عقيل حسين
رغم أن رئيس وفد المعارضة هادي البحرة اعتبر أن الجولة الأخيرة للجنة الدستورية السورية، التي عقدت في العاصمة السويسرية جنيف، “جرت في أجواء إيجابية”، إلا أن هذا التقييم بدا مفاجئاً للكثيرين من المعارضين، الذين تتزايد مخاوفهم مع كل جولة من نجاح النظام في جر مسار اللجنة الدستورية بالاتجاه الذي يريده، والحصول على تنازلات، بالإضافة إلى كسب الوقت، وصولاً إلى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المقرر أن تجري في تموز/يوليو 2021.
مخاوف ضاعف منها مضمون الوثيقتين الدستوريتين اللتين تقدم بهما وفدا المعارضة والنظام، حين بدت وثيقة الوفد الثاني للرأي العام المعارض “مباشرة وواضحة في الإصرار على الموقف التقليدي للنظام، برفض تقديم أي تنازلات ووصم المعارضة بالإرهاب”، بينما كانت وثيقة المعارضة “فضفاضة”.
وإلى جانب المطالبة بإنشاء هيئتين دستوريتين معنيتين بقضية اللاجئين وحقوق الانسان، نصت وثيقة المعارضة على أن تكون “الدولة السورية دولة مدنية ديموقراطية غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها”، وأن “نظام الحكم في الدولة جمهوري ديموقراطي، يقوم على التعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء”، وأن “الشعب السوري هو مصدر السلطات. وهو وحده من يقرر مستقبل بلده عن طريق صناديق الاقتراع”.
ورقة المعارضة جاءت رداً على وثيقة قدمها رئيس وفد النظام أحمد الكزبري، كانت لافتة في حمولتها السياسية التي تكرر موقف النظام من المعارضة، حين طالبت بأن يتضمن الدستور وصف جهات فيها، مثل الاخوان المسلمين، بأنه “تنظيم إرهابي”، وعلى تجريم ومحاربة أي جماعة تحمل مشروعاً إنفصالياً، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
الورقة أكدت على “الرفض التام للأعمال الإرهابية التي قامت وتقوم بها (داعش) و(النصرة) و(الإخوان المسلمين) ومن ارتبط بهذه التنظيمات أو تحالف معها”، “وعلى إدانة العقوبات الاقتصادية والاحتلال الأجنبي لأراضٍ سورية من قبل تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة”، كما نصت على أن “الجيش من الرموز الوطنية”، وعلى ضرورة رفض وإلغاء العقوبات الاقتصادية، وتشجيع عودة اللاجئين.
وبالطبع لم تشر وثيقة وفد النظام إلى الوجود العسكري الروسي والإيراني في سوريا. وهي محددات سبق وأن سربتها مصادر من داخل جلسات اللجنة الدستورية في اليوم الثالث من اجتماعاتها. لكن المعارضة نفتها في ذلك الوقت. الأمر الذي يرى فيه كثير من المعارضين سبباً إضافياً للتخوف، خصوصاً وأن هؤلاء يرون أن وفد المعارضة لا يتصرف بالشكل المطلوب في مواجهة عمل الطرف الآخر على إضاعة الوقت، وحرف مسار اللجنة الدستورية وتفريغه من مضمونه. مشيرين هذا الصدد إلى أن هيثم رحمة عضو وفد المعارضة استفزته مطالبة وفد النظام بوضع جماعة الاخوان المسلمين في خانة واحدة مع تنظيمي داعش والنصرة، بينما لم يكن هناك رد فعل مشابهاً حيال كل استفزازات النظام الأخرى، في إشارة إلى كلمة غاضبة ألقاها رحمة، عقب تقديم وفد النظام وثيقته. وتسببت الكلمة بانسحاب مؤقت لهذا الوفد من الجلسات.
وكان البحرة رأى، في مؤتمر صحافي عقده بعد نهاية أعمال الجولة، أن نشوب بعض التوترات “طبيعي جداً”، و”لا يقلل من أهمية أن الجولة بشكل عام جرت في أجواء إيجابية”.
لكن السياسي المعارض محيي الدين لاذقاني رأى في تصريح لـ”المدن”، أن “اللجنة الدستورية كانت ومنذ بداية تشكيلها أداة روسية لتمييع القرارات الدولية بشأن سوريا، وخصوصاً القرار 2254، وبهدف تضييع الوقت لمنع تشكيل هيئة حكم انتقالي، حتى يصل النظام إلى ما يسميه الاستحقاق الرئاسي. وما لم تحصل معجزة فإن هذا المخطط الروسي في طريقه للتنفيذ”.
ورداً على المطالبة بمنح وفد المعارضة الثقة وأنه لن يسمح بالتفريط بثوابت الثورة، والمحددات الأساسية للحل، وفق ما هو منصوص عليه في القرارات الدولية، يقول اللاذقاني: “هذا نوع من التمني، فالأغلبية العددية داخل اللجنة الدستورية هي للنظام، فوفده متماسك وملتزم، ووفد المجتمع المدني المرجح، منقسم ومتذبذب الانتماءات. لكن أغلبيته عند أي تصويت ستذهب في صف النظام”.
وكانت قوى عديدة في المعارضة قد عبرت عن هذا الموقف في تعليقها على نتائج الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية التي انتهت يوم الجمعة، ومنها “حركة التجديد الوطني”، التي قالت في بيان لها إنه “من المؤسف الغرق في تفاصيل عملية خداع كبيرة نجح النظام حتى الآن في فرضها على المفاوضات. فتحت شعار التفاعل الإيجابي مع الجهود السياسية، سيقت المعارضة إلى القبول بما سُمي السلال الأربع، التي ما لبثت أن أُهملت، ثم انحسرت العملية السياسية في لجنة دستورية لا يُعرف لعملها سقف زمني، ولم تتفق خلال أكثر من عام على الأسس والمبادئ الوطنية في سورية الجديدة”.
لكن ديما موسى عضو وفد المعارضة ترفض هذا التقييم، وترى أن إفشال مسار اللجنة سيؤدي إلى استعصاء جديد في العملية السياسية ككل، وسيعطي الفرصة بالفعل للنظام من أجل التهرب وإضاعة الوقت.
وتضيف في تصريح لـ”المدن”، أنه “خلال الجولات الأربع الماضية قدمنا أفكاراً ومقترحات تصلح لأن تكون مواداً في الدستور السوري الجديد، وقمنا بتحييد أي محاولات تستهدف إنهاء وجود اللجنة وإيقاف عملها، الذي هو جزء من العمل الشامل للوصول إلى الحل السياسي، والذي لا يمكن أن يكون جزئياً أو أن يقتصر على الجانب الدستوري، إنما الحل السياسي يجب أن يكون شاملاً عبر التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 2254”. وتتابع: “مع ذلك فإنّ إفشال اللجنة الدستورية، بغض النظر عن رأينا بها، سيؤدي إلى استعصاء جديد، وسيسبب تهرباً إضافياً وإضاعة في الوقت، وعدم العمل على فتح السلال الأخرى بالتوازي”.
أجوبة وتوضيحات لا تبدو أنها كافية لتطمين الرأي العام المعارض، الذي يوجد فيه من يذهب بموقفه السلبي أبعد من ذلك، إلى حد التشكيك بأن وفد المعارضة ذاهب في النهاية إلى التوقيع على مخرجات تتناسب والتوافقات الخارجية التي يمليها حلفاء النظام والمعارضة على الوفدين، لإنجاز حل لا يحقق أهداف الشعب السوري من خلال مسارات مجتزأة، تشوه قرارات مجلس الأمن حول سوريا، إن لم تكن تنسفها بشكل كامل.
المصدر: المدن