هاني العبد الله
يتابع موقع “تلفزيون سوريا” نشر الجزء الثاني والأخير من ملف “المعابر الحدودية في سوريا”، الذي يستعرض المعابر التي تقع تحت سيطرة الأسد وماذا يستفيد منها اقتصادياً.
تحدث الجزء الأول عن القوى المسيطرة على المعابر الحدودية في سوريا، وما المعابر التي يسيطر عليها الأسد، وما الفوائد التي يجنيها الأخير من المعابر التي تربطه مع الأردن والعراق.
في هذا الجزء نتعرف إلى المعابر الحدودية لنظام الأسد مع كل من لبنان وتركيا، وما الفوائد التي تحققها له وخاصةً على الصعيد الاقتصادي، وكيف يبدو واقع الأسواق الحرة الموجودة في المعابر الحدودية، من يستحوذ عليها؟ وهل تقدم أي مكاسب للأسد؟.
يوجد في سوريا 22 معبراً حدودياً رسمياً مع الدول المجاورة، 12 مع تركيا، 5 مع لبنان، 3 مع العراق، و 2 مع الأردن، ويسيطر الأسد اليوم على عشرة معابر فقط، خمسة مع لبنان، معبران مع تركيا، معبران مع الأردن، ومعبر واحد مع العراق.
بدائل النظام عن المعابر الرسمية مع لبنان
ترتبط سوريا مع لبنان عبر خمسة معابر حدودية جميعها يسيطر عليها الأسد وهي: (جديدة يابوس، العريضة، الدبوسية، جوسية، تلكلخ)، والتي تمتد بين محافظتي حمص وريف دمشق، بينما اعترف وزير المالية اللبناني علي حسن خليل، بوجود أكثر من 124 معبراً غير رسمي بين سوريا ولبنان.
رغم وجود خمسة معابر رسمية مع لبنان، إلا أن الأسد يعتمد بشكلٍ أساسي على معبري العريضة وجديدة يابوس فقط، لحركة المسافرين واستيراد السلع الأساسية التي تتم وفق الأصول، وكان لهما سابقاً دور كبير في دعم النظام اقتصادياً، لكن الأخير لم يعد يُحقق الكثير من المكاسب من المعابر الرسمية خلال الأشهر الماضية.
وعزا الباحث الاقتصادي يونس الكريم، عدم تحقيق النظام مكاسب اقتصادية من المعابر الرسمية لعدة أسباب، أبرزها تضرر ميناء بيروت وتفشي فيروس كورونا وقانون قيصر، إضافةً إلى مشكلات لبنان الاقتصادية والتوتر السياسي فيها نتيجة الفشل في تشكيل الحكومة، فضلاً عن انتشار الميليشيات على الطرق الدولية بين لبنان وسوريا، والتي تتقاضى إتاوات باهظة من التجار، وهو ما انعكس على التبادل التجاري بين البلدين.
وأضاف الكريم لموقع “تلفزيون سوريا” أنه “بعد أن تراجعت المكاسب التي يُحققها الأسد من المعابر الرسمية مع لبنان، لجأ إلى المعابر غير الرسمية، حيث تعمل ميليشيات حزب الله والفرقة الرابعة والدفاع الوطني على شراء السلع المدعومة في سوريا، وبيعها في أسواق لبنان بأسعارٍ باهظة”.
ومع تفاقم الأزمات على الخبز والمحروقات في مناطق النظام، لجأ الأخير إلى التشديد على عمليات تهريب السلع المدعومة، لتخفيف الاحتقان الشعبي ضده نتيجة النقص الحاصل في السوق المحلية.
وهنا لجأ الأسد للتركيز على تهريب المخدرات عبر معابر لبنان غير الشرعية وتصديرها إلى دول العالم، كمورد آخر لكسب القطع الأجنبي، إضافةً إلى استخدام تلك المعابر لجلب الأسلحة والميليشيات من لبنان، إلى جانب البضائع التي يُحرّم القانون الدولي على النظام شراءها نتيجة العقوبات المفروضة.
وبدأت الحكومة اللبنانية في 11 من أيار الماضي، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، سعياً للحصول على تمويل خطتها لإنقاذ اقتصاد البلاد من أزمة اقتصادية، ومن بين الشروط الأساسية التي وضعها البنك الدولي لمساعدة لبنان، إغلاق المعابر “غير الشرعية” مع سوريا، كإحدى أدوات التسرّب المالي والسلعي.
ويرى الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي محمد بكور، أن “نظام الأسد وحزب الله هما المستفيد الأكبر من المعابر غير الرسمية مع لبنان، لذا لن يسمحا بإغلاقها، وبنفس الوقت ما يعيق القوات اللبنانية عن ضبط الحدود، هي طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة، وطول الحدود التي تصل إلى (نحو 360 كم) وتداخلها في كثيرٍ من المواقع، وبالتالي في غياب الترسيم الجدي للحدود، يصبح من السهل أن تصبح أي نقطة مشتركة بين البلدين معبراً غير شرعي”.
الأسد يكسب من معابر تركيا الخارجة عن سيطرته
ترتبط سوريا مع تركيا بـ 12 معبراً، اثنان منها فقط تحت سيطرة النظام (كسب، القامشلي)، في حين تسيطر فصائل المعارضة على ستة معابر (باب السلامة، باب الهوى، الراعي، جرابلس، رأس العين، وتل أبيض)، بينما تقع أربعة معابر تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (عين العرب، عين ديوان، الدرباسية، وإكبس).
وقال الخبير الاقتصادي فراس شعبو لموقع “تلفزيون سوريا” إن “النظام لا يستفيد أبداً من معبري (كسب والقامشلي)، كونهما مغلقان من طرف تركيا، لذا اتجه الأسد إلى العمل على الاستفادة من المعابر التركية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث يسعى إلى الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه، من خلال استيراد سلع من تركيا مروراً بالمناطق المحررة عبر التنسيق مع هيئة تحرير الشام، ولاسيما الأدوية والمنتجات الزراعية وقطع التبديل، وبنفس الوقت يؤمن الأسد القطع الأجنبي عبر تصدير بضائع إلى الشمال المحرر، ما يُساهم في دعم اقتصاده المتهاوي”.
وبررت “هيئة تحرير الشام” فتح المعابر التجارية مع الأسد، أن مناطق المعارضة تستورد بضائع من مناطق النظام بنسبة 5% مقابل 95% من تركيا”، في حين تصدّرت مناطق الشمال السوري 50% من المنتجات الفائضة عن حاجتها إلى مناطق النظام بنسبة 90%، وإلى تركيا بنسبة 10% فقط، وفق ما صرّح المسؤول في “الإدارة العامة للمعابر التابعة لهيئة تحرير الشام”، سعيد الأحمد.
وأضاف الأحمد لشبكة “إباء” التابعة لـ “الهيئة” قائلاً “التصدير يعطي القدرة على الاستيراد، ولولا التصدير لعاش سكان المناطق المحررة على الإغاثة فقط والمساعدات”، مشيراً إلى أن “إغلاق المعابر وعدم البحث عن تصريف لمنتجات المنطقة، يعني تكدّس البضائع، ما سيدفع الناس للتوقف عن الإنتاج الزراعي”.
وفي السياق ذاته يرى فراس شعبو، أن “حديث المعارضة حول التبادل التجاري مع النظام يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في المحرر، ليس كلاماً دقيقاً، كون مسؤولي المعارضة يمكن لهم استيراد أي بضائع أو تصدير أي منتجات من وإلى تركيا، وبالتالي هذا يصيبّ في مصلحة تجار الأزمة هناك وليس في مصلحة سكان المحرر”.
وأضاف شعبو لموقع “تلفزيون سوريا” أن “الأسد هو المستفيد الأكبر من المعابر في الشمال السوري، كونه يمتلك خبرة طويلة في مجال الاقتصاد وإدارة المعابر، عكس المعارضة التي ليس لديها سياسات اقتصادية واضحة، وتدير ملف المعابر بشكل عشوائي غير منظم”.
وذكرت عدة تقارير إعلامية على مدى السنوات الماضية، عن احتمال فتح المعابر بين تركيا ونظام الأسد برعاية روسية، إلا أن الباحث الاقتصادي يونس الكريم، يرى أن إعادة فتح المعابر بين الطرفين غير وارد خلال المدى المنظور، لأن حصول ذلك هو بمثابة اعتراف رسمي من قبل أنقرة بشرعية الأسد، وهذا الأمر يجعل عدم وجود أي شرعية لبقاء تركيا في شمال سوريا، ما يُهدّد الأمن القومي التركي.
يضيف الكريم “فتح تركيا المعابر مع النظام رسمياً، سيُعرضها أيضاً لعقوبات من أوروبا وأميركا هي بغنى عنها، وسيحرم أنقرة كذلك من وجودها كطرفٍ يُمثل المعارضة، والذي يمنحها العديد من الامتيازات ونقاط القوة في المنطقة، وهذا في المجمل سيُظهر تركيا أنها كانت تدافع عن الطرف الخاطئ (المعارضة)، ما سيضطرها لدفع أموال ضخمة للأسد لتعويضه عن الخسائر التي تعرّض لها نتيجة خسارته للمعابر الحدودية في الشمال السوري”.
“الأسواق الحرة” كنز بيد الأسد
مساعي النظام لتحقيق المكاسب الاقتصادية من المعابر الحدودية، طالت حتى الأسواق الحرة، والتي تتوزع في المطارات السورية (دمشق وحلب واللاذقية)، وفي مرفأي اللاذقية وطرطوس، بالإضافة إلى معابر (جديدة يابوس، ونصيب، وباب الهوى).
وتحتكر شركات “رامي مخلوف” الأسواق الحرة منذ 2010، إذ لم يدخل أي منافس لاستثمار تلك المنطقة، بسبب القوة التي كان يتمتع بها مخلوف بحكم قرابته من الأسد، ولكن في نهاية حزيران الماضي، ألغت وزارة الاقتصاد والتجارة في حكومة النظام عقودها مع شركة مخلوف لإدارة واستثمار الأسواق الحرة، بعد ثبوت “تورط مستثمر تلك الأسواق، بتهريب البضائع والأموال”.
وبعد أقل من شهرين منحت حكومة الأسد عقد إدارة وتشغيل الأسواق الحرة، لكلٍ من إيهاب مخلوف، ورجل الأعمال الكويتي عبد الحميد دشتي.
ويسعى النظام للاستفادة من الأسواق الحرة الموجودة في لبنان والأردن، بينما تعتبر صالة باب الهوى خارج الخدمة كون المعبر تحت سيطرة فصائل المعارضة، ويستخدم الأسد هذه الأسواق للحصول على القطع الأجنبي، حيث بلغت قيمة عقد الاستثمار الأخير للأسواق الحرة 15 مليون دولار سنوياً لمدة خمس سنوات، إضافةً إلى ما قد يتقاضاه النظام من رسوم وضرائب.
وأفاد المحلل الاقتصادي سمير طويل لموقع “تلفزيون سوريا” أن “الأهمية الاقتصادية الكبرى للأسواق الحرة، جعلت الأسد ومن ورائه إيران يتمسكان بها، لذلك أوعزت طهران إلى النظام بمنح عقد استثمار الأسواق الحرة لكل من إيهاب مخلوف وعبد الحميد دشتي، المعروفين بتأييدهما لإيران، وبذلك تضمن الأخيرة وجود أذرع لها ضمن الأسواق الحرة، ما يمنحها مكاسب اقتصادية تنافس بها روسيا، التي استحوذت على معظم الاستثمارات في سوريا”.
إلا أن يونس الكريم قلّل من الأهمية الاقتصادية للأسواق الحرة بالنسبة للأسد لعدة أسباب، فالمسؤولون عنها يخضعون لعقوباتٍ دولية، وبالتالي لا يُمكنهم استيراد السلع لدعم تلك الأسواق، إضافةً إلى عدم توفر الدولار لدى المواطنين لشراء البضائع من السوق الحرة، والتي تحتوي في الغالب على سلع كمالية وترفيهية لا تهم أغلب المواطنين في ظل الضائقة الاقتصادية التي يواجهونها، فضلاً عن قرارات الدول المجاورة والتي تعيق حركة مرور المسافرين عبر المعابر، وبالتالي كل هذا ساهم في شلّ الحركة التجارية ضمن الأسواق الحرة”.
يذكر أن إيهاب هو الشقيق الأصغر لرامي مخلوف وكان نائبه في مجلس إدارة شركة “سيريتل” للاتصالات، لكنه استقال في حزيران الماضي ووقف ضد شقيقه، أما عبد الحميد دشتي، فهو رجل أعمال كويتي مثير للجدل بسبب تأييده لنظام الأسد وميليشيا “حزب الله” اللبناني، وقد بدأ بالاستثمار في سوريا عام 1999 عبر زوجته هالة قوطرش وابنتيها آية وشهد، وكان إيهاب مخلوف شريكاً مع دشتي في مؤسسة “العقيلة للتأمين”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا