية لها، في ظل العطالة والشلل التامين لهيئة المفاوضات.
مرة أخرى، ينجح وفد النظام في حرف مسار اللجنة، التي لم يتوقع المندوب الدولي بيدرسون قبل بدء أعمالها أي نجاح لها، كما في الجولات الثلاث الماضية، ويفشل وفد المعارضة في فرض إرادته في الدخول بتفاصيل صياغة دستور جديد، التي تقول مصادرنا الخاصة أنه خيمت عليها “أجواء إيجابية” ولم تشهد توترات تذكر، في ظل الاقتصاد في الحديث لوسائل الاعلام، على عكس المرات السابقة.
مرة أخرى ليس لنا حاجة ماسة لصياغة دستور جديد دون خطوات جدية على طريق تحقيق الانتقال السياسي المنشود والمأمول الذي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي تنهي منظومة الاستبداد والفساد.
درب الآلام الذي يمشيه السوريون صعب وشاق، ولكنه يليق بطموحاتهم بغد ومستقبل بلا طغيان أو قهر…أو موت.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين